26/01/2017 - 10:18

وقائع في ثورة 23 يوليو 1952 المصرية

قصارى القول إن دور أنور السادات، أكان في تنظيم الضباط الأحرار أم في الإعداد للثورة، أم في تنفيذ الثورة، كان محدوداً. ويظهر أثر هذا الدور المحدود في توزيع المهمات سنة 1953 عقب انتصار الثورة؛ فقد تولى محمد نجيب رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس ا

وقائع في ثورة 23 يوليو 1952 المصرية

تتيح الدول الديمقراطية العريقة الاطلاع على وثائقها السرية، بعد مرور نحو ثلاثين عاماً على صدورها أو أكثر. أما غير الديمقراطية، أو حديثة العهد بالديمقراطية، فتمتنع عن الكشف عن وثائقها ولو بعد أكثر من خمسين عاماً، وحتى لو تبدّل الرؤساء وتغيرت الحكومات. ومن دواعي الأسى إننا، نحن العرب، مضطرون إلى انتظار الدول الاستعمارية القديمة، ولا سيما بريطانيا وفرنسا وأميركا، في كل مرة تفرج فيها عن وثائق متعلقة ببلادنا، كي نبدأ إعادة النظر في فهم الحوادث ومجريات الأحوال التي شهدتها بلادنا، لأن الكتابة التاريخية لا تستقيم من غير معرفة الوقائع الصحيحة. لكن كيف نعرف حقاً الوقائع الصحيحة إذا لم تنجدنا الوثائق، والوثيقة وحدها لا يمكنها أن تخبرنا أكثر مما يتضمنه النص، أي ما يريده واضع الوثيقة. لذلك لا تكتمل الفائدة من الوثائق إلا بوجود المؤرخ الذي يعيد التقويم ويقدّم التفسير والتعليل، خلافاً للمنقّب عن الوثائق والأوراق الذي يكون، في أحيان كثيرة، مجرد كاتب فضولي ممن تستهويه حرفة التفتيش والاكتشاف والبحث في المطمورات. 

المأنوس في أجهزة الاستخبارات العربية أن أول ما يقوم به أي ضابط، حين يتولى رئاسة جهاز أمني، هو سحب ملفه الشخصي من أرشيف ذلك الجهاز وإتلافه. فالقاعدة هنا هي الإتلاف وليس الحفظ. ويكون الإتلاف، في أحيان كثيرة، بالنار التي تحرق كل شيء. فعندما انهار نظام الشاه محمد رضا بهلوي في 1979، عمدت جهات سياسية في إيران إلى إحراق السجلات الحكومية والاستخبارية لكي تطمس علاقة بعض أفرادها بجهاز السافاك الرهيب. وحين سقطت بغداد في 9/4/2003 أمام الغزو الأميركي، استولت قوى سياسية متعدّدة المنابت والأهواء على سجلات الأجهزة الأمنية. لكن، بدلاً من أن تحفظها وتكتشف ما فيها من معلومات، راحت تستخدمها في ابتزاز الخصوم. وها نحن بعد 52 سنة لا نعرف بدقة مَن اغتال المعارض المغربي المهدي بن بركة، وهل إن المشير عبد الحكيم عامر انتحر حقاً في مصر سنة 1967 أم قُتل، ومَن اغتال الملك فيصل بن عبد العزيز، ومَن الذي اتخذ قرار اغتيال العقيد عدنان المالكي في دمشق سنة 1955، وما حقيقة أشرف مروان: هل هو عميل مزدوج مصري – إسرائيلي مع ولاء لوطنه مصر؟ أم هو عميل للمخابرات الإسرائيلية (الموساد) بالفعل؟ وكيف اغتيل ياسر عرفات، ومن اغتال رفيق الحريري، ومن يقف حقاً وراء عملية لوكيربي، وهل صحيح أن ليبيا تحملت وزر هذه العملية وحدها لتحمي دولةً أخرى هي التي خططت تلك العملية؟ وهل صحيح أن ليبيا اغتالت الإمام موسى الصدر نزولاً عند طلب تلك الدولة إياها. 

