07/03/2017 - 14:54

ضرورة التصالح مع لغتنا العربية

اللغة العربية هوية الأمة، وإلا فلن تكون أمة عربية، فأنا لا أستطيع التفاهم مع المغربي والجزائري والموريتاني وغيرهم إذا تمسك كل واحد منا بلهجته المحلية، اللغة العربية الفصحى هي الرابط الذي يجمعنا.

ضرورة التصالح مع لغتنا العربية

قال لي أحد المعلمين إنه لا يشعر بحب الطلاب للغتهم العربية رغم جهوده الكبيرة، ويعللون هذا بقولهم ماذا سيفيدنا تعلم العربية في حياتنا العملية! نحن نريد دراسة العلوم، وهناك من يقول إن حاجتنا للغات أخرى أكثر أهمية، مثل الإنجليزية لغة العلم والعالم، والعبرية اللغة الرسمية في إسرائيل التي نحتاجها أكثر في حياتنا العملية، وهناك من يقول إنه يحاول ولكن اللغة العربية صعبة وقوانينها صارمة منفّرة.

أولا عدد الناطقين باللغة العربية يقترب من نصف مليار إنسان، وهناك مئات الملايين من البشر يقيمون شعائرهم الدينية باللغة العربية.

اللغة العربية هوية الأمة، وإلا فلن تكون أمة عربية، فأنا لا أستطيع التفاهم مع المغربي والجزائري والموريتاني وغيرهم إذا تمسك كل واحد منا بلهجته المحلية، اللغة العربية الفصحى هي الرابط الذي يجمعنا.

هناك دراسات علمية تؤكد أن إتقان لغة الأم بشكل سليم يسهل على الطالب فهم اللغات الأخرى، كذلك فهي تعين على فهم المصطلحات العلمية المعقدة، حتى عندما تتعلمها في اللغة الإنجليزية، لأن لغة الأم هي لغة أحاسيس ومشاعر الإنسان، ولن يفهم دقائق المعاني والمقاصد إلا من خلالها، ولهذا فعندما تدرس موضوعا علميا كالطب مثلا، يجب أن تكون متمكنا من لغتك الأم التي تسهل عليك استيعاب المواد التعليمية وإن كانت بلغة أخرى، وتوسّع خيالك، فالعلم يحتاج إلى مخيلة، وهذه تتطور من خلال قراءة القصص والروايات والشعر والأدب عموما.

تتعرض لغتنا، مثل أصحابها، إلى محاولات محو وتشويه واقتلاع، هناك حرب تشنها السلطات على لغتنا سواء في كتب التدريس المشوِّهة للغتنا، حيث نجد كلمات أجنبية كثيرة، رغم وجود بدائل عربية لها مثل كلمة (بوليس) إلى جانب آلاف الأخطاء النحوية والإملائية، كذلك التشويه المتعمد للافتات في الشوارع والأماكن العامة والنشرات في المؤسسات التي تخلو من العربية، وإذا كتبت بها تكون زاخرة بالأخطاء، إضافة إلى تشويه أسماء قرانا ومدننا والمواقع الجغرافية ومحاولة "عبرنتها" من منطلق أن إلغاء اللغة أو اصطناع غربة بينها وبين أهلها، سوف يقنع الأجيال القادمة بأن هذه ليست أرضهم والبلاد ليست بلادهم.

عندما نخلط كلاما أجنبيا في أحاديثنا فهو يعكس تشوّها في شخصيتنا القومية، خصوصا عندما يتباهى البعض بهذا الخلط، هناك أمم معتدة جدا بلغتها وترفض الحديث بلغات أخرى، نحن لسنا بهذا التعصب ولكن علينا احترام لغتنا.

علينا أن نهتم باللافتات على الأمكنة العامة أن تشمل اللغة العربية وخصوصا المحلات التجارية في مدننا وقرانا، ولفت أنظار أصحابها إلى ضرورة ذلك وعدم إلغاء العربية أو تهميشها.

