12/10/2016 - 11:29

رغبة الجماهير والمظليين العرب

هناك محاولة لإعادتنا لأيام الحكم العسكري وإعادة بناء محاور قديمة بأدوات جديدة، وفي سياق الهجوم المتواصل علينا، يتم إعادة بناء مفهوم المصالح من جديد، وهذه المرة من خلال التأكيد على أن هناك ما سوف نخسره في حالة عدم الانصياع للحالة.

رغبة الجماهير  والمظليين العرب

لم يكترث  الجنرال المتقاعد، عميرام ليفين، لمشاعر عائلة شمعون بيرس، بعد أن أكد أن تأثير بيرس على عملية عنتيبي عام 1976 لم يكن كبيرًا، بل كاد يكون معدومًا، ووصفه بالكاذب والمحتال.

وليس المقصود في أقوال ليفين من وجهة نظرنا الخوض في الاعتبارات العسكرية للعملية، بل في جدوى الحديث، الذي مس بيرس وعائلته بالضرورة، لكنه بخلاف مشاركة العرب في جنازة بيرس، لم يلق اهتماما إعلاميا، وتهما أقلها 'المس بشعور العائلة 'وذكرى الميت'، ليس هذا فحسب.

ليس منذ زمن  طويل،لم يجد يوسي  بيلين، واحد من أبرز تلاميذ بيرس، حرجا في شن  هجوم كاسح  على واحد من أبرز قادة حزب العمل والعسكر، بنامين (فؤاد) بن اليعيزر، ووجه له تهما من النوع الثقيل، مباشرة بعد موته، غير أن هذا لم يقابل بردود فعل  غاضبة، على العكس تمامًا، لقد منح الإعلام  المنصة والوقت الكافي لبيلين لإيصال  رسالته بوضوح تام.

وجاء استطلاع القناة العاشرة حول موقف الجمهور العربي من عدم مشاركة  النواب االعرب في جنازة بيرس،ليكشف لنا من جديد أن  القضية لا تخص بتاتا أي مسألة 'أخلاقية 'و'مصلحية ' كما حاول الإعلام  الإسرائيلي  تصويرها كل الوقت، مؤكدا أنها 'انعدام مسؤولية' من قبل منتخبي العرب، وتمس بمصالحهم  أولا.

وقد يكون في نسبة  المستطلعين العرب، الذين اعتقدوا  أن النواب العرب 'أخطأوا ' بسبب عدم مشاركتهم في الجنازة، فيها كثير من 'الإقناع '، إذ أن 70 في المئة، كما أظهر  الاستطلاع، الذين أكدوا  على 'الخطأ '،ليست نسبة  يمكن التهاون بها.

من جهة أخرى، القراءة المبسطة للأرقام، واستطلاعات الرأي العام  تحديدا، يمكن أن تكون  مضللة للغاية، حين يتم تناولها  خارج السياق، وبعيدا عن الواقع.

المظليون

لدينا نحن العرب 'جيش من المظليين'، في السياسة بشكل خاص، هؤلاء دائما على أهبة الاستعداد للهبوط في اللحظة المناسبة، بالجمل والمقولات ذاتها مثل 'نحن العرب لا نجيد العمل السياسي'، 'نحن العرب لا نعرف التعامل مع الآخر '،'نحن العرب لا نجيد الحديث في الإعلام  الإسرائيلي'، 'نحن العرب نجيد الجعجعة والصراخ'، 'نحن العرب لم ننجح في اختراق المجتمع  الإسرائيلي'،وتنتهي كل هذه الانتقادات في العادة باستطلاع  يفحص حاجة إقامة 'حزب عربي جديد'.

