08/11/2016 - 17:36

من الأهلاوي والزملكاوي إلى البرشلوني والمدريدي

عندما تنطلق صرخة جماعية مفاجئة من مقهى الأراجيل القريب من بيتي ثم يعم الهدوء ثم تنفجر الصرخة من جديد، أفهم أنها مباراة "الكلاسيكو" بين فريقي ريال مدريد وبرشلونة! أو أن أحد الفريقين يخوض مباراة ضد فريق آخر.

من الأهلاوي والزملكاوي إلى البرشلوني والمدريدي

عندما تنطلق صرخة جماعية مفاجئة من مقهى الأراجيل القريب من بيتي ثم يعم الهدوء ثم تنفجر الصرخة من جديد، أفهم أنها مباراة "الكلاسيكو" بين فريقي ريال مدريد وبرشلونة! أو أن أحد الفريقين يخوض مباراة ضد فريق آخر، فجمهورنا العربي منقسم في معظمه بين الريال وبرشلونة!

خلال المباراة، تكتظ محلات الأراجيل بالزبائن وتتوارد التكهنات وحتى المراهنات حول النتيجة، والتحليلات الرياضية على صفحات التواصل (الفيسبوك)، وتحتد النقاشات وحتى الألفاظ! أنصار برشلونة الكاتالوني يتغزلون بقدرات ميسي ومهاراته ويطلقون عليه شتى الألقاب الفخمة، وأنصار ريال مدريد الملكي يطلقون على رونالدو لقب الملك أو الملاك! ولا يلبث أن يأتي كل بحجته، فيذكر المهارات وتاريخ البطولات والأهداف والتسجيلات اللامعة، إضافة إلى النشاطات الإنسانية لهذا النجم أو ذاك تجاه جمعيات أو مؤسسات تعنى بالمرضى أو الفقراء أو المناطق المنكوبة!

 يتابع الفريقان جمهور من كل أرجاء المعمورة، ووصل عدد متابعي إحدى مباريات الكلاسيكو إلى نصف مليار إنسان عبر العالم، وأظن بأن هذا الانجراف والحماس كبير جدًا في بلادنا وبين جماهير 48 بالذات، ولا ينافسنا بهذا الحماس للفريقين سوى جمهور دول الخليج العربي، حتى أن الفنان حسين الجسمي قدم أغنية "حبيبي برشلوني وأنا مدريدي"! ورد عليه المطرب الأردني ماجد زريقات بأغنية "حبيبي مدريدي"، كذلك فإن القميص البرشلوني حمل اسم المؤسسة القطرية  ثم القطرية للطيران منذ 2011! بينما يرعى طيران الإمارات قميص نادي ريال مدريد منذ عام 2013 .

إضافة للشركات العالمية الراعية مثل كوكا كولا التي تمنح زبائنها من شتى دول العالم فرصة للفوز بالقرعة، وبطاقة سفر لحضور مباراة الكلاسيكو في إسبانيا.

ما هو سر هذا الاهتمام بهذه المقاييس بهذين الفريقين، وأقصد الاهتمام الجماهيري وليس الدعائي للشركات التجارية!

يبدو أن الإنسان يحتاج إلى علاقة تجمعه مع الآخرين في حبهم وتفاعلهم مع أمر جميل مثالي يقترب من الكمال، هذا التماهي الذي يأتي من شعوب وانتماءات مختلفة يحمل في طياته انكسار الحواجز التي عرفتها البشرية حتى اليوم، ويقلص الهوة بين الثقافات، ويساعد في هذا التقدم الهائل بالاتصالات الذي قرّب البعيد وأدخله إلى بيوتنا!

