28/09/2016 - 09:47

تجريب المُجرّب

أبرزت وسائل إعلام إسرائيلية، الأسبوع الجاري، تصريحاتٍ لوزير الخارجية المصري، سامح شكري، لصحيفة اليوم السابع المصرية، عقب مشاركته في دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، قال فيها، من ضمن أمور أخرى، إن هناك "تجاوبًا إسرائيليًا" بشأ

تجريب المُجرّب

أبرزت وسائل إعلام إسرائيلية، الأسبوع الجاري، تصريحاتٍ لوزير الخارجية المصري، سامح شكري، لصحيفة اليوم السابع المصرية، عقب مشاركته في دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، قال فيها، من ضمن أمور أخرى، إن هناك 'تجاوبًا إسرائيليًا' بشأن 'أهمية' حلّ الصراع مع الفلسطينيين، وبشأن المبادئ التي يتم على أساسها هذا الحل، وهي 'المفاوضات المباشرة بين الطرفين'. 

وأكّد شكري، في الوقت عينه، أن التفاصيل هي التي أعاقت، في مواضع سابقة، هذا الحلّ، وقوّضت الاستعداد للمفاوضات، وأن المفاوضات تاريخيًا كانت تتم تحت رعاية أميركية – مصرية – أردنية. وفي الوقت الراهن، هناك مزيد من العمل من الأطراف الفاعلة، سواء الإقليمية أو الدولية، لاستئناف 'عملية السلام'، وفق مُحدّدات واضحةٍ، واستعدادٍ للتعامل مع القضايا الجوهرية المتمثلة في الحدود وعودة اللاجئين والترتيبات الأمنية (الإسرائيلية)، وإقامة الدولة الفلسطينية، فهذه كلها تفاصيل لا بُدّ من الخوض فيها، وهذا لن يتم إلا بمفاوضات ومشاورات مباشرة بين الطرفين، تُسيّرها أطرافٌ مثل الولايات المتحدة والأردن. لكنها، بالطبع، تحتاج إلى الإرادة السياسية والمرونة اللازمة من الجانب الإسرائيلي (كذا!). 

نُشرت تصريحات شكري يوم 25 سبتمبر/ أيلول الحالي، أي بعد ثلاثة أيام من الخطاب الذي ألقاه رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، أمام دورة الجمعية العامة السالفة، وكرّر فيه، كما فعل في السابق مرّاتٍ من الصعب حصرها، أنه ما يزال ملتزمًا 'رؤيةً سلمية'، تقوم على فكرة 'دولتيْن لشعبيْن'، وأن إسرائيل ترحب بـ'الروح التي تسود مبادرة السلام العربية، بالإضافة إلى ترحيبها بالحوار مع الدول العربية'. 

قبل تكرار هذه الأقوال، صدّ نتنياهو ما سمّاه 'هجوم' أبو مازن على وعد بلفور (1917)، واعتبر أنه جاء لأن هذا الوعد اعترف بـ 'حق الشعب اليهودي في أن يكون له وطن قومي على أرض إسرائيل'، مشيرًا إلى أنه عندما أيدت الأمم المتحدة قرار تقسيم فلسطين، القاضي بإقامة دولة يهودية عام 1947 (القرار 181) اعترفت بذلك بـ'حقوقنا التاريخية والأخلاقية في أرض آبائنا وأجدادنا'. لكن، على الرغم من ذلك، أضاف 'ما زال الفلسطينيون يرفضون، إلى الآن، الاعتراف بهذه الحقوق، ويقولون لا لحق الشعب اليهودي في أن يكون له وطن قومي، ولا لحقه في أن يكون صاحب دولة، ولا لحقه في أن يملك أي شيء على الإطلاق. وكان هذا الموقف، ولا يزال، لبّ الصراع، بمعنى أن الفلسطينيين يتمادون في رفضهم الاعتراف بالدولة اليهودية أيًا تكن حدودها. وعليه، لا يدور هذا الصراع حول المستوطنات (في مناطق 1967). ولم يكن كذلك قطّ، بل كان يجري، عقوداً، قبل إقامة، ولو مستوطنة واحدة. وفي فترةٍ كانت فيها مناطق الضفة وغزة جميعًا تخضع للحكم العربي... وبالتالي، يستمر هذا الصراع، لأن الفلسطينيين يطالبون باستعادة حيفا ويافا وتل أبيب، معتبرين إياها المستوطنات الحقيقية'. 

ما يجب الانتباه إليه، هنا، أن الإصرار الصهيوني على صيغة 'دولتين لشعبين'، لا على صيغة 'دولتين' فقط، يهدف إلى 'انتزاع' اعتراف فلسطيني وعربي واضح بإسرائيل، بصفتها الدولة القومية للشعب اليهوديّ، كما أشرنا في أكثر من مناسبة. 
وينطوي هذا الاستهداف على عدة دلالاتٍ، في مقدمها إلغاء شرعية المطالبة بالاعتراف بالحقوق التاريخية للفلسطينيين في وطنهم، وتوجيه 'رسالةٍ' إلى فلسطينيي 48 تُعبر عن التنكّر إزاء صلتهم بوطنهم التاريخي. وفي العقد ونصف العقد الأخيرين، تتعاظم مظاهر التنكّر للهوية التاريخية والقومية لهؤلاء الفلسطينيين، كجزء من الشعب الفلسطيني. 

اقرأ/ي أيضًا| "وثائق" إسرائيلية

كما أن ما يجب الانتباه إليه أنه، في ما يتعلق بمطلب هذا 'الاعتراف'، ينقسم ساسة دولة الاحتلال إلى صنفين: يضم الأول ساسةً يلوّحون بهذا المطلب باعتباره شرطاً للمفاوضات، ويرغبون بعرقلة التوصل إلى اتفاق منذ أول مرحلة منها. ويضم الثاني ساسةً يضعون هذا المطلب شرطاً للاتفاق، ويرغبون بعرقلة الاتفاق لاحقًا، وإلى هذا الصنف ينتمي نتنياهو. 
طبقًا لذلك ما الذي يضمن ألا تكون أي مفاوضات مباشرة بمثابة تجريب المُجرّب؟

(العربي الجديد)

التعليقات