'أثبت  الإعلام  الإسرائيلي  أنه قادر على وضعنا في المربع الذي يريد، ونتائج  الاستطلاع أثبتت ذلك بجدارة'

جرب العرب كل الإمكانيات  البرلمانية وغير البرلمانية حتى الآن، وفي الناحية البرلمانية ، وإضافةً للأحزاب العربية غير الصهيونية، نشط العرب ضمن كل إمكانية  'إسرائيلية وصهيونية'، منذ النشاط ضمن الأحزاب  العربية التي  أنشأتها  حزب مباي  (حزب العمل في صيغته الاولى)، أيام الحكم العسكري في سنوات الخمسين والستين حتى بداية الثمانينيات، ونشط العرب ضمن الأحزاب  الصهيونية، العمل وميرتس وشيلي  وكاديما  وحتى  الليكود، ولم يغير هذا من حالتهم  شيئًا، بل على العكس.

لم ينفع العرب مرة أنهم كانوا 'إيجابيين' و'معتدلين ' يمتازون بـ'واقعية مذهلة'، مشكلتهم  لم تكن على هذا النحو، كانت مشكلتهم وما زالت وستبقى كونهم عربًا، من يريد أن يتغاضى  عن هذه الحقيقة، بإمكانه  أن ينتقد ويشتم كذلك، وأن يفحص  إمكانية  تأسيس 'حزب عربي يخدم مصالح العرب'.

 هذا الاستطلاع جاء بعد عملية تحريض ونزع شرعية متواصلة قادها الإعلام  الإسرائيلي  ضد عدم المشاركة في الجنازة، ما أثر على  مواقف المستطلعين، وجاءت النتيجة على هذا النحو.

من جهة أخرى، لا يمكن القفز فوق هذه النتائج، دون الخوض مرة أخرى في 'رغبة الجماهير'، وهي الجانب الأهم  في الاستطلاع. لا بد من تحديد هذه 'الرغبة' في المشاركة في جنازة بيرس في سياق تحديد المصلحة التي تراها الجماهير، فهي مثلا لم تشارك في الجنازة بأقل من نسبة 'رغبتها'  بكثير، وأقصد المشاركة الفعلية، ولم تبد علامات حزن وحداد  تتناسب مع 'رغبتها' في المشاركة، وحتى الجدل  الذي دار على شبكات التواصل لم يكن منسجما مع نسبة 'الراغبين' في المشاركة، والنتيجة التي كانت على هذا النحو نبعت بالأساس  من انشغال الإعلام  الإسرائيلي بها، إلى  حد صار الاعتقاد أن الأمر  يدور حول مسألة وجودية.

مرة أخرى،  أثبت  الإعلام  الإسرائيلي  أنه قادر على وضعنا في المربع الذي يريد، ونتائج  الاستطلاع أثبتت ذلك بجدارة.

ليست جنازة بيرس هي التي كانت مطروحة علينا  نحن العرب، بل القدرة على استثمارها من قبل الإسرائيليين  وإعلامهم، واستعمالها كمادة سياسية في سياق 'الشرعية'، وهي تنضاف إلى  مسألة قديمة يتم العمل عليها بشكل منهجي مؤخرًا، وهي الهجوم على 'قيادة العرب'، سبقها الهجوم المنهجي  على قيادة  الحركة الإسلامية وحظر الحركة والحكم على الشيخ رائد صلاح بالسجن، تحت طائلة 'التحريض 'والمس 'بالأمن والتعايش ' في القدس والأقصى، ولحقها  الهجوم  على التجمع وقيادته بـ'قضايا إدارية'، وكان الهجوم على نواب العرب، مؤخرًا،  بسبب موقفهم من عدم المشاركة في جنازة بيرس هو لحظة انقضاض  أخرى،وليس آخرها.

لسنا هنا بصدد تقييم دور القيادة، لدينا ملاحظات كثيرة، وانتقادات كذلك، نعرفها وتكتب كل عشية وضحاها، لكن في الوقت ذاته علينا أن نفهم السياق التي تقال بها الأشياء  إسرائيليًا، بالذات وتحديدا الآن.                        

