28/11/2016 - 09:07

مواجهة الواقع و ليس الاستسلام له

ولكن العامل الحاسم كان وسيبقى، ما الذي سنفعله نحن الفلسطينيين إزاء التحديات التي تواجهنا؟ وهل سيرتقي الجميع إلى مستوى هذه التحديات، ويفشلوا محاولات إبقائنا أسرى للمراوحة في المكان والمراهنة على السراب؟

مواجهة الواقع و ليس الاستسلام له

بعد 23 عامًا من الخداع، أصبحت حقيقة السياسة الإسرائيلية في فلسطين معلنة وواضحة كالشمس، ولم تعد الحكومة الإسرائيلية تشعر أن عليها أن تخفي نواياها أو تغلفها بالحديث عن السلام وعملية السلام، وتبين أن الخطة الوحيدة التي تقوم بتطبيقها على الأرض في الأراضي المحتلة  هي تكرار ما قامت به في عام1948  وبعده، في حيفا والناصرة وعكا والجليل والمثلث. سلب أراضي الفلسطينيين في الضفة الغربية بما في فيها القدس بالقوة والزعرنة، وتهويدها بالاستيطان، ومنع قيام دولة فلسطينية مستقلة.

خلال أسبوع واحد بعد انتخاب ترامب، الذي اعتبرت تصريحاته وتصريحات أعوانه ضوء أخضر لإسقاط ما تبقى من ورقة التوت الاسرائيلية، أعلنت إسرائيل عن أستئناف خطة بناء 30 ألف وحدة استيطانية في القدس ومحيطها. وقدم مشروعان للكنيست واحد لمنع الأذان للصلاة، وآخر لتشريع 120 مستوطنة جديدة تضاف إلى 195 مستوطنة قائمة وتتوسع (قانون "بييض المستوطنات").

ولعل أخطر قرار اتخذ منذ عام 1967، كان التوجه لتشريع (تبييض) هذه البؤر الاستيطانية، والذي يعني تهويد الضفة الغربية بكاملها والقضاء على إمكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة.

أما الإعلان الثالث، فجاء على لسان نفتالي بنيت والوزراء المستوطنين الذين قالوا بملء الفم  إن لا مكان لدولة فلسطينية، وقرروا استبدالها بحكم ذاتي هزيل على ما سيكون غيتوات ومعازل مقطعة الأوصال مع الضم الفوري لما يسمى مناطق "ج" أي لأكثر من 62% من مساحة الضفة لإسرائيل.

ولا يمثل ذلك نهاية لألاعيب التمويه الإسرائيلية فحسب، بل ونهاية مذلة ومهينة لاتفاق اوسلو وملحقاته.

ولم تكن إسرائيل لتتجرأ على فعل كل ذلك لولا الصمت الدولي على جرائمها وخروقاتها  المتكررة للقانون الدولي، ولولا التقاعس والانشغال العربي بالصراعات الداخلية، ولولا الضعف الذي أصاب الساحة الفلسطينية نتيجة الانقسام الداخلي والانهماك في صراع مستميت ومتواصل على سلطة وهمية اخترعها اتفاق أوسلو، وما زالت بكل مكوناتها تحت الاحتلال سواء في الضفة أو القطاع، ولولا انكفاء الكثيرين عن الاهتمام بالشأن العام والتركيز على مصالحهم الذاتية دون إدراك أن هذه المصالح ستدمر إن دمر الشأن العام كما جرى بالضبط عام 1948.

وفي صباح كل يوم يخرج نتنياهو ليعلن أن السلام مع العرب لم يعد مرتبطا بحل القضية الفلسطينية، وخطته الحالية محاولة التطبيع مع الدول العربية لعزل الفلسطينيين وتصفية قضيتهم.

ولن تخلو الساحة في الأيام المقبلة من بعض الطفيليين الدوليين والمتآمرين مع إسرائيل الذين سيأتون ناصحين للفلسطينيين أن يتحلوا بالواقعية ويتخلوا عن فكرة الدولة ويقبلوا بالاستسلام لنموذج الحكم الذاتي على معازل وبانتوستات، ليستبدلوا حقهم في الاستقلال و الحرية والكرامة والعدالة بما يسمونه السلام الاقتصادي أو بالأحرى الاستسلام.

هذا هو الواقع كما يجب أن نراه، وكي نحدد طريق الكفاح ضده وليس الاستسلام له. وذلك لن يكون إلا بالإسراع في إنهاء الانقسام الداخلي والتوافق على استراتيجية ورؤية وقيادة وطنية موحدة.

وعلى عكس الصورة القاتمة التي تحاول الأحزاب الصهيونية تكريسها، فإن هناك عناصر قوة لإلى جانبنا لم يقدروا ولن يقدروا تجاوزها، أولها العنصر الديموغرافي المقاوم، أي الوجود البشري الفلسطيني المساوي في عدده لليهود الإسرائيليين على أرض فلسطين، والذي يرفض الرضوخ أو الاستكانة، والذي لم تستطع إسرائيل أن تكرر تشريده كما فعلت بثلثي الشعب الفلسطيني عام 1948.

وثانيها، جيل الشباب القادر على تجديد حيوية النضال الفلسطيني من أجل الحق والعدالة.

وثالثها، حركة المقاطعة (BDS) الصاعدة والتي فشل الاحتلال في خنقها، والتي يمثل صعودها تعبيرا عن تعاطف شعبي عالمي مع قضية الفلسطينيين العادلة.

ورابعها، طاقات الجاليات الفلسطينية الواعية في الخارج، والتي لم يستفد سوى من جزء بسيط منها حتى الآن.

وخامسها، أن العالم بأسره مرشح لأن يشهد تحولات غير متوقعة نتيجة تناقضات تتعاظم بسبب تعمق انعدام العدالة في نظامه الاقتصادي والسياسي، وهي تحولات لن تكون بالقطع لصالح السياسة العنصرية المتطرفة التي تنتهجها حكومات إسرائيل.

ولكن العامل الحاسم كان وسيبقى، ما الذي سنفعله نحن الفلسطينيين إزاء التحديات التي تواجهنا؟ وهل سيرتقي الجميع إلى مستوى هذه التحديات، ويفشلوا محاولات إبقائنا أسرى للمراوحة في المكان والمراهنة على السراب؟

التعليقات