03/01/2017 - 20:05

نعم لمحاربة "داعش" لا لشيطنة المسلمين...

ما أن تقع عملية داعشية، مثل تلك التي حدثت في إسطنبول وراح ضحيتها العشرات من المدنيين من مختلف الجنسيات والأديان، حتى تكتظ صفحات التواصل الاجتماعي بالمبشرين بالإنسانية الراقية والدعوات للخروج من الظلمات إلى النور ومن الإرهاب إلى المحبة.

نعم لمحاربة

ما أن تقع عملية داعشية، مثل تلك التي حدثت في إسطنبول وراح ضحيتها العشرات من المدنيين من مختلف الجنسيات والأديان، حتى تكتظ صفحات التواصل الاجتماعي بالمبشرين بالإنسانية الراقية والدعوات للخروج من الظلمات إلى النور ومن الإرهاب إلى المحبة ومن التقوقع الديني والطائفي إلى العالم الرحب، وبدلا من تحليل ظاهرة "داعش" أو التطرف، والكشف عن جذورها الحقيقية، يسطّحون هذه الظاهرة وبسخافة وتفاهة يعيدونها إلى رغبات واحتقانات جنسية مكبوتة لدى هؤلاء الدواعش، وطموحات لمضاجعة عشرات الحوريات وشرب الخمور في الآخرة.  

نعم صحيح أنه في العقيدة الإسلامية وُعد المؤمنون المتقون بطيبات كثيرة، ولكن مقابل هذه الوعود للمتقين الطيبين وُعد المجرمون قتلة الأبرياء بعذاب النار، وشدد الإسلام على حرمة دماء الإنسان، واعتبر القتل العمد للنفس البشرية البريئة من الجرائم التي لا تغتفر مثلها مثل الشرك بالله.

وحتى في حالات القتال، يوجد قوانين تحرّم قتل العدو الذي ألقى سلاحه أو المستسلم أو الصغير أو الشيخ، وتحرّم الاعتداء على الأسرى وعلى أماكن العبادة والمتعبدين فيها من كل الأديان، إضافة لتحريم قتل الحيوان إلا لطعام أو قطع شجرة وغيرها، فما بالك بقتل أناس أبرياء في مسجد أو كنيسة أو في سوق أو مكان عام! هذا يعني أن ممارسة داعش تتناقض بوضوح لا لبس فيه مع مبادئ الدين الإسلامي.

لقد وصل الانحطاط بالبعض لوصف الإسلام والمسلمين بـ"الهمج"، بل وهناك من يسعى لنزع الصفة الإنسانية عن المسلمين، يهدف هؤلاء إلى أمرين، أولا تبرير جرائم أنظمة الاستبداد ضد المعارضين وخصوصا ما قام ويقوم به النظام السوري وحلفاؤه الروس والفرس وبعض العرب من خلال دمغ كل معارض بصفة الداعشية والإجرام ونزع إنسانيته عنه. إضافة لهذا فهم يلتمسون العذر للانقلابيين في مصر ومن ثم يلتمسون العذر لحصار غزة، رغم كل فضائح السيسي التي تلامس الخيانة.

لقد خرج متطرفون ومجرمون عبر التاريخ القديم والحديث من جميع الديانات والعقائد والاتجاهات، وإذا عددنا الجرائم التي ارتكبت باسم التنوير والحضارة فلن نحصيها، على سبيل المثال لا الحصر أبيد 40 مليون نسمة من الهنود الحمر على يد الإنسان الأوروبي الأبيض، وهي أكبر جرائم الإبادة على مر التاريخ، وهذا كي يستأثر الإنسان الأبيض بخيرات تلك البلاد، هذه الجرائم أخرجت كأفلام في هوليوود فرأينا الرجل الأبيض يفاخر بإبادة قبائل عن بكرة أبيها بعدما أسقط عن الهندي صفة الإنسانية، والجمهور يصفق، هذا فعله الأوروبي ثم الأميركي، في بقاع كثيرة من الأرض، والآن هذا ما يمارس على أرض الواقع ضد العرب والمسلمين، هناك حملة واسعة لنزع إنسانية المسلم عنه لتسهيل قتله، فأفلام هوليوود تشيطن العرب والمسلمين كما شيطنة الهندي الأحمر، لم نر ذا كوفية وعقال في السينما الغربية إلا مجرما وعديم الإنسانية.    

لم يكن داعش قد ولد بعد عندما قُتل واغتصب عشرات الآلاف من المسلمين والمسلمات في وسط أوروبا على يد المجرمين ومنهم رادوفان كارادزيتش، وهو طبيب وشاعر صربي قاد عمليات إبادة وتهجير للمسلمين والكروات.

لم يكن داعش قد ولد بعد عندما ارتكبت إسرائيل جرائم حرب منذ عام النكبة إلى يومنا هذا.

 لم يكن داعش موجودا عندما رأى العالم ومال زال يرى ما يجري لمسلمي بورما من قتل همجي حرقا بقيادة رهبان بوذيين.  

لم يكن داعش موجودا إبان احتلال العراق وتدميره وقتل مليون إنسان بالحصار والتجويع والمرض والسلاح بأيدي الحلفاء.

لم يكن داعش موجودا يوم أعدم صدام حسين تحت إشراف أميركي في صبيحة عيد الأضحى، الأمر الذي زرع حقدا في نفوس ملايين العرب والعراقيين.

لم يكن داعش موجودا يوم قامت الثورة السورية تهتف واحد واحد واحد الشعب السوري واحد، فووجهت بالرصاص وأغرقت بالدم.

لم يكن داعش موجودا يوم قامت قوات انقلاب السيسي بقتل مئات المدنيين في ميدان رابعة ثم جرّفت الجثث بالجرافات.

لم يكن رجال داعش قد ولدوا بعد يوم ارتكبت مجازر تل الزعتر وحماة وصبرا وشاتيلا ثم مجازر الانتفاضة الأولى والثانية والحملات العدوانية على قطاع غزة المستمرة التي راح ضحيتها عشرات الآلاف من بينهم مئات الأطفال.

طبعا هذه الجرائم لا تبرر وجود داعش ولكنها بلا شك أرضية خصبة لنمو التطرف الذي يحتضن داعش، ويسهّل له عمله وليس الإسلام، هناك من يريد هذا التنظيم ويحتاجه لمآرب متعددة أهمها التشويش والتخريب على الثورات العربية، ووضع الشعوب العربية والعالم أمام خيارين لا ثالث لهما، إما القبول بأنظمة الاستبداد والاحتلال أو البديل داعش.

كثيرون يركبون هذه الأيام على موجة محاربة داعش لشيطنة المسلمين والإسلام وتحقير دينهم، وصاروا يتلمظون ويعتبرون الدين الإسلامي جذر المشكلة، هؤلاء ليسوا سوى دواعش ومخربين من الجهة الأخرى للمعادلة، حتى وإن زينوا أقوالهم بألفاظ تنويرية حداثوية علمانية في ظاهرها، ولكنها في جوهرها لا تقل ظلامية عن ظلامية داعش، نعم لمحاربة داعش، ونعم لمقاومة الاحتلال والاستبداد ولا لشيطنة الإسلام والمسلمين.

اقرأ/ي أيضًا | دائرة الطباشير التي رسمها نتنياهو...                 

التعليقات