أسئلة الحيارى

بعد خمس وستين سنة على قيام ثورة 23 يوليو 1952 في مصر التي غيّرت وجه المشرق العربي كله، وأطلقت في سمائنا وعوداً عظيمة، ما انفكّت الأسرار تتخفى، حتى اليوم، وراء الأستار. وحتى المذكّرات التي نشرها أصحابها ممن شاركوا، بهذا القدر أو ذاك، في التخطيط لهذه الثورة، لم تنجدنا في إماطة اللثام عن خفايا كثيرة، ومنها على سبيل المثال: هل كان جمال عبد الناصر، كما تزعم مصادر الإخوان المسلمون، عضواً في التنظيم العسكري التابع لهم، والذي كان يقوده محمود لبيب؟ وهل كان لحرب فلسطين في 1948 وحصار الفالوجة أثر في انفصال عبد الناصر عن تلك الجماعة، وتأليف تنظيمه الخاص للضباط الأحرار؟ وما هو الدور الحقيقي لأنور السادات في ثورة 23 يوليو؟ وهل صحيح ما رواه الصحافي الأميركي جيم هوغلاند، المقرّب من الاستخبارات الأميركية، في "واشنطن بوست" (فبراير/ شباط 1977) عن أن CIA تمكّنت من تجنيد السادات في سنة 1962 عبر السعودي كمال أدهم؟ ولماذا انخرط عبد المنعم أمين، وهو لم يكن من الضباط الأحرار، بل رجل أميركا في الجيش المصري، في ثورة 23 يوليو، واستولى على قوات الدفاع الجوي؟ وما هي قصة سطوة محاسن السعودي على زوجها عبد المنعم أمين؟ ولماذا أُبعد الشيوعي يوسف صديق من عضوية مجلس قيادة الثورة؟ وماذا كان تأثير العلاقة التي ربطت صلاح سالم بالأميرة فايزة شقيقة الملك فاروق في خياراته السياسية؟ وما قصة اعتقال مصطفى أمين في أثناء الثورة، ثم الإفراج عنه بعد نجاحها مباشرة؟

السِيَر الناقصة 

تبارى سياسيون مصريون كثيرون في نشر مذكراتهم وسِيَرهم ويومياتهم التي تضمنت، في ما تضمنت، وصفاً للوقائع التي جرت في ليلة 23 يوليو 1952. وقد انفرد محمود رياض، الأمين العام اللاحق لجامعة الدول العربية، ووزير خارجية مصر فترة مديدة، من بين الآخرين بأنه اكتفى بسطر واحد فقط في مذكراته للحديث عن تلك الثورة، فيقول: "حينما قامت الثورة في مصر في يوليو 1952 عُدت إلى القاهرة، وتوليت إدارة شؤون فلسطين في القيادة العامة" (أنظر: مذكرات محمود رياض، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1987). ولعلنا نجد لمحمود رياض عذراً في ذلك الإهمال، فهو لم يكن من الضباط الأحرار، ولم يشاركهم في الإعداد للثورة ولم يساهم في مجرياتها، بل كان طوال حياته موظفاً من الطراز التقليدي. وفي أي حال، فإن أكثر من خمسين سيرة ذاتية ومذكرات تاريخية، كتبها بعض مَن شارك في تلك الثورة. ومع ذلك، ما زلنا نبحث عن الزوايا الظليلة في ذلك الحدث التاريخي. أما أشهر تلك المذكرات فهي: "والآن أتكلم" لخالد محيي الدين (القاهرة: مركز الأهرام للترجمة والنشر، 1992)؛ و "مذكرات صلاح نصر" (القاهرة: دار الخيال، 1999)؛ و "مذكرات عبد اللطيف البغدادي" (القاهرة: المكتب المصري الحديث، 1977)؛ و "22 يوليو: أطول يوم في تاريخ مصر" لجمال حماد (القاهرة: كتاب الهلال رقم 388، 1983)؛ و "أسرار معركة الحرية" لحسن عزت (القاهرة: د.ن.، 1953)؛ و "أسرار ثورة 23 يوليو 1952" لفتحي رضوان (مجلة روز اليوسف، حلقات نشرت في تموز/ يوليو وآب/أغسطس 1975)؛ و "البحث عن الذات" لأنور السادات (القاهرة: المكتب المصري الحديث، 1978)؛ علاوة على كتب أخرى، مثل "كنتُ رئيساً لمصر" (محمد نجيب)، و"أوراق سياسية" (سيد مرعي)، و"مذكرات كمال الدين رفعت"، و"الأسرار الشخصية لجمال عبد الناصر" (محمود الجيار)، و"التاريخ السري لحكم جمال عبد الناصر" (منير حافظ)، و"مذكرات كريم ثابت"، وغيرها.

