14/04/2017 - 15:58

القسطل ودير ياسين وعبد القادر الحسيني

في الثامن من نيسان 1948، وعلى مشارف القدس، استشهد المجاهد عبد القادر الحسيني في معركة القسطل، بعد أن اقتحم القرية مع عدد من المجاهدين تحت وابل من نيران العصابات الصهيونية.

القسطل ودير ياسين وعبد القادر الحسيني

في الثامن من نيسان 1948، وعلى مشارف القدس، استشهد المجاهد عبد القادر الحسيني في معركة القسطل، بعد أن اقتحم القرية مع عدد من المجاهدين تحت وابل من نيران العصابات الصهيونية، في محاولة استبسالية للدفاع عن المدينة المقدسة، وإفشال عملية "نحشون" الهادفة إلى احتلالها بعد السيطرة على تلة القسطل الحصينة، المطلة على باب الواد الذي تمتد عبره الطريق المؤدية إلى القدس.

وفي اليوم التالي، التاسع من نيسان 1948، ارتكبت العصابات الصهيونية مذبحة دير ياسين في القدس، والتي قتل خلالها، بدم بارد، المئات من أطفال ونساء ورجال القرية الوادعة، وكانت عاملا مهما في إنجاح مخطط الاقتلاع والتهجير، حيث بدأ بعدها العد التنازلي لسقوط فلسطين.

استشهاد عبد القادر الحسيني كان محطة فاصلة، حيث شكل استشهاده انتكاسة كبيرة للعمل الجهادي، خاصة وأنه ترافق مع سقوط القسطل الذي اعتبرته العصابات الصهيونية تتويجا لعملية "نحشون"، التي سعت إلى فك الحصار عن القدس، وفي هذا السياق يقول دافيد بن غوريون، إنه مع بداية شهر نيسان تحولت الحرب الصهيونية من الدفاع إلى الهجوم.

أعقبت هذا الحدث وارتبطت به مذبحة دير ياسين المروعة التي قال عنها مناحيم بيغن "كان لهذه العملية نتائج كبيرة غير متوقعة، فقد أصيب العرب بعد أخبار دير ياسين بهلع شديد فأخذوا يفرون مذعورين (...) فمن أصل 800 ألف عربي كانوا يعيشون على أرض فلسطين المحتلة، لم يتبق سوى 165 ألفًا".

وكان قائد المقاومة عبد القادر الحسيني قد أدرك، بعد أن خذلته ما سميت باللجنة العربية العليا، التي رفضت إمداده بالسلاح، أن الأمور تسير نحو الهاوية، وعبر عن ذلك برسالة بعثها عشية استشهاده إلى الملوك والرؤساء العرب، يقول فيها "إني أحملكم المسؤولية بعد أن تركتم جنودي في أوج انتصاراتهم بدون عون أو سلاح"، وتابع "نحن أحق بالسلاح المخزن في محازنكم ومزابلكم، إن التاريخ سيتهمكم بإضاعة فلسطين، وإنني سأموت في القسطل قبل أن أرى تقصيركم وتواطؤكم". وفعلا عاد إلى القسطل من دمشق بنصف كيس من الرصاص وظل يقاتل حتى نفذت ذخيرته واستشهد، وفي اليوم التالي ارتكبت العصابات الصهيونية مذبحة دير ياسين، التي أعقبها تشريد ونزوح تحت وابل الرصاص ووطأة الترويع.

وفي وقت التزمت فيه الدول العربية، ممثلة بلجنتها العسكرية العليا، التي كانت تتخذ من دمشق مقرا لها، بعدم المساهمة في إطلاق رصاصة واحدة قبل 15 أيار، موعد انتهاء الانتداب، خوفا على "زعل" بريطانيا، كانت العصابات الصهيونية تحث الخطى للسيطرة على الجزء الأكبر من فلسطين وتشريد ما استطاعت من أهلها، قبل هذا التاريخ الذي ستعلن فيه دولتها على أنقاض الشعب الفلسطيني.

هكذا حيكت خيوط المؤامرة بين بريطانيا والصهيونية ودول الرجعية العربية، الأولى وعدت بمنح اليهود "وطن قومي في فلسطين"، وأوفت بوعدها عبر استصدار قرار التقسيم، ودول الرجعية العربية وعدت بريطانيا بعدم التدخل قبل 15 أيار، بل ولجم المقاومة الفلسطينية حتى هذا التاريخ، والصهيونية التزمت بإنهاء المهمة وإعلان دولتها حتى هذا التاريخ.

ومن هنا يمكن الاستنتاج بأن التدخل العسكري العربي الذي بدأ بعد 15 أيار كان مجرد مسرحية، فبقطع النظر عن التفوق العسكري الصهيوني من حيث العدد والعتاد على جميع القوات العربية المتدخلة مجتمعة، فإن التدخل كان بعد فوات الأوان، بمعنى بعد إخلاء البلاد وتشريد شعبها وتثبيت ركائز الكيان الصهيوني على أنقاضه والإعلان رسميا عن إقامة الدولة العبرية، ما يعنى أنه حتى لو انتصرت الجيوش العربية فسيتم وقف زحفها عند حدود دولة التقسيم، وبالنتيجة هي أن الأراضي التي ظفرت بها هذه الدول جرى إلحاقها بالأردن ومصر، ولم يجر الحديث عن إقامة دولة فلسطينية عليها إلا بعد معاودة احتلالها من قبل إسرائيل عام 1967.

وعودة إلى القسطل ودير ياسين، فإن الهزيمة العسكرية بما تعنيه من سقوط الدرع الواقي للسكان المدنيين تجعلهم تحت رحمة المحتل، خاصة عندما يمتلك قدرا من النذالة تمكنه من ارتكاب هكذا مجازر ضد النساء والأطفال والشيوخ، هكذا حدث في دير ياسين بعد سقوط القسطل وهكذا حدث في صبرا وشاتيلا بعد سقوط بيروت، حيث اختلفت الظروف وبقي العدو واحد.    

 

التعليقات