11/12/2016 - 18:10

المتهافتون على محاربة الإرهاب...

ادعاء محاربة الإرهاب والإرهابيين ليس أمرًا جديدًا، فقد اتهمت معارضة النظام السياسي والاجتماعي السائد في فترات مختلفة من تاريخ البشرية بالإرهاب، وربما بتعبيرات أخرى ولكنها من فصيلة التخريب.

المتهافتون على محاربة الإرهاب...

ادعاء محاربة الإرهاب والإرهابيين ليس أمرًا جديدًا، فقد اتهمت معارضة النظام السياسي والاجتماعي السائد في فترات مختلفة من تاريخ البشرية بالإرهاب، وربما بتعبيرات أخرى ولكنها من فصيلة التخريب.

في المولد النبوي الشريف نتذكر أن النبي محمد (ص) اتهم في بداية رسالته بأنه سعى لـ'تخريب' المجتمع القرشي والعبث باستقراره، وقوطع وحورب من قبل سادة قريش حكام مكة الذين شعروا بخطر على مصالحهم ونفوذهم.

هكذا ولكي يسهُل التخلص من المعارضين، يتهمهم الحكام وأصحاب النفوذ بالإرهاب أو التخريب أو العبث بالاستقرار والأمن، أو بممارسة طقوس غريبة عن المجتمع خصوصًا الدينية والجنسية.

اتهم الشيوعيون في بعض البلدان وخصوصًا الإسلامية بأن الأب لا يميز بين ابنته وأخته وزوجته، لأن الشيوعية تعني أن كل شيء مشاع بما في ذلك النساء، وفي أمكنة أخرى اتهموا بالكفر والإلحاد، وحيث خاضوا كفاحًا مسلحًا في أميركا الجنوبية واتهموا بأنهم إرهابيون، أما الشيوعيون بدورهم فقد اتهموا معارضي سلطتهم في الاتحاد السوفييتي والدول الاشتراكية بالخيانة والتماثل مع الإمبريالية، واتهموا بالسعي لتقويض حكم دكتاتورية البروليتاريا، فكانوا يعدمون المعارضين أو يرسلونهم للعمل في ثلوج سيبيريا حتى الموت، أو يشغلونهم في المناجم مقابل الطعام والبقاء على قيد الحياة فقط، أو العمل في المفاعلات الذرية بدون وقاية، الأمر الذي يعني إعدامهم ببطء.

الفرنسية جان دارك ابنة التاسعة عشرة اتهمت قبل أكثر من خمسمئة عام بممارسة السحر والشعوذة، لأنها قالت بأن الله أمرها في منامها بتحرير فرنسا من الاحتلال الإنكليزي، وبالفعل رفعت معنويات الفرنسيين وشاركت برفع الراية في المعارك وحققت انتصارات، ولكنها وقعت أسيرة  في إحدى المعارك وسُلمت للإنكليز، فحاكموها بتهمة الشعوذة والسحر، وكان عليها أن تشرح في أحد بنود محاكمتها عن سبب ارتدائها للبنطلون مثل الفرسان الرجال، وأعدمت حرقًا وهي في التاسعة عشرة من عمرها.

كذلك عُرف التاريخ العربي والإسلامي ما سمّي بالزندقة، حيث كان بطانة الخليفة وحاشيته يتهمون معارضي الخليفة بالزندقة، وخصوصًا إذا كانوا يناقشون قضايا العدل الاجتماعي، مثل ابن رشد الذي قُطعت أعضاؤه وأحرقت، وكذلك ابن المقفع، وبشار بن برد، وكان على أبي العلاء المعري أن يثبت أنه ليس زنديقًا لينجو من الإعدام لكثرة نقده للعرف السائد، كذلك إخوان الصفا والوفا وعدد كبير من المفكرين منتقدي الأنظمة.