التنظيم السري

روّج الرئيس أنور السادات في كتابه "البحث عن الذات" أنه المؤسس الحقيقي لتنظيم الضباط الأحرار، وهو الذي أعلن بصوته قيام الثورة، وهو الذي أرغم الملك فاروق على مغادرة مصر إلى المنفى. ويضيف السادات: إن أول تنظيم سري للضباط أسس سنة 1939، وأنه كان هو نفسه قائداً لهذا التنظيم الذي ضم عبد المنعم عبد الرؤوف وعبد اللطيف البغدادي وحسن إبراهيم وخالد محيي الدين و أحمد سعودي حسين وحسن عزت وأحمد إسماعيل، ثم يقول: "عندما دخلت المعتقل في صيف 1942 كان عبد الناصر ما زال في السودان. ولكن بمجرد نزوله بكتيبته ووصوله إلى مصر في ديسمبر 1942 اتصل به عبد المنعم عبد الرؤوف لضمه إلى التنظيم (...). واستجاب عبد الناصر على الفور". وفي أوائل سنة 1943 تسلم عبد الناصر التنظيم، بعدما تمكّن من إزاحة عبد المنعم عبد الرؤوف. ويكتب أنور السادات أيضاً: صحيح أنني كنت بدأت تنظيم الضباط الأحرار، ولكنني بقيت بعيداً عن التنظيم ثماني سنوات، وهي الفترة ما بين فصلي من الجيش سنة 1942 وعودتي إليه سنة 1950.

واضح هنا أن السادات ينسب إلى نفسه مجداً لم يبلغه، ولم يثبت قط مثل هذا الادعاء. ويفند محمد حسنين هيكل، على سبيل المثال، كلام السادات في كتابه "خريف الغضب": (بيروت، شركة المطبوعات، 1983) "في النصف الثاني من سنة 1951 أصبح أنور السادات عضواً في تنظيم الضباط الأحرار، وكان جميع أعضاء اللجنة التأسيسية للتنظيم يعارضون انضمامه. ومنذ انضمامه إلى التنظيم في سنة 1951 وحتى نهاية العام نفسه، حضر اجتماعين. فقط، وطوال النصف الأول من سنة 1952 حضر اجتماعين آخرين". 

أما خالد محيي الدين فيذكر في كتابه "الآن أتكلم" أن الاجتماع الأول لتنظيم الضباط الأحرار جرى في خريف عام 1949 في منزل جمال عبد الناصر في كوبري القبة وحضره عبد الناصر وخالد محيي الدين وعبد المنعم عبد الرؤوف وكمال الدين حسين وحسن إبراهيم وتغيب عبد الحكيم عامر. وهذا يعني أن أنور السادات لم يكن موجوداً في الاجتماع التأسيسي لتنظيم الضباط الأحرار. ويضيف خالد محيي الدين: في سنة 1951 أصبحت لجنة القيادة مؤلفة من: جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر وحسن ابراهيم وعبد المنعم عبد الرؤوف وصلاح سالم وعبد اللطيف البغدادي وكمال الدين حسين وخالد ومحيي الدين؛ أي أن أنور السادات لم يكن في قيادة التنظيم، بل انضم في أواسط (وربما في أواخر) سنة 1951.
في جانب مماثل، يقول صلاح نصر، في مذكراته، إن تنظيم الضباط الأحرار نشأ في أواخر سنة 1949، وأن عبد الناصر هو الذي أسس نواته الأولى التي تألفت من ستة ضباط، وأطلق عليها اسم "الهيئة التأسيسية للضباط الأحرار" التي ضمت: جمال عبد الناصر وعبد المنعم عبد الرؤوف وعبد الحكيم عامر وحسن إبراهيم وكمال الدين حسين وخالد محيي الدين. وفي 1951، انضم إلى الهيئة صلاح سالم وعبد اللطيف البغدادي وأنور السادات وجمال سالم. وللتاريخ (بحسب صلاح نصر) فقد كان عبد الناصر هو العقل المدبر للتنظيم، بينما كان عامر الدينامو أو المحرّك لنشاط التنظيم. 

