30/09/2016 - 14:47

نحن وإسرائيل ومراقب الدولة

يصح تعريف إسرائيل كدولة مؤسسات، نعم، فإسرائيل في بعض الأحيان دولة شرطة، وفي بعض الأحيان دولة عسكر واستخبارات، وفي بعض الأحيان دولة مراقب دولة، وجميعها تسعى إلى الهدف نفسه: استهداف كل ما يزعج النظام الإسرائيلي العنصري، بأي طريقة ممكنة.

نحن وإسرائيل ومراقب الدولة

في النهاية، إسرائيل دولة مؤسسات، سواء عرّفناها كنظام كولنيالي استيطاني كما نراها نحن، أو دولة ديمقراطيّة كما يرونها هم. وهي تسعى من خلال مؤسّساتها كدولة اليهود إلى أن تدير نفسها بشكل ديمقراطي، لأسباب تتعلق بها طبعًا، لا بنا. وهذا سبب مركزي، كما يبدو، لجعل آبائها المؤسّسين يهتمّون بإنشاء مؤسسة 'مراقب الدولة' بعد سنة واحدة من النكبة، مع الإشارة إلى أن هذه المؤسسة بتسمياتها المختلفة، أصبحت حاضرة في كثير من الدول بعد الحرب العالمية الثانية، وإن كانت، تاريخيًّا، حاضرة بأشكال مختلفة منذ القرون الوسطى، قبل الديمقراطيات، وقبل دولة القانون.

ما يريد معرفته المراقب

نحن، وانطلاقًا من تعريفنا لإسرائيل، لم نعوّل يومًا على أجهزتها وأذرعها؛ لا على جهاز الشرطة، ولا على جهازها القضائي، اللّذين يصبّان كل هذه الطاقة في ملاحقة التجمع خلال الأسابيع الأخيرة. وإن رأى البعض في تحليلاتهم أنّ ما يتعرض له التجمع هو بالضرورة ملاحقة سياسية أخرى، بدليل نقل متابعة ملف إداري أو مالي من صلاحية مراقب الدولة إلى الشرطة، فمن المهم الإشارة إلى ما جاء في رسالة مراقب الدولة للتجمع خلال معاينة الملف قبل نقله للشرطة، حيث يطلب فيما يطلب، معلومات حول النشاطات التي يقيمها التجمع للأطفال والشباب، ويطلب تفصيلًا حول هوية وأعمار المشاركين في المخيمات والمعسكرات والورشات، وعن عددهم وعن مدة هذه الأنشطة، ثم يتنقل إلى السؤال حول المضامين التي يمررها التجمع من خلالها، وبعدها يطلب شرحًا وافيًا حول شروط قبول هؤلاء للمشاركة في الأنشطة، وحول مشاركة أي جهة جماهيرية أو غيرها في تنظيم هذه الأنشطة!

ليست هذه إشكالات مالية أو إدارية. ولو كانت كذلك، لرأينا مراقب الدولة، وفقًا للقانون، يغرّم التجمع ماليًّا كما غرّم أحزابًا عربية وغير عربية طوال هذه السنين. مراقب الدولة يعي تمامًا التهمة المنوطة بالتجمع: أي جيل من الشباب الفلسطيني ينشئ التجمع سنة بعد سنة؟ وأي خطاب يحمل هذا الجيل؟ وكيف يشكل هذا الخطاب المنطلق من الهوية الفلسطينية، من القومي والديمقراطي، من المبدئي والمطلبي، أزمة حقيقية في وجه الصهيونية. هذا سبب كاف لجعل المئات من قوات الشرطة تقتحم في ساعات الفجر المبكرة، بيت رئيس التجمع وقياداته ونشطائه، لتعتقلهم وسط أجواء من الترهيب.

رأس المال!

ولو أصرت المؤسسة على جعلها تهمًا مالية، فالتجمع الوطني الديمقراطي غير خجول بما يجمعه من أموال ليقيم مخيم الهوية، أو معسكر اتحاد الشباب الوطني الديمقراطي، أو معسكر التجمع الطلابي، أو حملات وطنية قطرية ، أو ليكون جزءًا طلائعيًا من حراك شعبي، أو أن يعقد أيام التوجيه المهني، أو ورشات في القيادة الشابة بخطابها الوطني، أو أن يصدر منشورات حول الرواية التاريخية وغيرها وغيرها. إذا كانت مزاعم المؤسسة حول هذا 'المال'، فنحن نستمهلها لنقول: هذا رأس المال!

ذراع لتقويض العمل السياسي

'مراقب الدولة مؤسسة غير متعلقة وهو مسؤول أمام الكنيست فقط.' بهذا الاقتباس ينتهي التعريف الوظيفي لمؤسسة مراقب الدولة في موقعه الرسمي، وعلى الرغم من وجود إشكال نظري حول تحوّل هذه المؤسسة عمومًا إلى سلطة سياسية إضافية في الديمقراطيات، واتصال هذا الإشكال النظري بجدلية التطورات التاريخية لشكل المؤسسة ومبدأ فصل السلطات، إلا أن أي قراءة لهذا الإشكال في السياق الاسرائيلي هو خطأ فادح، فعلاقة المؤسسات في هذا النظام هي ابسط مما نعتقد، حيث يختفي مبدأ فصل السلطات تمامًا في سياق صراعنا مع المؤسسة، او صراعها معنا.

لم تكن هذه الملاحقة لتكون لولا قرار سياسي مخطّط لملاحقة التجمع مرّة أخرى، وإن اختلف طابع الملاحقة أو طابع التهمة، لأن مراقب الدولة الإسرائيلية، وببساطة، لا يمكن أن يكون مؤسسة غير متعلّقة (مستقلّة)، بالذات إذا كان الحديث حول فصيل سياسي في الحركة الوطنية، هو التجمع الوطني الديمقراطي. مراقب الدولة وبدون غرابة، هو ذراع أخرى، ومهمة، في تقويض العمل السياسي الفلسطيني، ومحاولة تجريمه ودمغه بما قد يؤدي إلى إبعاد الناس عن العمل الوطني.

هكذا، على المستوى الشكلي، يصح تعريف إسرائيل كدولة مؤسسات، نعم، فإسرائيل في بعض الأحيان دولة شرطة، وفي بعض الأحيان دولة عسكر واستخبارات، وفي بعض الأحيان دولة مراقب دولة، وجميعها تسعى إلى الهدف نفسه: استهداف كل ما يزعج النظام الإسرائيلي العنصري، بأي طريقة ممكنة... والآتي أعظم.

التعليقات