22/12/2016 - 13:17

الهدف "ترويض السياسة العربية وتقويض خطاب العدالة"

تقيس إسرائيل مستوى تحدي فلسطينيي ٤٨ على ما يجري في الساحة الفلسطينية، وفي المحيط العربي، حيث جرى ترويض الأنظمة وسياساتها تجاه إسرائيل. وتتوقع منا أن نكون على نفس التوجه الاستسلامي؛ أن نُطبّع العلاقة مع الصهيونية، ومع الطابع اليهودي للدولة

الهدف "ترويض السياسة العربية وتقويض خطاب العدالة"

لا يدرك دائمًا الكثير من الناس ما معنى أن يكون الإنسان أسير حرية، ما معنى أن يعيش عشرات السنين وراء القضبان، وفي عزلة عن الحياة التي نعرفها ونمارسها يوميًا، والتي تتطور بإيقاع سريع وانفتاح غير مسبوق على كل شيء. لا أقصد المعنى التحرري، وهو الدافع الأساس وراء خيار المناضل، أو قدره، وأيضًا المعين الوحيد والأساس الذي يستمد منه بقاءه على قيد الحياة (الحياة النفسية الطبيعية) داخل الزنازين. لقاء الأسير بعائلته حتى من وراء الحائط الزجاجي، هو لحظة فرحة كبرى. واتصال هاتفي مع عائلته، إذا أمكن، هو أيضًا من اللحظات التي يفرغ فيها الأسير جزء من الشحنات العاطفية المخزونة.

حين تسمع أسير يقول، وهذه حقيقة، إنه عندما نُقل من معتقل في مركز البلاد إلى صحراء النقب، حيث هناك الخيام، ويستطيع الأسير أن يخرج إلى ساحة مفتوحة أنه عاش يومًا تاريخيًا. فتسأل بفضول كبير، ما هو؟ فيجيب: لقد كانت المرة الأولى التي أرى فيها الليل، وأرى النجوم في السماء الصافية. تكاد دموعك تنهمر لولا التماسك في اللحظات الأخيرة. لقد رأى ذلك بعد 29 عامَا من الأسر.

الحملة الإسرائيلية البشعة، الجارية ضد النائب باسل غطاس، بتهمة إدخال أجهزة هاتف نقال إلى أسرى فلسطينيين، وإخضاعه للتحقيق تأتي  في سياق التحول الحاد في سياسات ونهج المؤسسة الإسرائيلية، بل إسرائيل كلها، تجاه قضية فلسطين، وفلسطينيي ٤٨، المواطنون العرب.

لقد صرح النائب غطاس بأنه لم يرتكب أي مخالفة لما تعتبره إسرائيل أمن الدولة. وغطاس معروف دوره في التواصل الإنساني مع الأسرى الفلسطينيين، ومحاولة الاطلاع على أحوالهم الإنسانية ولنقل معاناتهم إلى الخارج، بهدف الضغط على الحكومة الإسرائيلية وسلطات السجون، لتحسين أحوالهم والتخفيف من معاناتهم.

ماذا تهدف هذه الحملة الجديدة؟ وهل فعلاً هي بريئة؟

لا يوجد مواطن عربي واحد يثق بنية المؤسسة الإسرائيلية، ولا بأذرعها تجاه الفلسطينيين. وبات واضحًا لكل المواطنين العرب، أن هذه المؤسسة تتربص بهذا الجزء من شعبنا، وبقواه السياسية، لتستغل كل ما تعتبره خطأ، أو متطرفًا، أو مخالفًا لقواعد اللعبة التي تريد للمواطنين العرب أن يتقيّدوا بها. وقد تقيّد المواطنون العرب، منذ النكبة، بقواعد اللعبة السياسية في ظروف المواطنة الإسرائيلية، دون الاستسلام لها، بل عملوا وبمثابرة واجتهدوا من أجل توسيع الدائرة التي حددتها هذه القواعد، لتتلاءم مع تطور حاجات الناس، كأفراد، وكشعب، وذلك عبر الوسائل السياسية والقانونية والقضائية والشعبية، وتمكنوا، عبر هذه المسيرة والتوجه، من إعادة بناء أنفسهم كمجموعة قومية، التي ما زال أمامها الكثير من الجهد والاجتهاد والتصويت للتقدم إلى الأمام وإصلاح الأخطاء، التي نقع فيها، في مسيرتنا الوطنية. وهي أخطاء تقع غالبًا ضمن الاجتهادات. وتتنوع هذه الأخطاء بين التراجع إلى الخلف والانخراط في الأسرلة الثقافية، وبين الهرولة إلى الأمام. غير أن المسيرة برمتها وبشهادة مراقبين وأكاديميين قياديين، كانت ولا تزال مسيرة تتسم، بشكل عام، بالمقدرة على الحفاظ على الوجود، بل على تحقيق تطور نوعي  في الحياة التعليمية والثقافية والوطنية. وهي باتت تشكل تحديًا جديًا للمبنى العنصري لدولة إسرائيل ولطابعها الكولونيالي. وهذا ما يزعج العقل العنصري الإسرائيلي.