توضح هذه الشواهد أن أنور السادات جاء في آخر طابور اللجنة القيادية لتنظيم الضباط الأحرار. لكنه، في أي حال، لم يكن جديداً وطارئاً على العمل السياسي في صفوف الجيش، فقبل نشوء تنظيم الضباط الأحرار، كانت هناك مجموعاتٌ عديدة في الجيش، منها مجموعة أنور السادات التي ضمت، حينذاك، حسين توفيق وإبراهيم كامل. وكانت هذه المجموعة على صلةٍ بالقصر الملكي، من خلال يوسف رشاد الطبيب الخاص للملك فاروق. ولعل السادات أراد أن يعيد تاريخ "الضباط الأحرار" إلى الوراء، بحيث يتصل بهذه المجموعة، فيكسب بذلك الريادة. وحسين توفيق هو نجل توفيق أحمد باشا وكيل وزارة الدفاع المصرية. وقد اغتال حسين توفيق في 5/1/1946 أمين عثمان الذي كان وزيراً للمالية في حكومة حزب الوفد برئاسة مصطفى النحاس، بالاشتراك مع عبد القادر عامر (حفيد أحمد عرابي). وهذان الشخصان من أعضاء منظمة القمصان الخضراء التي ألقت القنابل على نادي الضباط الانكليز في الإسكندرية، وأُلقي القبض عليهما بعد اغتيال أمين عثمان، ثم جرى تهريبهما من السجن، فوصلا إلى سورية من طريق الأردن، وبتسهيلٍ من الشريف ناصر بن جميل. وساهمت ناهد رشاد، زوجة يوسف رشاد، بتهريبهما من السجن وإرسالهما إلى الأردن، وكان للصحافي علي أمين دور في هذه العملية. وانضم حسين توفيق وعبد القادر عامر، علاوة على عبد الرحمن مرسي وكمال مصطفى الدفراوي، إلى كتائب الفداء العربي التي أسسها في دمشق جهاد ضاحي، وكان هاني الهندي وجورج حبش من بين أعضاء هذه المنظمة التي ألقت القنابل على مدارس الإليانس اليهودية في حي وادي أبو جميل في بيروت، وفي حارة اليهود في دمشق، وحاولت اغتيال أديب الشيشكلي في 11/11/1950. ومهما يكن الأمر، لم تكن مجموعة أنور السادات وحيدة في صفوف الجيش، فكان ثمّة مجموعات أخرى، من بينها مجموعة جمال منصور، ومجموعة "الحرس الحديدي" بقيادة مصطفى كمال صدقي، ومجموعة الضباط المتحلقين حول عزيز باشا المصري.

السادات والحقيقة

يدّعي أنور السادات لنفسه مسؤولية تاريخية مباشرة في قرار قيام ثورة 23 يوليو 1952، فيقول: "جمعنا الهيئة التأسيسية (للضباط الأحرار) في فبراير 1952 وقرّرنا قيام الثورة في نوفمبر 1952 بدلاً من نوفمبر 1955. وبالطبع تغير الموعد، لاحقاً، إلى 23 يوليو 1952. لكن خالد محيي الدين يكشف أن آخر اجتماع للجنة القيادة قبل الثورة جرى في منزله وحضره: جمال عبد الناصر، حسن إبراهيم، عبد الحكيم عامر، كمال الدين حسين، عبد اللطيف البغدادي وخالد محيي الدين. وتغييب كل من: جمال سالم وصلاح سالم وأنور السادات. بينما شارك في الاجتماع، من خارج القيادة، زكريا محيي الدين وحسين الشافعي وعبد المنعم أمين وإبراهيم الطحاوي. وهؤلاء هم الذين عرفوا ساعة الصفر. وهذا يعني أنه لا علاقة لأنور السادات بالخطة النهائية للثورة، ولا بتوقيتها. وفي مجال آخر، يقول صلاح نصر إن الخطة العامة النهائية للثورة وضعت خلال اجتماع عقد في بيته (لا في منزل خالد محيي الدين) عصر يوم 22 يوليو/ تموز 1952 بحضور جمال عبد الناصر. 