ولكن الأهم هو الرغبة الطبيعية لدى الإنسان بأن يكون منتميا إلى دائرة تحظى باهتمام الجماهير الواسعة، وهذا شكل من أشكال السباحة مع التيار، حتى يوهم المشجع نفسه لا شعوريًا بأنه شريك بانتصارات فريقه المحبوب، بل وأنه شريك بهذه المهارات الفنية التي يقدمها نجوم تبلغ أثمانهم أرقاما خيالية، توازي ميزانيات مدن كبيرة، وهو (أي المشجع) يشعر أنه شريك بتسجيل الأهداف وبأداء الحركات السريعة الذكية، وشريك بالنصر أو الهزيمة أو الأمل مع الملايين فيفرح أو يحزن ويقلق! وشريك بهذا الجمال والعظمة التي تتجلى في النظام والأداء والهتاف الجماهيري الذي يمزق الفضاء، انتماء المشجع يشعره بالسعادة، إنه السعي الفطري للانضمام إلى ما هو جميل ومتميز وناجح ومفرح، ويتحول التشجيع إلى منافسة بين المشجعين المحليين أنفسهم، بمن هو أشد حماسا للفريق وتأثرا بإنجازاته أو إخفاقاته، وبل ويحاول البعض الظهور بأنه راعي الفريق عبر صفحته في مواقع التواصل الاجتماعي، وكأنه صديق وعلى معرفة شخصية بنجوم فريقه المحبب.

سيتضاءل هذا الجمهور الأممي الكبير بصورة ملموسة، إذا تراجع أداء هذا الفريق أو ذاك، مثلا أن لا يحصل على بطولة مهمة لسنوات طويلة، وأن يفقد نجوميته لعدة أعوام، لأن الجمهور يحب اللامعين والمنتصرين، هذا المجد يلبي رغبة بالتميّز، وكثيرا ما نشهد "خيانات"، أي انتقال مشجع من ناد إلى آخر، عادة من الأضعف إلى الأقوى والأنجح.

هذا الإشعاع الكروي الإسباني يذكّر بافتقادنا للزمن العربي الجميل، كان عرب فلسطين وحتى العالم العربي كله منقسمين إلى مؤيدين للأهلي والزمالك المصريين، في بلدتنا كنا نعرف الأهلاوي ونعرف الزملكاوي وحتى الإسماعيلي، وكان الناس يستمعون للمباريات بالبث المباشر من المذياع، ومع البث التلفزيوني صاروا يتجمعون في المقاهي وهم منقسمون بين أهلاوي وزملكاوي، وبشعور من القربى والعاطفة القوية تجاه لاعبي هذين الفريقين ونجومهما، وكان في بلدتنا فريق كرة قدم عريق منذ الخمسينيات حتى آخر الستينيات باسم "النادي الأهلي"، تيّمنا بالفريق المصري. وقد حُل الفريق عندما سُجن كابتن الفريق ومديره ولاعبه السابق المرحوم راجح بشر، الذي تبين أنه منظم في خلية فدائية تابعة لـ"فتح"، اندمج بعدها بفريق هبوعيل الذي أصبح اسمه هبوعيل أحمد مجد الكروم.

أظن أن دخول الفضائيات وانكشاف الفرق العالمية للمشاهدين أتاح للجمهور متابعة الأفضل والأجمل، الجمهور الواسع صار يطلب أداء أكثر تميزا ومتعة، ولكن الأهم هو التراجع في إشعاع أكبر دولة عربية، وكونها النموذج الأعلى الذي يتابعه العرب ويتماهون معه، بعدما كان كل ما يصل من مصر له نكهته الخاصة التي تصل درجة التقديس في الرياضة والفن والسياسة والفكر والأدب. تراجع دور مصر سياسيا، إقليميا وعالميا، وهذا انعكس في جميع المجالات بما في ذلك لمعان فرقها الرياضية التي كانت محبوبة الجماهير العربية، فمتى سيعود لمصر مجدها وجاذبيتها، ومن سيعيده! ومتى سيعود العرب لينقسموا من جديد بين أهلاوي أو زملكاوي بدلا من برشلوني ومدريدي!

التعليقات