09/09/2016 - 10:11

حاتم الطائي... النصراني

قبل أيامٍ فقط، عرفتُ، مصادفةً، أن حاتم الطائي كان مسيحياً.

حاتم الطائي... النصراني

قبل أيامٍ فقط، عرفتُ، مصادفةً، أن حاتم الطائي كان مسيحياً. 

أخبرونا، إبّان كنا تلاميذ في مدارس الابتدائية، عن سخائه وشهامته وفروسيّته، وأنه كان شاعراً وميسوراً. ومعلومٌ أنه مضرب المثل بين العرب، فهو الأكرم فيهم، منذ زمانه وإلى الأبد ربما. وما زالت شخصيته، لما يشعّ فيها من مآثر، حاضرةً (وخالدةً) في مناهج التدريس. ومع ما تحتاجه حكاياتٌ، عن ذبحِه حصانَه لضيوفه، وإطعامِه المارّين بمقامه، من خيالٍ غزير، إلا أنها استقرّت في مداركنا منذ صفوف الابتدائية، وهي مروياتٌ عابرةٌ للأجيال، ومحبّبة، تجعل كرم حاتم الطائي لا يُمارى، ولا يماثل شخصَه إنسان، في "إغاثة الملهوف" مثلاً. ولكن، أيضاً وأيضاً، لماذا خبّأوا، ولا يزالون يخبّئون، أن عربياً بهذه الأسطوريّة في مناقبه كان مسيحياً. هل كان أمرٌ كهذا، لو عرفناه، سيُربك تلقّينا حكايات كرمه الغزير، فنحتار في شخصيته؟ كان أغلب العرب في زمن الجاهلية عبدة أصنام، ولم يدرك حاتم الإسلام، فقد توفي قبل الهجرة النبوية بستةٍ وأربعين عاماً، هل حسبانُه وثنياً، أو لا يكترث بأيّ عبادة، يصيّر صورتَه في أفهامنا أفضل من أن يكون مسيحيّاً؟ لا، ليس هذا هو السبب. ولكن، ما هو السبب؟ يرد في المصادر المختصّة كل شيء عن حاتم الطائي، ومن ذلك مسيحيّته، فقد كانت قبيلته طي نصرانيّة، كما ذبيان (النابغة الذبياني مسيحي ) وإياد (قسّ بن ساعدة مسيحي)، وغيرهما من قبائل العرب النصارى. 

صار لي زملاء وأصدقاء ومعارف مسيحيون في أثناء دراستي في الجامعة وما بعدها. قبل ذلك، لم يكن في المدرسة، في أطوارها كلها، وفي الحارة والحي والجوار، أيّ أولادٍ من أترابي مسيحيين. هل كنت (وغيري)، لو عرفتُ، في تلك السنوات، أن أكرم العرب كان مسيحياً، سأمضي في بحث الأمر بعيداً؟ لا أعرف. ليس موضوع حاتم الطائي قضية القضايا، وليس كرمُه أولى الشواغل، ولولا مصادفةٌ عابرة، وقعت فيها على نصرانيّته، لما طرأ هذا السؤال، ولا سيما في غضون هذه الأيام التي تتواتر فيها، بلا توقفٍ، وقائع تجرّؤ مرفوضٍ على أهلنا المسيحيين، ليصير تأكيد أنهم شركاؤنا في بلادنا، وأنهم "ملح الأرض"، أمراً شديد الإلحاح والوجوب، في هذا الزمن الأغبر. إن كان لا يكفي للتافهين، في الأردن ومصر وسورية وفلسطين أمثلةً، ممن يستسهلون التمنّن على أهلنا المسيحيين، والانتقاص منهم لا سمح الله، أن يسمعوا أنه لولا العرب المسيحيون لما عرفت الأمة نهوض التعليم في غير بلدٍ في المشرق العربي، ولا توفرت المطابع وذاعت الفنون في غير مطرح، إنْ كان لا يكفيهم أن يسمعوا ذلك، فعليهم أن يسمعوا أيضاً أن حاتم الطائي، والذي اشتهر بذبح عشرةٍ من الإبل يومياً لإكرام ضيوفه، كان نصرانياً. 

إن صحّت كل المنقولات المتواترة عن سخاء هذا العربي الجاهلي، والذي يتمّ التشديد، هنا، على مسيحيّته بالنظر إلى التعمية المديدة عليها، فإننا نكون أمام إنسانٍ ينتسب إلى أهل العجائب والنوادر، وقد ورد في المأثور أن الرسول، صلى الله عليه وسلم، امتدح مكارم أخلاق حاتم الطائي. .. كان يوقد ناراً عظيمةً لتكون علامةً تدعو الضالّ إلى موضع "القِرى" والضيافة. وعلى ما كُتب، فإن موقده في مدينة حائل في السعودية حالياً، وكانت له منازل وقصور هناك. كان يقول لعبدِه، عند اشتداد البرد، واشتداد الحاجة إلى النار، أن يوقِدها، فإن جلبت نارُ العبد ضيفاً يحرّره، (أوْقد، فإن الليل ليلٌ قرُّ/ إن جلبت ضيفاً فأنت حرُّ). 

ليس مهماً إن كانت صحيحةً أم لم تكن، القصة الباهرة لما سئل حاتم إن كان أحدٌ أكرمَ منه، فأجاب إن غلاماً يتيماً من طيّ أكرم، إذ أطعمه دماغ رأس غنمٍ فاستطابَه، فزاد الغلام أدمغة عشرة رؤوس ذبحها، ولمّا عرف حاتم، عوّضه بثلاثمائة ناقة حمراء وخمسمائة رأس من الغنم. وجد الغلام أكرمَ منه، لأنه جاء بكل ما يملك، فيما جادَ هو بقليلٍ من كثير، على ما قال. .. لستُ معنيّاً، هنا، بفحص صدق هذه القصة أو عدمه، وإنما ببحثٍ، مضنٍ ربما، عن السبب الذي يجعل تعريف الناشئة العرب بحاتم الطائي يأتي على كرمه المهول، وعلى فروسيّته وشهامته، أما أنه كان مسيحياً فلا.

(العربي الجديد)

التعليقات