23/02/2017 - 15:27

تغييب الفلسطينيين ونهب "أملاكهم المتروكة"

كان رفض المؤرخ الإسرائيلي، ألون كونفينو، لافتًا وقاطعًا، وذلك بعد محاولة الصحافي المخضرم أوري أفنيري، إيجاد نوع من التوازن بين التطهير العرقي الذي مارسته العصابات الصهيونية ضد الفلسطينيين في المناطق التي سيطرت عليها.

تغييب الفلسطينيين ونهب "أملاكهم المتروكة"

كان رفض المؤرخ الإسرائيلي، ألون كونفينو، لافتًا وقاطعًا، وذلك بعد محاولة الصحافي المخضرم أوري أفنيري، إيجاد نوع من التوازن بين التطهير العرقي الذي مارسته العصابات الصهيونية ضد الفلسطينيين في المناطق التي سيطرت عليها، وما ادعى أفنيري أنه تطهير عرقي 'مارسه العرب ضد اليهود في المناطق التي سيطروا عليها من فلسطين'.

وردّ بروفيسور كونفينو، في مقال نشرته 'هآرتس' الأسبوع الفائت، على ادعاء أفنيري قائلًا،' إن أعداد اليهود الذين طردوا كانت قليلة جدًا، كما أن طردهم لم يؤثر على اليهود كدولة ومجتمع وتاريخ، في حين أدى طرد الفلسطينيين 'النكبة'، إلى تدمير مجتمع أصلي عاش على أرضه لسنوات طويلة، كما أثرت نتائجها على كل فرد فلسطيني أينما كان، بالإضافة إلى أن ضعف الفلسطينيين كمجموعة اليوم، يرتبط ارتباطًا وثيقًا باقتلاعهم من نسيج حياتهم عام 1948. ويضيف، أنّ نتائج النكبة ومصادرة الحقوق القومية للفلسطينيين، تتواصل بأشكال مختلفة حتى يومنا هذا. 'لا وجه للمقارنة'، يقول كونفينو، هناك شعب أسس وطنه وتسبب بفقدان وطن شعب آخر.

وفي معرض رده، على أفنيري، سلط الكاتب الضوء على قضية السطو على البيوت والممتلكات الفلسطينية ونهبها، من قبل أفراد العصابات الصهيونية والمستوطنين، رافضًا مقارنة تلك الأعمال بما أسماه أفنيري، 'سطو العرب على أملاك يهودية' في المناطق التي سيطروا عليها من فلسطين، وكذلك بالمقارنة مع ممتلكات اليهود الذين غادروا الدول العربية، معتبرًا أنّهم جاءوا لتدمير النسيج الاجتماعي الفلسطيني، العمليات كانت رسالة للفلسطينيين ولليهود، ومفادها أنّ العرب لن يرجعوا، حتى لو انتقلوا إلى قرى مجاورة خوفًا من المعارك، مشيرًا إلى أن النهب طال كل شيء، الأثاث، السجاد، البيوت، حسابات البنك والأراضي، وتمّ على أيادي المستوطنين والدولة.

لم تحظ قضية السلب والنهب التي طالت البيوت والحوانيت وغيرها من الأملاك الفلسطينية، التي خلت من أصحابها خلال المعارك، بترتيب عالٍ في سلم الفظائع التي ارتكبتها العصابات الصهيونية في فلسطين، من مذابح وقتل واقتلاع وتدمير وإحلال وتهجير واستيطان، والتي تختصر كلها بمصطلح 'النكبة'، وتقع أعمال السلب والنهب واقتحام البيوت والممتلكات الفلسطينية، في درجة متدنية، والتي أطلق عليها 'الأملاك المتروكة'، وهو تعبير مضلل يوحي بأنّ هذه الأملاك لا أصحاب لها، أو أنّها تركت ليتمتع بها المستوطنون، لذلك لم تأخذ نصيبها الذي تستحق في سجل النكبة الأسود.

في مقاله الذي جاء تحت عنوان 'كنت شاهدًا على أعمال السطو والنهب من قبل اليهود'، أشار بروفيسور كنفينو، إلى أن الفلسطينيين تركوا وراءهم في طول البلاد وعرضها، حياة كاملة بكل أشيائها المادية، فيما بدأت أعمال السطو على بيوت الفلسطينيين ومحلاتهم ونهبها، مع بدء المعارك في 15 أيار/مايو، حيث أخذت زخمًا شعبيا مع سقوط طبريا وحيفا ويافا وصفد، والأحياء الفلسطينية في القدس الغربية، قبل أن تأخذ شرعية كسياسة رسمية.