أما عن المهمة التي أوكلت إلى السادات، خلال الساعات الأولى من الثورة، فيبدو أنها غير واضحة البتة، وربما لم توكل إليه أي مهمة، وهذا هو الراجح، بسبب تغيّبه عن آخر اجتماع عشية الثورة. وفي هذا السياق، يقول خالد محيي الدين إن السادات كان في رفح، وجاء إلى القاهرة متأخراً ليلة الثورة، ثم ذهب إلى السينما، وهناك تشاجر مع أحد الأشخاص، وذهب إلى قسم البوليس وسجل محضراً بالمشاجرة، ثم عاد إلى بيته في الواحدة والنصف بعد منتصف الليل، ليجد ورقة من جمال عبد الناصر يبلغه فيها بضرورة الحضور إليه، لأن الحركة بدأت، فذهب وشارك في العملية. ويعترف أنور السادات نفسه بأنه جاء من العريش في 22 يوليو 1952، وتوجه إلى منزله، واصطحب زوجته إلى السينما. وعندما عاد إلى منزله في منتصف الليل، وجد بطاقة عبد الناصر، يطلب منه فيها أن يقابله في منزل عبد الحكيم عامر الساعة الحادية عشرة. فغيّر ملابسه وتناول مسدسه، وتوجه إلى منزل عامر فلم يجده، فذهب إلى ثكنات العباسية، ولم يكن يعرف كلمة السر، فلم يستطيع الدخول إلا بعد أن شاهده عبد الحكيم عامر، فأدخله إلى المقر. وهنا لا يذكر السادات قط حادثة المشاجرة وتسجيل المحضر في قسم البوليس. أما في ثكنات العباسية، فلم يكن للسادات أي مهمة، وحاول أن يقدّم المساعدة في غرفة الإشارة، فكانت مجرد مساعدة هامشية. 

مجرد صوت

يروي محمد حسنين هيكل في "خريف الغضب" أن السادات عندما تمكّن من الوصول إلى مبنى رئاسة الأركان في الثالثة فجراً، كان كل شيء قد تم تنفيذه وانتهى، وأن عبد الناصر قال للسادات: "أنور، إن لديك صوتاً قوياً، وأنت تجيد الإلقاء، فاذهب إلى استديو الإذاعة واقرأ هذا البيان". لكن خالد محيي الدين ينفرد برواية أخرى، فيقول: إن أحد الضباط فشل في تلاوة البيان الأول للثورة في الإذاعة، فتقدّم السادات لإذاعته، وليكسب بذلك مزية أنه هو الذي أعلن، بصوته، قيام الثورة.

قصارى القول إن دور أنور السادات، أكان في تنظيم الضباط الأحرار أم في الإعداد للثورة، أم في تنفيذ الثورة، كان محدوداً. ويظهر أثر هذا الدور المحدود في توزيع المهمات سنة 1953 عقب انتصار الثورة؛ فقد تولى محمد نجيب رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء، وتولى جمال عبد الناصر نيابة رئاسة الوزراء ووزارة الداخلية، بينما عهد إلى السادات بالإشراف على جريدة الجمهورية. وفي هذا المجال، كان بعض كتاب الجريدة يكتبون المقالات، بدلاً من السادات ويذيّلونها بتوقيعه. ولم يكن يكلف نفسه حتى مراجعة ما كتبوا (انظر: محمد حسنين هيكل، "خريف الغضب"، مصدر سبق ذكره).

التعليقات