05/11/2016 - 14:28

3 خواطر عن إسرائيل

لن يكون الخطاب الديمقراطي مجديا حقا إلا في حالة واحدة: إذا كان منفتحا إلى الخارج أي مستعدا لكسر قواعد اللعبة والتصعيد إلى خارج حدود المواطنة غير المتساوية وللانتصار على دولة الحراب

3 خواطر عن إسرائيل

دولة صليبية في المنطقة

كان خطاب بنيامين نتنياهو في افتتاح الدورة الشتوية للكنيست، يوم الإثنين الماضي، شديد الوضوح والتعبير عما يختلج في فكره ووعيه ووجدانه، إذ وصف إسرائيل بأنها قوة أو دولة عظمى، وقال تحديدا: 'إسرائيل دولة عظمى. ليست دولة عظمى عليا، ولكن دفعنا مكانتنا قدما بشكل كبير كقوة عالمية في مجالات كثيرة جدا. ومفتاح الأمن والازدهار واحد، وهو قوتنا. والقوة هي الأمل والأمل نابع من القوة'.

وتابع: 'لدي قناعة عميقة بأنه في الشرق الأوسط العاصف وغير المستقر، في هذا الكون، وفي هذا الواقع، ثمة سياسة واحدة فقط تضمن المستقبل والسلام والأمل، وهي إسرائيل قوية... لا بقاء للضعيف في منطقتنا، والبقاء للقوي فقط. ومع القوي يصنعون التحالفات ومع القوي يصنعون السلام، وإن استغرق ذلك وقتا. مع القوي فقط وليس مع الضعيف. ويفهم الكثيرون هذا التغيير في مكانة إسرائيل'.

كما كرر نتنياهو مقولته بأن السلام مع العرب يقود إلى السلام مع الفلسطينيين وليس العكس.

تناول الزميل بلال ظاهر في مادة هنا تصريحات نتنياهو ومدى مجافاتها للحقيقة والواقع، لذا لن أتطرق إلى هذا السياق مرة أخرى.

خطاب نتنياهو كان صريحا ومعبرا، ويكشف واقع إسرائيل: دولة تقوم على حد السيف والحراب، دولة توسعية، تسعى لتطوير علومها وتقنياتها للحفاظ على قوتها، وتسعى لبناء تحالفات إقليمية ودولية للحفاظ على قوتها، أي أن الهدف الأول هو الحفاظ على القوة، دون الحديث عن شرعية، وفي ذلك إدراك عن وعي أو لاوعي بأنها لن تحصل على شرعيتها من خلال هذه التحالفات مع أطراف إقليمية مستغلة الانقسامات العربية الداخلية. والقوة ليست للحصول على شرعية، لأنها قوة عدوانية تجاه الآخرين، بل من أجل مزيد من التوسع والاستيطان، و'الأمل نابع من القوة'.

هذه في الحقيقة مواصفات 'الدولة الصليبية' كما عرفها المؤرخون: دولة هدفها التوسع، تقوم على حد السيف، تسخر علمها واقتصادها لبناء القوة، تقيم تحالفات غير مبدئية في محيطها وبهدف ترسيخ تفوقها وقوتها، والشرعية آخر ما يهمها في الواقع، أي أن تحقيق القوة ليس بهدف تحقيق الشرعية.

قوة الحق في مقابل عبادة القوة

تفاخر نتنياهو في خطابه بالكنيست بأن إسرائيل صارت مقبولة على عدة دول في المنطقة كانت ترفضها في العقود الماضية، وذلك بفضل قوتها وتفوقها. لكن في الواقع، صاحب القوة ليس بحاجة لشرعية من الضعفاء ولكنه بحاجة إلى تطبيعهم وتقبلهم هزيمتهم وضعفهم. مجرد القبول بواقعهم المهزوم هو أكبر منح للشرعية. ولا ينتظر نتنياهو استثمارات عربية وخليجية في إسرائيل، لذا لا يسرع إلى الإعلان عن علاقات دبلوماسية مع دولة مثل الإمارات، بل هو يستخدمها لصد الحملات الدولية ضد سياسة دولته وكوكيل إقليمي لمشاريعه. وإذا كان التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية مثلا هو الهدف من كل 'عملية السلام' في التسعينيات، فإن هدف نتنياهو من تطوير علاقات إسرائيل مع الدول العربية هو 'التنسيق الأمني' على مستوى إقليمي ومحاصرة الحق الفلسطيني وصد الحملات الدولية ضد إسرائيل.

