23/01/2017 - 12:45

ترامب ومحو المسلمين عن وجه الأرض

بات العربي والمسلم إرهابيًا "داعشيًا" حتى تثبت براءته، وقد لا يُبرّأ حتى بعد ثبات براءته.

ترامب ومحو المسلمين عن وجه الأرض

بات العربي والمسلم إرهابيًا "داعشيًا" حتى تثبت براءته، وقد لا يُبرّأ حتى بعد ثبات براءته.

لعبت أنظمة العار العربي دورًا أساسيًا في وصولنا إلى هذا الواقع، فهي خاضت وتخوض ثورة مضادة بأقذر الوسائل في سبيل البقاء منذ انتفضت الشعوب العربية في العام 2011. هذه الأنظمة وجدت أن الطريق الأسهل لبقائها هو شيطنة المعارضين وتحويل مطالبهم العادلة بتداول السلطة واستئصال الفساد إلى ممارسات إرهابية "داعشية"، حتى أصبحت تهمة الداعشية جاهزة ضد كل ضحية عربية أو إسلامية في كل مكان، كما رأينا في أم الحيران عندما اتهمت إسرائيل الشهيد يعقوب أبو القيعان بأنه على صلة بـ"داعش"، بينما هدم منزلُه وأطلقت عليه النار وترك ينزف حتى الموت واحتجزت جثمانه واتهم بدهس شرطي عمدًا. 

من الطبيعي أن تكون أكثرية المقاومين للاستبداد وللاحتلال في المنطقة العربية من المسلمين، لأن أكثرية السكان والبيئة الثقافية هي إسلامية، لن نجد بوذيين ولا هندوسا ثائرين في سورية ومصر واليمن وفلسطين. الطبيعي أن يكون معظم الثائرين من العرب المسلمين لأنهم الأكثرية السكانية، بلا شك أن هناك ثوارا ومقاومين ينتمون لديانات وطوائف أخرى، وطبيعي جدا للعربي الثائر أن يجيّر تراثه العربي الإسلامي لتحشيد الناس ضد الظلم، هذا فعله عمر المختار وبن باديس وعبد القادر الجزائري وعز الدين القسام وشيوخ الأزهر وغيرهم، ومن الطبيعي البحث عن آيات قرآنية وأحاديث نبوية وقصص دينية وتراثية وأدبية ومقولات إسلامية ومأثورات أدبية عربية وعالمية للتحشيد والتحريض، كذلك مقولات لجورج حبش وتشي جيفارا أو لغسان كنفاني أو لناجي العلي ولإدوارد سعيد وماو تسي تونغ وغاندي وفولتير ونيلسون منديلا وغيرهم، وذلك لتحشيد الناس ضد الظلم والظالمين، والطبيعي جدا في بيئة إسلامية أن يكون التحشيد للثورة متكئا على التراث  الإسلامي حتى لغير المسلم وللعلماني وللملحد منهم.

الإيمان  مصدر قوة لمعظم الجماهير ومصدر طمأنينة لها في حالات الخطر والمواجهة، وطبيعي أن يكون المسجد مكانا تنطلق منه أو من أمامه المظاهرات وخصوصا في أيام الجمعة، لأنه مكان يتجمع فيه الناس من دون دعوات خاصة، ومن لا يتقبل هذا المكان ويخوّن ويشكك بالثورة لانطلاقها من المسجد أو من ساحته فهو يقصد الانحياز للأنظمة بطريقة التفافية، فالأنظمة لا تسمح أصلا بوجود نواد إلا للتطبيل والتزمير للحاكم في كل الوطن العربي، عمليا لم تُبق الأنظمة مكانا يجتمع الناس فيه بأعداد كبيرة سوى مدرجات كرة القدم والمساجد والكنائس والمقامات.

هذا ومن الطبيعي أن يصرخ العربي لحظة المواجهة مع العدو "الله أكبر"، هذا الهتاف قبل ولادة "داعش" بأربعة عشر قرنا، ويقال حتى كرد فعل على صوت أو منظر جميل.

ترامب أيضا يتكئ على رجال الدين ويستعير من التوراة مقولاته الكثيرة، وقد أقسم لدى توليه السلطة وهو محاط برجال الدين، وكل النظرية الصهيونية باحتلال فلسطين مبنية على وعد إلهي توراتي.

ترامب يريد إعادة أميركا إلى عظمتها كما يقول، ولهذا يحتاج  لانتصارات عسكرية تشبع رغبته هذه، لكنه لا يستطيع مواجهة عسكرية مع روسيا المتمددة أو الصين المنافسة، العدو الأسهل هو ما يسميه التطرف الإسلامي، أولا يضمن تحالفا دوليا وعربيا حوله، ويستطيع الظهور بمظهر المنتصر دون حسيب حتى لو قتل الملايين، كذلك فهو سيبتز أنظمة الخليج والسعودية  بحجة حمايتها والتحالف معها لمكافحة الإرهاب، وهذا سيبرر له الدعم اللامحدود لسياسة إسرائيل كديمقراطية تواجه خطر الإرهاب الإسلامي، وسيلتقي مع أنظمة الاستبداد والنذالة والاحتلال حول  الهدف الرذيل، وهو إعادة الشعوب العربية الثائرة إلى الحظيرة التي سبقت الربيع العربي،  لنزع أحلامها بالحرية من جهة وتخليد الاحتلال من جهة أخرى ومواصلة نهب خيراتها.

صحيح أن بيئة الاستبداد والظلم تدفع الكثيرين إلى اليأس ولردود فعل متطرفة، ولا ننكر وجود إرهابيين ودمويين، ولكنهم قلة بين الشعوب، والحالة الأصلية والأعظم هي أن الشعوب العربية ثارت ضد الفساد طالبة الحرية وتداول السلطة، والفلسطينيون ثاروا منذ عقود ضد الاحتلال وممارساته.

حقيقة الصراع هي بين أنظمة متعفنة شيطنت شعوبها في سبيل البقاء في السلطة، ملتقية بهذا مع الاحتلال والاستيطان ويهودية الدولة التي "تدعشن" كل رافض لواقع الاحتلال والعنصرية، وهو ما ركب موجته وجاء ليتممه دونالد ترامب، أي إعادة الشعوب العربية إلى حظيرة الطاعة وتصعيد نهب خيراتها ودعم الاحتلال والبطش بكل من يعترض هذه الوحشية تحت مسمى محاربة الإرهاب.           

التعليقات