10/10/2016 - 11:25

أوباما رجل الهدايا الإسرائيلية بامتياز

أصيب بعض العرب الحالمين بخيبة أمل كبيرة، من خطاب أوباما على سدة الأمم المتحدة وبما سبقه من اتفاقيات أمنية ومالية عسكرية لإسرائيل. إذ كانت توقعاتهم الساذجة تعتبر أن أوباما سوف يثأر في نهاية المطاف وفي آخر عهدته لنفسه من نتنياهو على تحديه

أوباما رجل الهدايا الإسرائيلية بامتياز

أصيب بعض العرب الحالمين بخيبة أمل كبيرة، من خطاب أوباما على سدة الأمم المتحدة وبما سبقه من اتفاقيات أمنية ومالية عسكرية لإسرائيل. إذ كانت توقعاتهم الساذجة تعتبر أن أوباما سوف يثأر في نهاية المطاف وفي آخر عهدته لنفسه من نتنياهو على تحديه، وانتقاداته العلنية له، واللوم اللاذع الذي وجهه له في عقر داره. وكذلك استهتاره فيه أكثر من مرة، وتجاهله له في أكثر من مناسبة، ولكن ثبُت في النهاية أن رئيس أكبر دولة في العالم، السيد أوباما، لا تعنيه كرامته كثيراً بقدر ما يعنيه بقاء حزبه في الحكم، وأن العلاقة مع إسرائيل الولد المدلل الذي يتحكم إلى حد ما في صناديق الاقتراع الأميركية هي فوق كل اعتبار!

فأوباما استعجل في التوقيع على اتفاقية وصفت بأنها الأضخم والأهم في تاريخ  العلاقات الأميركية – الإسرائيلية، وذلك قبل سنتين من انتهاء اتفاقية سارية المفعول وتنتهي في عام 2018. الاتفاقية الجديدة بقيمة 38 مليار دولار، سوف تمتد عقداً من الزمن، أي لغاية 2028، وسوف تفتح أمام إسرائيل أبواب مختبرات الأسلحة الأكثر حساسية، والخزانة الأميركية بسخاء كبير. وقد وصفها أحد المعلقين الغربيين بأنها خير تعبير عن وحدة الحال القائمة بين زوجين.

وسبق كل ذلك تحويل الاتفاقيات الاقتصادية والهبات المادية إلى عسكرية. وأعطيت إسرائيل في عهده من الأسلحة ما لم تستطع الحصول عليه من الإدارات الأخرى. ثم استتبع ذلك بالموافقة على كل المشاريع الاستيطانية ضمنا مع معارضتها بالخطب وبعض التصريحات الباهتة. ليأتي الاتفاق الأخير، والذي فاق كل الحدود، ليؤكد أن مستوى الرؤية عند الأميركان باتجاه العرب والفلسطينيين جد منخفض، وأن بوصلتهم تتجه دائما نحو إسرائيل فقط، وأن الباقي كل الباقي برمته مجرد تفاصيل.

ومن هنا يتأكد لنا صدق هذه المقولة: الأمور بخواتيمها...  لندرك أن تصريحات أوباما في بداية فترته الأولى، كانت مجرد عبارات وشعارات أطلقها في الهواء للتخدير، ولم يتبعها أي قرار فعلي يضايق التصرفات الإسرائيلية المتغطرسة، أو يخفف من حملاتها المسعورة ضد الفلسطينيين، أو يساهم في وقف بنائها للمستعمرات على الأراضي الفلسطينية، ولا في مصادرتها للأراضي وهدمها للمنازل، أو عمليات اعتقالها التعسفية ضد الفلسطينيين، أو ما تقوم به يوميا من اغتيالات لأطفال ونساء وشباب وناشطين فلسطينيين يسجل معظمها على أنه وقع إما بالخطأ، أو بتهم كاذبة يتم تلفيقها وفبركتها على المقاس إخراجا وسيناريو وموادا قانونية يتم انتقاؤها من قوانين المستعمر البريطاني تارة، ومن قوانين مخصصة للفلسطينيين وإدانتهم تارة أخرى.

إن أي مراقب لشريط الأحداث، يدرك أن هدايا الرئيس الأميركي بدأت بالهطول مطرا وخيرا على الدولة الصهيونية منذ بداية عهدته الأولى. وأن خطبه التي جعلت العرب ينامون على حرير، ويحلمون أكثر من اللازم، كانت تشبه إلى حد كبير حروب العرب الكلامية وتصريحات زعمائهم... وأثبتت الأيام أن إدارة أوباما كانت الأكثر هرولة باتجاه إسرائيل، والأكثر سخاء وتعاونا مع الدولة الصهيونية وعلى كل الأصعدة وكل المجالات. وأنها لم تكتف بتغطية كل ما قامت وتقوم فيه حكومتها العنصرية ضد الشعب الفلسطيني، بل تدخلت وبقوة للحد من الأطروحات الأوروبية حول مؤتمر للسلام، وخصوصًا المشروع الفرنسي، الذي على ما يبدو أنه مات من قبل أن يولد بفضل الضغوطات الأميركية وتطويق اللوبي الصهيوني له.

إن الناخبين العرب في أميركا ليسوا أقل عددا من الإسرائيليين، ومنهم من يمارسون في حياتهم كل مناحي القبلية البشعة، ويلبسون كل أثوابها، ويتيهون في تفاصيل تفاصيلها، ولكنهم للأسف يتناسون ذلك فجأة أمام صناديق الاقتراع، فلا يجمعهم ويوحد كلمتهم شيء حتى الجمعيات والنوادي التي يلتقون فيها، فهي بالنسبة لهم مجرد مكان للقاء وأحيانا للنقاشات السفسطائية. وكل واحد منهم يركض بشكل منفرد وعلى هواه دون مرجعية وطنية وركيزة فكرية وراء جزرة غير موجودة أصلا، كمن يركض وراء سراب. وأما قادة عرب الأوطان فإن أكبرهم لا يطمع بأكثر من صورة إلى جانب سيد البيت الأبيض، وبقليل من تغاضي السيد عما يفعله ذلك الكبير بشعبه وثروة وطنه!

وحتى لا يحسب العرب حسابات كثيرة وتبدأ أحلام اليقظة عندهم حول الانتخابات الأميركية القادمة، فإن أي رئيس قادم لن يُخلَّ ولو بفقرة أو كلمة واحدة من الاتفاقية الأميركية مع الكيان الصهيوني. هذا إن لم يعززها بهبات واتفاقيات استثنائية أو ملاحق لا يعلم ما في ثناياها إلا الله سبحانه، وعليهم أن يدركوا أيضا أن دورهم الذي لعبوه في الفترة السابقة كحليف لحاميهم الأميكري آيل إلى عبث الرياح بل للذهاب معها. وكان عليهم أن يدركوا وهم يرددون في اليوم الواحد عشرات المرات المثل القائل : 'وعلى نفسها جنت براقش'، أنهم وقعوا فيه!

* كاتب وناقد لبناني مقيم في باريس        

اقرأ/ي أيضًا | عن الاعتقالات في الداخل

التعليقات