أحد أسباب نفور الطلاب من العربية هو عدم اتباع وسائل جذابة في تدريسها، وخصوصا ما يتعلق بالقواعد والإملاء، وتعقيد الأمر بدلا من تبسيطه، واعتماد الوعظ والتلقين بدلا من التقديم بلغة بسيطة وأمثلة جذابة، بل أن البعض يعتبر العربية إعجازا لا يمكن للطالب إتقانه مهما حاول.

تحويل اللغة إلى حزازير وفزازير والاستهتار بمن يخطئ، وكأننا نقول باستحالة تعلم اللغة، فليس مفروضا على كل طالب أن يكون سيبويه عصره، الأهم هو تدريبه على التعبير عن نفسه بلغته وليس تعجيزه.

معرفة قواعد النحو والصرف والإملاء هي عملية سيرورة مستمرة ولا تنتهي في فصل أو عام دراسي واحد، ومن يحب لغته ويحترمها، حتما سوف يتقنها مع مرور الوقت.

يجب الحرص على عدم الإسهاب في شرح القواعد وتعقيد كل مسألة وتحويلها إلى مادة طويلة منفرة.

من المفيد استغلال محرك البحث في الهاتف والحاسوب والتعرف على الباحث العربي الذي يعطينا الكلمة ومعناها، وهو أمر شيق، حيث أننا نُفاجأ من مصدر كلمة ما ونموها حتى وصولها إلينا عبر الدهور.

تحبيب الطلاب بقراءة القصص والروايات والأشعار سيؤدي حتما إلى تحسين أداء الطلاب في لغتهم العربية والتمتع بأسرارها.

التباهي بلغتنا من خلال ذكر أمثلة من كلمات عربية مستخدمة في لغات أخرى كالإنجليزية والإسبانية، الأمر الذي يعني أنها لغة عريقة ولأصحابها فضل كبير على الحضارة العالمية، مثل (أدميرال) التي تعني أمير البحر، كهول-كحول جبرا-الجبر آرسنال (دار الصناعة) وكلمات كثيرة في العلوم والطهو والجغرافية وغيرها.

مهم جدا وأساسي قراءة أحد الوالدين قصةً مُشكّلةً للطفل باللغة العربية الفصيحة، مع مراعاة سن الطفل وقاموس كلماته.

تحفيظ الطفل أغنيات وأناشيد بسيطة في اللغة العربية الفصيحة.

الاهتمام بسماع الأغاني المقدمة باللغة العربية الفصيحة للأطفال، أما للثانويين فممكن سماع قصائد تغنيها أم كلثوم مثل أغدا ألقاك ورباعيات الخيام وهذه ليلتي والأطلال وغيرها الكثير، مما يسهل حفظ الكلمات الصعبة والمران عليها.

العربية لغة القرآن الكريم، ولهذا بديهي أن من يقرأ أو يستمع إلى القرآن الكريم سوف يطوّر ملكته اللغوية.

هذا ينطبق على حفظ الأشعار القديمة والأحاديث والخُطب.

مهم جدا معرفة أن الهوة بين الفصحى والمحكية ليست شاسعة كما يظن البعض، هناك ألفاظ كثيرة نستعملها كعامية وهي فصيحة، في كتاب "إذا الموؤودة سئلت" للدكتور إلياس عطا الله، نجد نماذج كثيرة حول هذا الموضوع.                          

تشويق الطالب من خلال البحث عن مصادر الكلمات، مثل كلمة (قنبلة) وتعني أربعين فارسا، ثم استخدمت للقنبلة الحربية التي نعرفها اليوم.  

لا ريب أن الطالب المتفوق في لغته العربية متفوق أيضا في المواضيع الأخرى، لأن لغته الأم منحته رحابا واسعة للتفكير وزادت من ذكائه ومعرفته أكثر من ذلك الذي لا يتقن لغته الأصلية. أخيرا علينا التصالح مع لغتنا العربية واحترامها لأن احترام لغتنا من احترامنا لأنفسنا، زد احتراما لذاتك بزيادة معرفتك للغتك.

              

التعليقات