04/10/2016 - 13:00

القائمة المشتركة تعود للحياة

لا يخلو عنوان هذا المقال من التفاؤل إلا أنه لا يدعو للجلوس مكتوفي الأيدي اطمئنانًا بأن كل شيء على ما يرام فيما يتعلق بنشاط القيادة السياسية ومركباتها في الداخل الفلسطيني والمتمثلة بالأساس في القائمة المشتركة ولجنة المتابعة،

القائمة المشتركة تعود للحياة

خالد تيتي

لا يخلو عنوان هذا المقال من التفاؤل إلا أنه لا يدعو للجلوس مكتوفي الأيدي اطمئنانًا بأن كل شيء على ما يرام فيما يتعلق بنشاط القيادة السياسية ومركباتها في الداخل الفلسطيني والمتمثلة بالأساس في القائمة المشتركة ولجنة المتابعة، إلا أن الأيام القليلة الأخيرة قد شهدت تحولًا مثيرًا للاهتمام في المشهد السياسي العربي، لا بد من الوقوف عنده وتحليل إسقاطاته.

القائمة المشتركة تعود للحياة- هذا هو العنوان المناسب للنقاش الجماهيري والإعلامي الذي دار مؤخرًا حول موضوع عدم مشاركة أعضاء القائمة المشتركة في جنازة رئيس دولة إسرائيل السابق، شمعون بيرس. قد تكون الصورة لهذه 'العودة' إيجابية وقد تكون سلبية، إلا أنها عودة- 'comeback' سياسية وإعلامية لها حضورها بامتياز، فالقائمة المشتركة اختفت منذ أشهر طويلة عن المشهد ككيان سياسي، يلعب دورًا في ديناميكية الوحدة السياسية للعرب في إسرائيل في وجه السلطة الجائرة، تلك الوحدة التي أُعلن عنها مع تشكيل القائمة، والتي لم تؤت أكلها ولم تظهر معالمها ولم تترجم إلى ثقل سياسي مؤثر بحجم آمال وتوقعات أكثر من مليون عربي فلسطيني في إسرائيل، وذلك لأسباب عديدة، أذكر منها التالي:

أولًا، لا يخفى أن هناك قيادات في القائمة المشتركة، لا تحمل مشروعًا يقضي بوحدة العرب في هذه البلاد سياسيًا أو تنظيمهم في أطر قومية، كمشروع مركزي أساسي يتربع على رأس سلم الأولويات، ولذلك تتعامل مع القائمة المشتركة كتحالف مبدئي واسع يُغَّلب القاسم المشترك ويعطي المساحة للاجتهاد تارة وللغلو في التعامل مع القضايا المركزية أو حتى التغريد خارج السرب أحيانًا. لا أقول إن هذا التعامل مع القائمة المشتركة خاطئ بالضرورة، إلا أنه يؤدي بالتأكيد إلى ظهور خلل وتناقض داخلي بنيوي بين المشاركة في القائمة المشتركة وبين السلوك السياسي، في حال كان لدى أحد الحلفاء مشروعًا سياسيًا آخر مخالفًا لفكرة التنظيم القومي ووحدة العرب السياسية في وجه المنظومة الإسرائيلية الرسمية، كمشروع 'معسكر يساري ديمقراطي بديل' أو 'مشروع الشراكة البرلمانية' أو كمشروع 'كفى الله المؤمنين شر القتال'... وهذا موضوع واسع يحتمل الخطأ والصواب ويحتاج إلى نقاش وتحليل في فرصة أخرى. المراد من هذا التشخيص أن يُسلَط الضوء على أحد أسباب تراجع دور القائمة المشتركة ككيان سياسي يشغل حيزًا في المشهد العام في كل فرصة وفي كل مناسبة.

