19/10/2016 - 16:09

بين الإقصاء السياسي والاحتواء الاقتصادي

يحدد الباحث في مركز الأمن القومي الإسرائيلي ورجل الاستخبارات السابق، د. دورون ماتسا، ركيزتين أساسيتين تشكلان عماد سياسة المؤسسة الإسرائيلية في تعاملها مع فلسطينيي الداخل، تتمثلان بالإقصاء السياسي والاحتواء الاقتصادي.

بين الإقصاء السياسي والاحتواء الاقتصادي

يحدد الباحث في مركز الأمن القومي الإسرائيلي ورجل الاستخبارات السابق، د. دورون ماتسا، ركيزتين أساسيتين تشكلان عماد سياسة المؤسسة الإسرائيلية في تعاملها مع فلسطينيي الداخل، تتمثلان بالإقصاء السياسي والاحتواء الاقتصادي.

ويرى الباحث الإسرائيلي، في مذكرة جاءت تحت عنوان "أنماط مقاومة الأقلية العربية الفلسطينية في إسرائيل – مراجعة تاريخية ونظرة للمستقبل"، أن السياسة التي تبنتها حكومة إسرائيل منذ عام 2009 وارتكزت على إقصاء/ احتواء الأقلية العربية تستند في الغالب إلى برنامج فكري تم بلورته منذ قيام الدولة، وإن تغيرت مضامين بعض مركباته قليلا على مر الزمن، فإن الجهد الذي نقشته على رايتها حكومات إسرائيل السابقة للحؤول دون تبلور الأقلية العربية كأقلية قومية فلسطينية قائمة بذاتها، تبدل بالجهد المتمثل بإبعاد هذه الأقلية عن الميدان السياسي – الثقافي الإسرائيلي، في حين بقي الهدف الإستراتيجي مشابهًا وهو مأسسة الحيز الجماهيري- المدني في إسرائيل بسيطرة يهودية كاملة.

إلى جانب ذلك، فإنه يرى بأن الجهد الذي تمثل في السبعينيات بدمج أكاديميين عرب في المؤسسة والمنظومة البيروقراطية الإسرائيلية، استبدل في العقد الأخير بمجهود دمج المجتمع العربي بالاقتصاد الإسرائيلي، في حين بقي، هذه المرة أيضًا، الهدف الإستراتيجي على حاله وهو خلق حيز يتطور من خلاله السكان العرب بشكل يغطي على عملية إقصائهم السياسي.

محددات السياسة الإسرائيلية تلك والمتمثلة بـ"الإقصاء والاحتواء" أو "العصا والجزرة"، تفسر لنا  التناقض، للوهلة الأولى، بين خطابي نتنياهو الأول، الذي حذر فيه من الهرولة إلى صناديق الاقتراع في انتخابات الكنيست الأخيرة، والذي يمكن إدراجه في خانة الإقصاء السياسي والخطاب الثاني، الذي طلب فيه من المواطنين العرب المشاركة العملية الاقتصادية، حيث خاطبهم قائلا هرولوا للعمل، هرولوا للدراسة كبيرة، هرولوا لتحقيق الازدهار، وهو الخطاب الذي يمكن إدراجه في خانة الاحتواء الاقتصادي.

لا شك أن تناقضات تلك السياسة تبدو أكثر وضوحًا في تطبيقات حكومة اليمين الاستيطاني، التي يرأسها نتنياهو، حيث تنجلي مظاهر الإقصاء والتهميش السياسي بأشد وأبشع تجلياته ويندرج  في إطارها، قرار إخراج الحركة الإسلامية عن القانون والملاحقة السياسية التي يتعرض لها التجمع والتحريض على أعضاء الكنيست العرب، والقوانين والإجراءات التي تبغي الانتقاص من مكانتنا كجماعة قومية، مثل قانون المس بمكانة اللغة العربية وقانون القومية وقانون النكبة والتي تبغي بمجملها إضعاف قوتنا وأطرنا وهويتنا السياسية الجماعية، التي يرون بها مصدر تهديد على السيطرة الصهيونية على الأرض والكيان السياسي القائم عليها.

ومن جهة أخرى، فإن حكومة نتنياهو بنظرتها الاقتصادية الرأسمالية الليبرالية، تدرك أن تحقيق الاقتصاد الإسرائيلي لمزيد من التطور والازدهار الاقتصادي، مشروط بزيادة مشاركة العرب في سوق العمل، ولذلك هو يريدهم هناك في المزارع وورش البناء ولا مشكلة سياسية لديه في اندماجهم كأفراد في الاقتصاد الإسرائيلي، فهي بذلك تضرب عصفورين بحجر واحد تستخدمنا كرافعة في نهوض الاقتصاد الإسرائيلي وتلهينا عن التفكير والمطالبة بحقوقنا الجماعية وإبعادنا عن ميادين التأثير على دوائر صنع القرار السياسي وصياغة طابع ومضامين الدولة التي يراد لها أن تبقى يهودية خالصة.

نتائج هذه السياسة تبدو واضحة على الأرض، فبرغم التهميش والتحريض السياسي الذي يتعرض له العرب في هذه البلاد والذي وصل ذروة لم يصلها من قبل في المستوى السياسي، فإن ارتفاع أعداد سيارات "الجيب" في شوارع بلداتنا العربية وقضاء غالبية الأسر العربية عطلة عيد الأضحى الأخيرة في منتجعات أنطاليا وطابا والعقبة وشرم الشيخ، هي مؤشرات واضحة على أن الاقتصاد لا يمشي إلى جانب السياسة أو هو يمشي بعكسها وأن هناك تحسنا ملحوظا على هذا الصعيد وإن كان لا يعم على الجميع.

تلك السياسة تعطي ثمارها، أيضا، في ارتفاع نغمة الابتعاد عن السياسة وتزايد الانتقادات التي توجه للأحزاب ولأعضاء الكنيست العرب بادعاء انشغالهم بالقضية الفلسطينية ومطالبتهم بقصر اهتمامهم ونشاطهم على القضايا الحياتية والمعيشية للناس، كما تتبدى نتائجها في انخفاض منسوب الاحتجاج على قمع ومحاصرة العمل السياسي، حيث مر قرار إخراج الحركة الإسلامية عن القانون مر الكرام ولم تحظ حملة الملاحقة السياسية ضد التجمع بردود فعل جماهيرية حاسمة، وهو ما يشجع المؤسسة الإسرائيلية على المضي في المزيد من الإجراءات لإحكام طوق الخناق على عملنا ونشاطنا السياسي الوطني ويساهم في تعزيز اتجاهات وبلورة تصورات تعتقد وتعتمد ما يسمى بالنضال الاجتماعي.

وعودة إلى مذكرة معهد أبحاث الأمن القومي وسياسة الإقصاء السياسي والاحتواء الاقتصادي، فإن المذكرة تحذر الحكومة الاقتصادية من أن الإخلال بالتوازن الدقيق بين شقي المعادلة، بمعنى التخلف في الاحتواء الاقتصادي سيؤدي بالمجتمع الفلسطيني إلى حالة انكماش تتمثل بالعودة إلى الداخل وإعادة بناء الذات الوطنية وهو أمر لا تحمد عقباه بالنسبة لهم.

التعليقات