19/09/2016 - 19:26

معركة على وجه العمل السياسي

الأمور واضحة: حتى لو حققت السلطات ما تخطط للتجمع فإن نشطاءه السياسيين، وهم بالآلاف، لن يتبخروا في الهواء، بل بالعكس سيزيد ذلك من عزمهم على الاستمرار في تحدي يهودية الدولة والتشديد على الحقوق القومية

معركة على وجه العمل السياسي

أخرجت الحكومة الإسرائيلية الحركة الإسلامية الشمالية ومؤسسات قريبة منها عن القانون قبل شهور قليلة فقط، وكانت التحليلات كافة تشير إلى أن الهدف المقبل هو التجمع الوطني الديمقراطي ولن يتوقف عنده، وأن الهدف هو ضرب العمل السياسي العربي بشكل عام، وليس هذا الحزب أو ذاك.

كان الرد على إخراج الإسلامية عن القانون ليس بمستوى التحدي لأسباب ذاتية وموضوعية، والسلطات الإسرائيلية قرأته على أن الطريق مشرعة لضرب الهدف المقبل، التجمع.

صدقت التحليلات، فسرعان ما صعدت السلطات ضد التجمع لتقوم بحملات مداهمات واعتقالات لأكثر من عشرين قياديا وناشطا في التجمع، في مقدمتهم رئيس الحزب، عوض عبد الفتاح. وصرحت الشرطة أنها حققت مع أكثر من 300 شخص من أنصار التجمع ومؤيديه وأصدقائه في قضية جمع تبرعات تعود لانتخابات السلطات المحلية في العام 2013.

هذه التحقيقات جاءت بعدما قرر مراقب الدولة بشكل مفاجئ، وعلى غير عادته، تحويل ملف التجمع إلى الشرطة، وهو ما يثير التساؤلات ويرجح بشكل لا يقبل الشك أن الدافع كان سياسيًا. فعادة كان يكتفى مراقب الدولة بتوجيه استفسارات وإنذارات للأحزاب التي لم تدر حسابتها بشكل سليم، لكنه في هذه المرة قرر التصعيد، وتوجه للشرطة لفتح تحقيق جنائي.

استخدمت السلطات الإسرائيلية منذ هبة القدس والأقصى في تشرين الأول/ أكتوبر 2000 وسائل عدة لترويض التجمع أو ضرب شرعيته. كان ذلك من خلال تهم أمنية مثل التماثل مع العدو والتحريض على 'الإرهاب' أو عدم الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، وصولا لفبركة اتهامات لقائد الحزب حينها د. عزمي بشارة بتقديم المساعدة 'للعدو' خلال حرب تموز 2006. صمد التجمع أمام كل هذه التحديات وخرج منها أقوى.

هذه المرة يبدو أن بنيامين نتنياهو والأجهزة الأمنية قرروا توجيه 'ضربة قاسية' للتجمع من خلال توجيه تهم تتعلق بالدعم الخارجي والتمويل، وذلك بهدف محاصرة التجمع اقتصاديًا ومصادرة كل ما يملك. أي أن الشبهات 'المالية' هي أداة سياسية عمليًا تهدف إلى تشويه صورة العمل الوطني، ومحاصرة التجمع من خلال تجميد ومصادرة أملاك وحساباته، ما يعني خنقه، لأنه ليس بمقدور أي حزب سياسي أو تنظيم جماهيري العمل وأملاكه مصادرة. كما أن ذلك يعني أن الهجمة قد تطال أي مؤسسة لو صغيرة قد تدعي السلطات أن لها علاقة بالتجمع.

إذًا، الهدف هو ضرب التجمع سياسيًا من خلال شبهات تتعلق بجمع التبرعات والحصول على دعم خارجي دون إبلاغ السلطات.