ثانيًا، وجود الأحزاب العربية الفاعلة في إطار برلماني موحد، جعل من القائمة المشتركة 'حائط مبكى' و 'جبل مصائب' توجه إليه كل السهام والاتهامات والإخفاقات، بعد أن كانت الأحزاب والقيادات تقتسم نقد وسخط الجمهور. إضافة إلى نشوء جو عام جديد في العلاقات المتبادلة بين الأحزاب بدأ إيجابيًا واستمر سلبيًا، بمعنى أن مستوى النقاش والاحترام 'والكياسة السياسة' ارتفع بين قيادات وكوادر الأحزاب بعد تشكيل القائمة المشتركة، بحكم مصلحة الوحدة ووحدة المصلحة، الأمر الذي تفاقم إلى حد إلغاء النقاشات السياسية العلنية بين الأحزاب ومحاولة احتواء الأزمات التي من شأنها أن تسهم في إثراء النقاش الجماهيري في أمور الهم العام، العلاقة مع الدولة، العلاقة مع القضية الفلسطينية، أساليب النضال والاحتجاجات الجماهيرية وغيرها. هذه الديناميكية التي صَفَّرت النقاش السياسي بين الأحزاب وحولت عملية اتخاذ المواقف إلى عملية مبنية إما على الإحراج وإما على الاستفراد؛ أدت إلى ضرب هيبة القائمة المشتركة جماهيريًا، ومن ثم إلى ظهور ديناميكية عودة كل فصيل إلى مخدعه، ومحاولة تسليط الأضواء أكثر فأكثر على الحزب الأم، وتغييب الانتماء للقائمة المشتركة كإطار، الأمر الذي يؤدي تدريجيًا إذا ما استمر، إلى ضياع المشتركة كمشروع وبقائها كإطار تقني ليس إلا.

ثالثًا، الانتخابات البرلمانية القادمة. نعم، ثمة من يتعامل مع القائمة المشتركة كغنيمة ستوزع على القبائل بعد حين، ولذلك يجب أن يعد العدة وأن ينتظر اليوم المشهود للمطالبة بأكبر عدد ممكن من المقاعد فيها. ولا ضير في ذلك، إذا ما تم التعامل مع الموضوع من منطلق قوة المشروع السياسي الذي يطرحه كل فصيل والدعم الجماهيري لهذا الطرح الذي من شأنه أن يُترجم إلى قوة انتخابية حقيقة في الواقع، لكن، وعلى مشروعية هذا النهج، لا بد من أنه يضعف دور وحضور القائمة المشتركة ككيان سياسي جامع للعرب وكمشهد وحدوي طبيعي في مواجهة المؤسسة الإسرائيلية في المضمار البرلماني، إذا ما تحول إلى النهج المركزي وإلى محور العمل.

رابعًا، وجود القائمة المشتركة كعنوان وحيد للعرب في الكنيست، أدى إلى تسهيل مهمة منافسين محتملين من خارج الأحزاب المركبة للمشتركة، في مهاجمة قرارات أو خطوات القائمة المشتركة، بهدف التعبئة وكسب التأييد الجماهيري، حتى وإن كانت تلك المعارضة من أجل المعارضة، ليس إلا، ولأن المنطق الطبيعي للتصرف والتفكير الإنساني لا يخلو من 'الضد'، فمهمة منافسة المشتركة عبر معارضتها كجسم سياسي وحيد في المشهد السياسي هي مهمة سهلة وعملة رائجة ودارجة في هذه الأيام.

خامسًا، هشاشة التعامل مع الأحداث السياسية العامة، وتحويل الثقل إلى المدني والخدماتي.

من المآسي التي واجهتها القائمة المشتركة منذ بداية عملها، هو الإنجاز والتحول النوعي في التعامل مع مؤسسات الدولة في ما يتعلق بالميزانيات والقضايا المدنية، مقابل الإخفاق في التعامل مع الأحداث السياسية الكبيرة خاصة كقضية حظر الحركة الإسلامية وإبعاد أعضاء البرلمان العرب عن الكنيست وسن قانون حول ذلك.