نحن والسياسية

كان الادعاء  الدائم لدى الإسرائيليين عبر سنوات طويلة، أن النواب العرب في الكنيست ينشغلون في السياسة وفلسطين، ولا يخدمون مصالح وقضايا منتخبيهم، فيما أكد بحث أجري  في الكنيست مؤخرا  أن الحقيقة معاكسة تمامًا، أي أن النواب العرب منشغلون للغاية في القضايا اليومية  والحياتية  للعرب. ونسي البحث، كما تنسى السياسة والإعلام  الإسرائيلي  عامة، التأكيد على القضية الجوهرية، المسألة ليس بماذا تنشغل فقط بل على ماذا تؤثر؟ ومشكلة العرب في البرلمان ليس أنهم  لا يجدون ما ينشغلون  به، بل في أنهم يصطدمون في واقع يمنعهم  من التأثير والتغيير، بفعل طبيعة المؤسسة  التي ينشطون داخلها، وحتى حين شكلوا قوة برلمانية واحدة، لم يدفع هذا بتغييرات  جدية.

وخيبة الأمل الكبيرة التي يبديها  العرب، شعبيًا  ورسميًا،  من حدوث تحولات جدية في السياسة الإسرائيلية،  لا تنبع بتاتًا من أداء النواب العرب، هذا للأمانة والتاريخ، مع اختلافنا في هذه المسألة.             

'هناك محاولة  لإعادتنا لأيام الحكم العسكري وإعادة بناء محاور قديمة بأدوات جديدة'        

للمرة  الألف سنقول هنا ما قلناه ونؤمن به، ليس هناك من يدفع باتجاه إخراجنا من 'حياتنا الواقعية'،سوى الذين في عالمهم 'المتخيل' و'الوهمي'، الذين يرون الواقع من خلال  جمل افتراضية، الذين بالعموم لا علاقة لهم بالواقع، الذين لا نسمع منهم سوى  الكلام السلبي والمحبط، الذين يعتقدون أيضا ان على القيادة التنحي ليحلوا  محلها، لأنهم  يحملون شهادات  جامعية،وهذا يمنحهم بشكل فوري مقود القيادة، لأنهم  خلقوا لذلك.

من حق كل واحد طبعًا أن يبحث عن مقعد أو كرسي، مكان تحت الشمس، ومن حقنا أن نعرف ما يحمل بجعبته من مشاريع لتغيير الواقع.

من حق كل واحد أن يختار المكان الذي يريد أن يكون فيه، أن يكون إسرائيلي بامتياز وأن يتهم العرب بكل تهمة يريد.

من حق كل واحد أن يكون بما يسمى 'الواقعي' وبالشكل الذي يريد، وأن يحافظ على 'مصالح' العرب كما يرى، العرب الذين 'يجعجعون ' في العادة ويصرخون ولا يجيدون انتقاء الكلمات والجمل والخطاب لمخاطبة  الآخر.

القائمة طويلة، لكن من الضروري أن نفهم  من هؤلاء، كيف يمكن وقف هدم البيوت واقتلاع أهلها من النقب، وأطلب الإجابة على هذا السؤال فقط، لنفهم  كيف نصبح أكثر 'واقعية' و حرصا على مصلحتنا؟

وسنترك بقية الأسئلة للمرات المقبلة، مثل سؤال: هل تعتقد أن بيرس هو رجل سلام أم رجل حرب؟

ليس هذا الكلام هروبًا من المسؤولية والواقع والواقعية، بالعكس تمامًا ،لكن من الضروري تسمية الأشياء  بأسمائها.

حالة قيادية جديدة

الانقضاض على القيادة مؤخرا، لا ينفصل عن المحاولات المتواصلة لخلق حالة قيادية جديدة، متنصلة من  النفس الوطني، الذي يبدي عدد لا بأس به استهتاره  به، أي بالنفس الوطني، الذي بقي بحوزتنا بأقل ما يمكن من الأكسجين  حاليا.

هناك محاولة  لإعادتنا لأيام الحكم العسكري وإعادة بناء محاور قديمة بأدوات جديدة، وفي سياق  الهجوم المتواصل علينا، يتم إعادة بناء مفهوم المصالح من جديد، وهذه المرة من خلال التأكيد على أن هناك  ما سوف نخسره  في حالة عدم الانصياع للحالة.

اقرأ/ي أيضًا لـ عبد الحكيم مفيد

التعليقات