09/10/2016 - 12:06

درويش ليس كرة في ملعب ريغيف

محمود درويش لا يفتقر إلى الوجود والحضور، فوجوده لا يثبت أو يكرس بإذن من ريغيف، أو من خلال مناهج التعليم الإسرائيلية، التي وإن استعملته فهي تفعل ذلك بتسفيه غير محتمل، كما تفعل اليوم من خلال الاختيارات التقليدية او القصائد المباشرة والسهلة

درويش ليس كرة في ملعب ريغيف

أظهرت وزير الثقافة والرياضة الإسرائيلية، ميري ريغيف، قدرًا لا يستهان به من الجنون والشرور تجاه الفلسطينيين في إسرائيل منذ ظهورها في الساحة السياسية عام 2009، ورغم شخصيتها " الرادحة" والمثيرة للسخرية، أصبح من الحكمة أخذها على محمل الجد، والتوجس من نواياها والإعداد لصد أفعالها، لكن  الفارق كبير بين هذا وبين "إهدائها طواعية" مادة دسمة لمسرحياتها الإعلامية.

رغم يقيني بصدق نية الفنان تامر نفار في أدائه لشعر محمود درويش في حفل جوائز "أوفير" للسينما الإسرائيلية، إلا أن اقحام درويش في مجابهة مع شخص مثل ريغبف، يضعه عنوة في ملعبها الضحل أخلاقيا وسياسيا وثقافيا، ملعب ما كان يأبه أن يثبت به لأحد شيئا.

شخصية ريغيف المتوترة، وشراستها المكشوفة وغير المقنعة، التي تنضح بالعنصرية في ما تقول وتفعل، قد تجسد بأعيننا الصورة الحقيقة للعنجهية اليمينية. صورة قد تدفع بالكثيرين منا للرغبة بالرد عليها بما استطعنا إلى ذلك سبيلا، لكننا نعرف أن هذا أكثر ما تحتاجه، فهي تبتهج بإعلان الحرب عليها، أكان من جهة نخبة الثقافة الإسرائيلية أم من جانبنا نحن الفلسطينيين وقياداتنا في الداخل، وفي الحالتين، الأمر يترجم مباشرة بتضخم رصيدها في حزب الليكود، حتى باتت أكثر الوزراء شعبية، ومن بين الأكثر شراسةً وتأثيرًا.

من المهم أن نذكر، أن هذه المرأة وصلت خلال سبع سنوات من المكان السابع والعشرين والأخير في قائمة الليكود، إلى أكثر السياسيين ظهورا وحضورا في الإعلام العبري اليوم، بفضل استغلالها لكافة المناسبات للمواجهة واستعراض عنصريتها تجاه المجتمع العربي وقياداته، وتحاول الربح من مواجهة مفتعلة مع ثقافتنا الفلسطينية من خلال شعر درويش.

ريغيف، ومن بعد انتخابها في ذيل قائمة الليكود عام 2009، لم تجد ضالتها في الظهور والبروز، ولم تحظ بأي اهتمام يذكر، إلى أن جاءتها الفرصة ليسطع نجمها من خلال الانفلات الشرس على النائبة حنين زعبي ومشاركتها في أسطول الحرية، وتابعت هذا النهج الشعبوي منذ ذلك الحين، من خلال إشباع غرائزها وغرائز جمهورها اليميني العنصري. وبفضل نوباتها الهستيرية، تقدمت في أقل من ثلاث سنوات في قائمة الليكود إلى المكان الرابع عشر، ما أهلها للحصول على رئاسة لجنة الداخلية البرلمانية، إحدى أهم اللجان المخولة ببحث قضايا الهدم والبناء والأرض والحكم المحلي في المجتمع العربي، ومن هناك موضعت نفسها يوميًا في زمن الذروة الإعلامي كشخصية يمينية شعبوية، من خلال الاستفزاز المستمر واستهدافها للنواب العرب وافتعال الاشتباكات الصارخة والاستفزازية التي تنتهي بدخول أفراد الأمن إلى القاعة.