كذلك ربط نظام الإمبراطورية العثمانية بين الولاء للسلطان والإيمان، ومن تمرد على السلطان اعتبر مرتدًا وكافرًا لتمرده على ولي الأمر، وهذه التهمة توجه حتى اليوم في السعودية لمعارض الحكم فيتهم بالكفر لخروجه عن طاعة ولي الأمر، وقد يعدم مع تلفيق تهمة تخريب أو تهمة لا أخلاقية له.

في النظامين البعثيين في العراق وفي سورية، ولأن البعث حزب يدعي العلمانية فهو لا يستطيع توجيه تهمة الكفر والزندقة لمعارضيه، فاتهمهم بالخيانة أو بتعريض مصلحة الوطن للخطر وخدمة العدو والصهيونية والامبريالية، وكثيرًا ما سخر منها محمد الماغوط في كتاباته ومسرحياته وأهمها المهرج وغُربة. في إيران اتهم حزب تودة الماركسي في زمن الشاه بالخيانة القومية والتخريب، وفي زمن آيات الله اتهم بالكفر والزندقة والإلحاد والتخريب.

 كذلك اعتبر الإنكليز معارضيهم في المناطق التي سيطروا عليها  بأنهم مخربون، هكذا وصفوا ثوار فلسطين عام 1936 وأعدموهم، وكذلك فعلوا في مصر وفي كل مكان حتى في إيرلندا، ومثلهم فعل الطليان في ليبيا، وقتل الفرنسيون مليون ثائر جزائري بحجة محاربة الإرهابيين، كذلك اتهم معارضو هتلر بأنهم مخربون ولفقت لهم تهم تخريبية. كذلك كل من حاول العودة إلى فلسطين بعد النكبة أطلقوا عليه اسم متسلل أو مخرب، وقتل في هذه العمليات خلال السنوات الأولى لقيام إسرائيل آلاف الفلسطينيين.

جرائم إسرائيل بعد قيامها حتى يومنا هذا من قتل وهدم وتشريد كلها مورست وتمارس تحت مسمى محاربة الإرهاب.

مجازر حماة عام 1982 نفذها النظام السوري بحجة محاربة الإرهاب وراح ضحيتها الآلاف. ومجازره منذ عام 2011 إلى يومنا التي شملت مئات الآلاف كلها ارتكبت باسم محاربة الإرهابيين. 

اجتياح لبنان عام 1978 في عملية الليطاني، ثم حصار بيروت عام 1982 وقصفها بعشرات آلاف الغارات الجوية، ثم إخراج المقاومة ومجازر صبرا وشاتيلا عام 1982 كلها كانت بحجة محاربة الإرهاب.

قتل آلاف المصريين واعتقال عشرات الآلاف، والحكم على المئات بالإعدام ورفعت الجثث بالجرافات بعد حرقها في ميدان رابعة كل هذا جرى بحجة محاربة الإرهاب.

لا شك أن هناك ممارسات إرهابية بالفعل، وتلك أيضا لها أسبابها وجذورها التي تستوجب دراستها، إلا أن أنظمة الاحتلال والقمع تخلط الأوراق وبقصد، لتدمغ بالإرهاب كل من يرفع صوتا ضد نظام الاستبداد أو الاحتلال منذ عشرات القرون، بل إنها قد تسعى أحيانًا بشكل متعمد لجر المعارضين إلى ممارسة الإرهاب، وقد تفتعل أعمالًا إرهابية هي بنفسها لتبرير القمع. أما أشدها وحشية منذ نكبة فلسطين والإبادة الجماعية في الجزائر فهو ما حدث لشعب سورية العظيم الذي تكالبت عليه الأمم بحجة محاربة الإرهاب، والغريب أن كثيرين من ضحايا القمع والاحتلال والاستبداد تصيبهم لوثة في عقولهم من كثرة ما يسمعون عن الإرهاب، فيرددونها كالببغاوات حتى يصدقوها وينضموا ويصطفوا إلى جانب القتلة والسفاحين. 

التعليقات