يدرك نتنياهو أن لا قوة في المنطقة بإمكانها التفوق على إسرائيل عسكريا، لكن العمليات الفردية التي يقوم بها فتية في الضفة والقدس وحتى داخل المدن الإسرائيلية هي أكبر دليل على أن قوة الحق لا تسكتها الغطرسة والإعدامات الميدانية. يظن نتنياهو أن التطبيع مع العالم العربي بمقدوره أن يتغلب على قوة الحق الفلسطينية.

الوعي الزائف: معسكر ديمقراطي في دولة صليبية!

إزاء هذا الواقع، واقع إسرائيل كدولة عظمى كما قال نتنياهو، يبدو الحديث عن بناء معسكر ديمقراطي وصراع على 'ما تبقى من الديمقراطية في إسرائيل' وأن تكون 'الجماهير العربية' رأس الحربة فيه، هو ضرب من الجنون واللاواقعية، وأي مقارنة لإسرائيل بألمانيا عشية صعود النازية لا يجدي نفعا. هذه تشخيصات سطحية تسهل المهمة على الدماغ وعلى النضال.

كذلك الحال مع الحديث عن 'بناء تحالفات مع معسكر السلام الإسرائيلي'، والدعوة للانسحاب لحدود حزيران/ يونيو ١٩٦٧. يبدو أن إسرائيل تتفوق على العرب ليس فقط عسكريا وتقنيا بل أيضًا في قراءة الواقع السياسي. 

لا يقدم التاريخ أمثلة سهلة وموفقة لمواجهة الدول الصليبية، كما لا يقدم أيضًا أمثلة ونماذج سطحية لمواجهة النازية والفاشية. لم تسقط قلاع الدول الصليبية والنازية والفاشية بخطاب الديمقراطية، ولم تسقط بالتعويل على المجتمع الدولي والمواثيق الدولية فقط، ولم تسقط باختراق 'الشارع الصليبي' من الداخل. سقطت هذه الحصون بالمواجهة والحصار، بترتيب الجبهة الداخلية، والأهم عدم التطبيع مع الواقع.

عول الفلسطينيون في البلاد على 'المنقذ العربي' في العقود التي تلت النكبة حتى نكسة ١٩٦٧، لينتقل تعويلهم في تغيير الواقع إلى 'الفدائي الفلسطيني' ومنظمة التحرير حتى توقيع اتفاقيات أوسلو. خلال هذه السنوات انتقل التعويل إلى 'اليسار الإسرائيلي' الذي سرعان ما خيب آمال المتوهمين، وفي أقرب مواجهة. بعد أكتوبر ٢٠٠٠ انتقل التعويل إلى 'المجتمع الدولي' و'التواصل العربي'، وازداد التعويل مع سقوط نظام مبارك والربيع العربي حتى جاءت الثورة المضادة وحولت الربيع إلى كابوس دام.

استغل أصدقاء اليسار الإسرائيلي بين ظهرانينا 'فشل تعويلنا على العرب وربيعهم' ليعودوا بنا إلى أحضان ذاك اليسار المزعوم واستعادوا خطاب المواطنة في دولة اليهود. فبدلا من التصعيد دوليا، قرروا الانسحاب إلى أحضان اليسار المزعوم، وبتنا نسمع خطابات عن 'قيادة المعسكر الديمقراطي' في إسرائيل، و'قيادة المعارضة الحقيقية في الكنيست' و'إسقاط حكم اليمين'.

أية سذاجة تلك التي يتحلى بها أولئك الذين يريدون التضحية بـ'الجماهير العربية' لقيادة 'معسكر ديمقراطي' متخيل في دولة صليبية؟ أي نفسيات مهزومة تلك؟ أين يتخيلون 'الجماهير العربية' بعد عشر سنوات من الآن؟ في سدة الحكم؟ أم في قيادة أركان الجيش؟

لن يكون الخطاب الديمقراطي مجديا حقا إلا في حالة واحدة: إذا كان منفتحا إلى الخارج أي مستعدا لكسر قواعد اللعبة والتصعيد إلى خارج حدود المواطنة غير المتساوية وللانتصار على دولة الحراب. أما إذا كان منغلقا إلى الداخل ويلعب في ذات قواعد اللعبة فلا يعول عليه وسيكون في خدمة دولة الحراب. 

اقرأ/ي أيضًا | قتل على خلفية غياب الفرد

التعليقات