تلك المسرحيات الإعلامية، نقلت ريغيف بشكل صاروخي للمكان الخامس في انتخابات الليكود التمهيدية عام 2015، ومن هناك إلى وزارة الثقافة والرياضة وبدء مسلسل الرعب الثقافي، والذي افتتحته بالمؤسسات الثقافية العربية وعلى رأسها مسرح الميدان ومسرحية الزمن الموازي.

رغم فشلها الفعلي والقانوني في كسر إرادة مسرح الميدان وتقويضه، إلا أنها اكتشفت الكنوز الانتخابية الكامنة في استهداف العرب، مثلما اكتشفها رئيس حكومتها من قبلها، لذا ما كان غريباً تلقفها وبحماس شديد بث حلقة تناولت شعر درويش عبر إذاعة الجيش الإسرائيلي، ومن ثم غناء تامر نفار لكلماته على مسرح النخبة الفنية والثقافية الإسرائيلية، في حفل جوائز "أوفير" للسينما قبل أسابيع معدودة.

 كان ينبغي عدم زج محمود درويش في لعبة ريغيف، ليس من قبيل الخنوع لإملاءاتها، إنما ترفعًا واحترامًا لمكانته الأدبية والثقافية، فشاعرنا الكبير عدا كونه أيقونة وطنية فلسطينية، هو أيقونة في الأدب المعاصر، وليس طارقاً على باب ريغيف، وليس محاربا من أجل الوجود على خريطتها الثقافية المحدودة أو المعدومة، وليس في ميراثه أي كلمة تحرجنا لمن يعرف القراءة.

محمود درويش لا يفتقر إلى الوجود والحضور، فوجوده لا يثبت أو يكرس بإذن من ريغيف، أو من خلال مناهج التعليم الإسرائيلية، التي وإن استعملته فهي تفعل ذلك بتسفيه غير محتمل، كما تفعل اليوم من خلال الاختيارات التقليدية او القصائد المباشرة والسهلة أو المغناة والتي كتبها في مراحله الأولى، مثل "أحن إلى خبز أمي"، وتقديمها كمادة لغوية للإعراب والقواعد دون الخوض في المعنى والسياق.

ولحوارنا الداخلي في المجتمع العربي بشكل عام، دون العلاقة لريغبف ونوباتها، نحن نظلم درويش أيضًا في انكفائنا على نصوصه الأولى، وقد عبر بنفسه تكرارًا عن رغبته بالتحرر من أغانينا الحالمة والغاضبة، وإعادة تدوير قصائده الثورية الكلاسيكية، كان يفضل نقلنا معه إلى عالمة الشعري الثري والناضج الذي وصل إليه في نهاية حياته، وليس صدفة تجنبه إلقاء "سجل أنا عربي" أو "أحن إلى خبز أمي"، في أمسياته وقراءاته في السنوات الأخيرة، وهي مواد يعتبرها فصلاً مبكراً من حياته، بعد أن وصلت أشعاره ومجموعاته الأخيرة إلى مستويات فائقة من العمق والتركيب الدرامي والرمزي، وتوظيف البعد الأسطوري الشرقي والغربي والإنساني عمومًا، وهذا دون النأي عن تجسيد المأساة الفلسطينية، ووضعها في موقع أسمى يخاطب كل البشر.

موقع درويش الطبيعي في الأدب والفلسفة والنضال الإنساني عمومًا، هو موقع لا تستطيع ريغيف ووزارة سخافتها لمسه أو تدنيسه بطبيعة الحال، فهو يتعدى قدراتها الذهنية والعقلية أصلاً، ولذا بنظري إقصاء ريغيف عن درويش عدا عن كونه تأففًا وترفعًا عما تمثله، ما هو باختيار مقاطعة التأثير على ثقافة الإسرائيليين بما يتعلق بالشعب الفلسطيني، بل لمنع مروره لوعيهم وخدشة عبر غربالها الغليظ، المصلحي والعنصري. 

التعليقات