لكن الهدف لا يتوقف عند هذا الحد، بل يرمي إلى ما هو أبعد وأخطر، وهو رسم قواعد اللعبة السياسية بين المواطنين العرب في هذه البلاد وبين المؤسسة الإسرائيلية، إذ أن صعود التجمع في مطلع الألفية رافقه تعزيز بالشعور بالانتماء القومي والوطني وشهد طفرة غير مسبوقة في نشاط المجتمع المدني، بموازاة إدراك الفلسطينيين لأهمية مواطنتهم وما يترتب عليها من تحد ليهودية إسرائيل، أي أنهم صاروا يتعاملون مع مواطنتهم من منظور وطني فلسطيني كأهل البلاد الأصليين، وليس من باب المناداة بالمساواة، أي أنهم أصبحوا يشكلون كيانًا له ملامح قومية واضحة وطموح سياسية. ورافق ذلك تطور كبير في الأداء السياسي لمعظم التيارات كما عادت الحياة السياسية إلى الحرم الجامعي وأعيد تشكيل لجان شعبية في كل بلدة وبلدة وصولا إلى حراك مواجهة مخطط برافر والحراكات من أجل الأسرى.

كل ذلك يعني أن المستهدف هو الفلسطينيين في إسرائيل بشكل عام، وليس فئة محددة، لكن هذا الاستهداف يركز على نضالهم السياسي بشكل خاص، إذ يريد نتنياهو والمؤسسة الأمنية نزع الصبغة الوطنية عن هذا النضال وتحويله إلى عمل سياسي بكل معنى الكلمة. عمل بلا طموح وطني أو قومي أو عمل لا يعكس تطلعات مجموعة قومية ترى نفسها جزءًا من شعب يواجه حالة استعمار فريدة في التاريخ.

وللتدليل أكثر على ذلك، لا بد من استحضار سؤال وزيرة الخارجية الإسرائيلية قبل أعوام، تسيبي ليفني، للنائب جمال زحالقة بالكنيست بأنه هل سيعتبر التجمع قيام دولة فلسطينية في حدود حزيران يونيو 1967 تجسيدًا كافيًا لحقوق الشعب الفلسطيني وينهي تطلعات الفلسطينيين في إسرائيل القومية. وكان الجواب واضحًا وسريعا وهو لا. هذا هو السياق الحقيقي. هل نرى أنفسنا جماعة لها تطلعات قومية تنتهي برام الله أم لا؟ وهل نكتفي بالعمل السياسي غير الوطني؟

بدا واضحًا من ردود أفعال كافة التيارات السياسية في الداخل أن مشروع التجمع ليس محصورًا به، بل بالعكس تبيّن أنه أصبح التيار المركزي، ويعبر عن تطلعات الناس كافة، الوطنية والسياسية، بأن لا مواطنة متساوية بلا حقوق قومية. وأظهرت التيارات السياسية كافة نضوجًا سياسيًا لإدراكها أن استهداف الحركة الإسلامية ويليه استهداف التجمع لن يتوقف عند هذا الحد، بل أن ظهرها سيكون إلى الحائط في المستقبل القريب، فإما أن تواجه الاستهداف وإما أن تستسلم لقواعد لعبة سياسية جديدة تفرضها إسرائيل على العمل السياسي في الداخل، وهي سياسة بلا هوية وطنية، أي عودة إلى أيام الحكم العسكري.

الأمور واضحة: حتى لو حققت السلطات ما تخطط للتجمع ومنعته من العمل السياسي وخوض الانتخابات البرلمانية، فإن نشطاءه السياسيين، وهم بالآلاف، لن يتبخروا في الهواء، بل بالعكس سيزيد ذلك من عزمهم على الاستمرار في تحدي يهودية الدولة والتشديد على الحقوق القومية، كما أن الأحزاب جميعها تدرك أن الحملة لن تتوقف عند التجمع أو الإسلامية. فقط السلطة تعتقد أنه بإمكانها العودة بنا إلى مرحلة الحكم العسكري لكن بصيغة مختلفة بأن نعيش على فتات الديمقراطية الإسرائيلية. لذا المطلوب منا أن نرفع صوتنا عاليًا وأن نتجند من أجل المعركة على وجه وهوية عملنا السياسي. 

ساذج من يعتقد أنه بالإمكان إعادة دولاب التاريخ إلى الوراء.

اقرأ/ي أيضًا | في واقعنا السياسي: أين 'إرادة شعب'؟

التعليقات