ويستشهد الكاتب بالمدير العام للجامعة العبرية، فيرنر سنتور، الذي شبه انقضاض المستوطنين اليهود على بيوت الفلسطينيين في أحياء غربي القدس، بانقضاض الجراد على الحقل، ويورد على لسان أحد الجنود الذين شاركوا في احتلال القطمون قوله، 'إن أعمال السطو والنهب جرت بمشاركة جنود ومدنيين، قاموا باقتحام البيوت المتروكة وأخرجوا منها الأثاث والملابس والأجهزة الكهربائية والأغذية'.

ويستحضر المقال الشبه بين ما فعله النازيون باليهود، عندما أخرجوهم من بيوتهم وحشروهم في 'غيتوات'، وبين تهجير الفلسطينيين من خلال قصة الزوجين جينيا وهنريك كوبالسكي، اللذان نجيا من الهولوكست، وتزوجا وهاجرا إلى فلسطين عام 1949.

الوكالة اليهودية أعطتهما مفتاح بيت فلسطيني في يافا، وقالوا لهما هذا بيتكما، وعندما وصلا إلى البيت، وفتحا الباب أصيبا بالصدمة، لأن الأمر ذكرهما بإخراجهم من قبل النازيين الى الغيتو. كان كل شيء متروكًا، كما تروي جينيا، التي تصف مشهد الصحون التي ما زالت موضوعة على مائدة طعام الأسرة الفلسطينية.

الزوجان المذكوران رفضا السكن مكان الأسرة التي طردت من بيتها، ربما لتمتعهما بحس إنساني خاص، ولكن الآلاف وربما عشرات الآلاف من المهاجرين الآخرين، سكنوا بيوت الفلسطينيين واستعملوا فراشهم وأوانيهم، حيث يورد المؤرخ توم سيغف في كتابه 'الإسرائيليون الأوائل'، أنه حتى أيار/مايو 1949، كان قد سكن في الرملة نحو 8,000 شخص، وفي اللد نحو 8,000 شخص، في البيوت الفلسطينية 'المتروكة'، وحتى نهاية السنة، وُزع على المُهاجرين في الرملة نحو 600 حانوت من الحوانيت الفلسطينية المتروكة. كما أخذ في عين الاعتبار عند التوزيع، الجنود ومشوهي الحرب بصورة خاصة.

وينقل على لسان الوزير، باخور شالوم شطرت، قوله لزملائه في اللجنة الوزارية لشؤون 'الأملاك المتروكة' إنه زار بعض المناطق المحتلة، ورأى النهب بأم عينيه، وأن الجيش أخرج من اللد وحدها 1,800 شاحنة محمولة بالممتلكات.

ويذكر سيجف، أنه من بين الأملاك التي سُلمت للمهاجرين أيضاً، مصنع لصنع الأزرار، ومعمل للمرطبات، ومصانع لإنتاج السجق والثلج والأقمشة والمعكرونة. يمكن القول إنّه في الإجمال، سكن المنازل المتروكة بين 140 ألف و160 ألف مُهاجر يهودي، وسكن المنازل المتروكة في يافا نحو 45 ألف مُهاجر، والمدينة السفلى في حيفا 40 ألف، وعكا نحو 5 آلاف.

 لم تقتصر عمليات السطو والنهب على أملاك اللاجئين الذين شردوا خارج الوطن فقط، بل المهجرين داخل الوطن، مثل أهالي الطنطورة الذين كانوا يطلون على بيوتهم من الفريديس، وأهالي صفورية الذين أطلوا عليها من ضواحي الناصرة، حيث منعوا من العودة إلى بيوتهم التي تعرضت لعمليات السطو والنهب، وهي عمليات استهدفت، كما يقول كونفينو، السكان المدنيين للطرف الضعيف المهزوم ومنزوع الحماية، بهدف هدم النسيج الاجتماعي والعائلة، وبعث رسالة واضحة مفادها أنّكم لن ترجعوا ولا يوجد لديكم مكان ترجعون إليه.

عشرات الآلاف من الإسرائيليين، جنوداً ومدنيين، كما يقول سيجف، نالوا قسطهم من الغنائم. واحد صادر مقعدا وآخر بساطاً، وواحد أخذ آلة حياكة والثاني آلة حصاد، وواحد استولى على مسكن، وآخر على كرم زيتون.

تلك العمليات دخلت، لاحقا، كما هو معروف، طور المأسسة، حيث جرى تنظيم عمليات السلب والنهب بواسطة منظومة من القوانين والمؤسسات للسيطرة على الأراضي والأملاك الفلسطينية، وإدارتها تحت ذريعة 'أملاك الغائبين'. هذه المنظومة لم يسلم منها الفلسطينيون المصنفون كـ'غائبين حاضرين'، وحتى الحاضرين الذين جرت مصادرة غالبية أراضيهم، وحشرهم بما يشبه غيتوات سكنية، هي حقًا أكبر عملية سرقة حدثت في التاريخ. 

التعليقات