وبينما حصل تحول نوعي في مستوى التنسيق والتشبيك والعمل المهني بين القائمة المشتركة ومركباتها وبين السلطات المحلية العربية والجمعيات الأهلية، ما أدى إلى طفرة في نوعية العمل المهني والمطلبي للنهوض بوضع الأقلية العربية في شتى المجالات (ليس هذا حكم على النتائج بل على المنهجية)، وقفت القائمة المشتركة عاجزة بدون رد أمام ملاحقة العمل السياسي العربي والتحريض ضد المواطنين العرب من قبل اليمين ورئيس الحكومة بذاته مرة تلو الأخرى. هذه المقالة لا تهدف إلى الموازنة بين الأمرين أو تفضيل أحدهم على الآخر، بل تهدف إلى طرح تساؤل حول ديناميكية العمل البرلماني المشتبك بالضرورة مع العمل السياسي والمعركة على الرأي العام، الأمر الذي من شأنه أن يضعف شوكة المشتركة أكثر، إذا ما اتضح أن هذا الخمول والهوان في الخطاب السياسي هو ثمن تدفعه الأقلية العربية مقابل فتات من حقوق مدنية وميزانيات لها الحق فيها سلفًا.

ليست هذه الأسباب الوحيدة والحصرية، إلا أنها المركزية بإيجاز، والتي أدت إلى تحول القائمة المشتركة إلى إطار برلماني لا لون له ولا طعم ولا رائحة، يمتهن العمل المدني ولا يلعب دورًا في النضال السياسي والإسهام في ترشيد الخطاب السياسي في ثقافة ووعي الناس، ما أعطى الشعور باختفاء المشتركة عن المشهد ككيان له وزن حقيقي، فما الذي حدث في الأسبوع المنصرم؟ وهل عادت 'المشتركة' إلى المشهد؟

قرار نواب المشتركة بعدم المشاركة في جنازة بيرس لا يحظى بتأييد كاسح لدى الجماهير العريضة، ليس لأن شعبنا تنازل عن كرامته أو لأنه لا يعرف تاريخ بيرس الحافل في نكبة شعبنا واستيلاء الصهيونية على أرضه وخيراته، بل هو نتيجة لتمييع الخطاب السياسي في الآونة الأخيرة، وقبول التنازل في الموقف لإرضاء الإعلام الاسرائيلي وتهليله، ومقابل فرز العرب إلى متطرفين ومعتدلين في نظر السلطة، كي يتحول المعتدلون إلى القيادة التي باستطاعتها أن تكون مقبولة لدى السلطة وأن تأتي بالإنجازات وأن تُحسن 'من صورتنا لدى اليهود'. وقد استفحلت المؤسسة الإسرائيلية، مؤخرًا، في تعميق هذه الحالة وترسيخها مقابل استمرار نتنياهو في التحريض ضد العرب تارة وفي الحديث عن أهمية اندماجهم في المجتمع الإسرائيلي واستعداد الدولة لضخ الميزانيات من أجل ذلك، تارة أخرى.

في هذه الظروف، والتي سبقها نقاش جماهيري واسع حول شخص وشخصية بيرس وعلاقتنا مع الدولة في ما يتعلق بالحقوق وربطها بالولاء لدولة إسرائيل بشتى مفاهيمه وأشكاله، شكلت مقاطعة نواب المشتركة للجنازة حدثًا إعلاميًا، خلط الأوراق من جديد وكان بمثابة صفعة للنهج الإسرائيلي السلطوي الذي أرادنا مشتتين، وأراد للقائمة المشتركة أن تكون كيانا خاليا من أي مضمون سياسي.

الأيام الأخيرة أثبتت أن الوحدة، والوحدة في الموقف هي الوضع الطبيعي في وضع العرب السياسي، وأن الخطاب السياسي الثابت والمُنضبط هو ضمان استمرار هذه الوحدة بقوة.

اقرأ/ي أيضًا| تمخض الجبل فولد تغريدة عنصرية

الأيام الأخيرة أعادت كيان القائمة المشتركة إلى المشهد السياسي بقوة، ولا يغرنا النقد والعتب على المشتركة، هذا هو المطلوب من الجمهور، أما المطلوب من المشتركة فهو أن ترشد الخطاب السياسي بطريقة إستراتيجية مدروسة، وطنية وأخلاقية، وأن تقود بكل عنفوان هذا الخطاب من جديد، في هذا الزمن الرديء.

التعليقات