هناك ثلاثة أهداف من هذه الحملة، وربما أكثر:

ترويض السياسة العربية وتقويض خطابها السياسي القائم على مناهضة المبنى العنصري لدولة إسرائيل.
ضرب قضية الأسرى وحقوقهم الإنسانية المشروعة باعتبارها جزء حيّ من قضية فلسطين، وتعكس عدم عدالة ووحشية نظام الأبارتهايد الكولونيالي.
ضرب حزب التجمع، ومواصلة الملاحقة والتضييق لما يقوم به من دور أساسي ومميّز في تحدّي المبنى اللاأخلاقي لدولة إسرائيل. وكذلك في تجسيد الارتباط الأصيل مع المشروع الوطني الفلسطيني التحرّري. وهذا تؤكده الحملة التحريضية الدموية المستمرة بقيادة نتنياهو على التجمع وقياداته، وكذلك ما نسمعه يوميًا من وسائل الإعلام التي تحرض على 'القائمة المشتركة' وعلى حزب التجمع، وتسأل بخُبث متى تتخلص القائمة المشتركة من التجمع (بلد)!

إن المؤسسة الإسرائيلية تراهن على أنها تستطيع خداع مركبات القائمة المشتركة، أو بعض الناس العاديين، بأنه إذا تم التخلص من حزب التجمع، ينعم المواطنون العرب بالجنة، وسيتوقف الضرب والتمييز، وسيتوقف هدم البيوت وتهجير أهالي النقب وحصار القرى والمدن، وحصار السلطات العربية (ماليًا وجغرافيًا) وسيتم توسيع مسطحات القرى والمدن، وستفتتح فرص العمل أمام عشرات آلاف الشباب، خصوصًا الخريجين الجامعيين، وستنتهي ظاهرة العنف المستشري، الذي هو في الأساس نتاج سياسات إسرائيل ضدنا. ستتوقف الكراهية المستشرية داخل المجتمع الإسرائيلي.

لقد تم إخراج الحركة الإسلامية عن القانون، وكانت الحجة الرئيسية، التحريض للدفاع عن القدس والأقصى. لقد مرّ حوالي عام على حظرها. ترى هل تغيّر شيء، هل توقف الاعتداء واقتحام الأقصى من قبل المتطرفين، هل توقف التهويد والتضييق على المصلين، هل أصبح أهل القدس ينعمون بالحياة الطبيعية.

إن الحملة، والحملات الإسرائيلية المتواصلة ضد الحركات والقيادات السياسية، ليس هدفها معاقبة هذه الحركات والقيادات بسبب دورهم الوطني والإنساني فحسب، بل في الأساس بهدف أسرلة الخوف، بهدف تخويف الناس، ودفعهم إلى الاعتقاد بأن قياداتهم تضرّ بهم وأنها هي التي تمنع تحقيق حقوقهم. نعم قد ترتكب الحركات والقيادات أخطاء، وهذا أمر طبيعي في خضم النضال والتخطيط. ولكن، هل يتجرأ أحد على التنصل من قضيتنا، ومن واجب الدفاع عن الحق. المقصود، أن القضية باقية، والظلم مستمر، وكل ما يحصل من أخطاء، ومن إجراءات سلطوية، لا تُجيز أن نقع في المحظور، أي التخلي عن النضال أو عن التمسك بخطابنا السياسي، خاصة أن نضالنا عادل مئة في المئة، وطريقنا صحيحة مئة في المئة، وأن وسائل نضالنا هي سياسية وشعبية ومدنية، وتتسق مع خصوصيتنا كفلسطينيين في ظروف المواطنة الإسرائيلية.

تقيس إسرائيل مستوى تحدي فلسطينيي ٤٨ على ما يجري في الساحة الفلسطينية، وفي المحيط العربي، حيث جرى ترويض الأنظمة وسياساتها تجاه إسرائيل. وتتوقع منا أن نكون على نفس التوجه الاستسلامي؛ أن نُطبّع العلاقة مع الصهيونية، ومع الطابع اليهودي للدولة. ومعنى ذلك، أن نقبل بالمبنى العنصري والطابع الكولونيالي لدولة إسرائيل، التي تُفضّل اليهودي وتضمن له الامتيازات. معنى ذلك، أن نقبل العبودية، أن نقبل بالدونية، وأن نفرح لذلك. باختصار، تريد إسرائيل إخضاعنا وإجبارنا على قبول الأمر الواقع الذي لا تُحافظ هي عليه، بل تواصل على مدار اللحظة العمل على تغييره لصالحها، لتجعله نهائيًا... سواء داخل الخط الأخضر أو في الأراضي المحتلة عام ٦٧.

إن هذا لن يحصل. بل سنواصل، كحركة وطنية وكجمهور عريض، التمسك بخطاب وطني صلب. كما فعلنا على طول الطريق الصعب والشائك، ولكنه طريق الكرامة... لا خيار آخر.

التعليقات