23/04/2017 - 13:33

الصوفية وفهم الدين الخاطئ

لو قرأنا قليلًا في تاريخ الصّوفية، لوجدنا أنها حركة انطلقت في القرن الثالث الهجري، في الدولةِ الإسلاميّة، وقد بدأت كحركةٍ فرديّةٍ عن طريق أشخاصٍ محددين، الهدفُ منها بالطبع، آنذاك، هو الوصول إلى الله عن طريقِ الزهدِ والتقشّف والتصوّف.

الصوفية وفهم الدين الخاطئ

لو قرأنا قليلًا في تاريخ الصّوفية، لوجدنا أنها حركة انطلقت في القرن الثالث الهجري، في الدولةِ الإسلاميّة، وقد بدأت كحركةٍ فرديّةٍ عن طريق أشخاصٍ محددين، الهدفُ منها بالطبع، آنذاك، هو الوصول إلى الله عن طريقِ الزهدِ والتقشّف والتصوّف.

انتشرت هذِهِ الحركة بشكلٍ كبيرٍ في العالم العربيّ والإسلاميّ، البعضُ اعتبرها دخيلةً على الدين والبعض الآخر وجدها الحركة الإسلاميّة الوحيدة المتسامحة والمتقبلّة بعكس الحركات الأخرى، كالسلفيّة مثلًا.

أمّا عن السبب الَّذِي جعلني أطرق هذه الأبواب الآن، فهو كوني امرأة عاشت الصّوفيّة كما وصلت اليوم بشكلٍ مغلوطٍ بعد كلّ هذه القرون.

لو نظرنا للحركاتِ الصّوفية الحقّة الموجودة بشكلٍ كبيرٍ حتى يومنا هذا في دول المغرب العربيّ وفي تركيا، موطن جلال الدين الرومي وشمس التبريزي، الاسمان الأكثر ذكرًا حين تُذكر الصّوفيّة، لوجدنا أنّ مفهوم الطّريقة مختلفٌ من دولةٍ إلى أخرى، ومن شيخٍ إلى آخر!

إذن؛ الصّوفيّة الحقّة هي التقرّب من الله تعالى والوصول إليه، الاختلاف يكمنُ في الطريقة.

***

الزاوية  - ٢٠٠٣

دخلتُ إلى الزاوية، بعد أن مررنا من عدّة أزقة، معروفٌ مُسبقًا ما هي الزاوية. شيخُ الطّريقة ليس ذاك المدفون في القبر داخل الزاوية، إنَّما هو رجلٌ مُتخلّفٌ، جاهل، من المجد الجليليّة، ينثرُ سمِّه على الأشخاص التائهين الباحثين والمنقبّين عن الطّريق إلى الله.

الأسس الّتي تقومُ عليها الطريقة:

١. خطأ الشيخ ولا صوابُ المُريد.

٢. التّسليم التّام والأعمى بكلّ ما يأتي بهِ الشّيخ، ليس مهمًا إن كنت مقتنعًا أم لا، المهم أن تُسلَّم.

٣. إطاعة كافّة الأوامر الّتي تأتي عن طريق الشّيخ، حتّى ولو كان الأمر قتل ابنك، عليكَ أن تبادر بقتله، سيرسلُ الله كبشًا ليفديهِ كما فدى إسماعيل! كَأَنَّ شيخ الطّريقة هو النبي المرسل آخر الزمان.

٤. ممنوع على الفتاة التعلّم، قيادة السيارة، الخروج.

٥. ممنوع التّحدث مع الأهل، الأب والأم هما مصدر فتنة تُبعِد عن الله.

٦. الشّيخ هو حبل الوصل الوحيد مع الله، الوحيد والأزليّ، الابتعاد عنه يعني أنَّك نُفيت من رحمة الله.

***

إذن، من هنا نستطيع تكوين فكرة حول الحياة الّتي من الممكن لفتاة في عمر الحادية عشر أن تنشأ وتكبر عليها.

في الزاوية في ذلك اليوم البعيد جدًّا، ذهبت لكي أطلب من شيخ الطّريقة المتوفي منذ مائة سنة أن يقرّبني إلى الله، ويقبلني في هذه المجموعة الّتي لا تمّت إلى الله بصلّة.

***

٢١/٥/٢٠١٣

يوم الاعتقال... وكشف الحقيقة!

في السَّاعَة ٥:٤٥ صباحًا، أسمع صوت طرقاتٍ قويةٍ على باب البيت، لم أعِ تمامًا هل هذه صوت طرقاتٍ حقيقيةٍ أم أَنِّي أحلم.

أعادني صوتٌ يتكلّم العبريّة، يتحدّثُ فوق رأسي بعربيّةٍ ركيكة: 'كومي كومي'، ويضربني على يدي ببندقيّته، صحوتُ مذعورةً، بدايةً أنا في ملابس النوم ورجلٌ غريبٌ يقفُ فوق رأسي يراني دون غطاء، ثانيًا؛ ماذا يفعلُ هذا الشّرطيّ داخل غرفة نومي!

صحوتُ مسرعةً حين سمعت صوت أخي يصرخ بالجنديّ يطلبُ منه الخروج فورًا من غرفتي.

بعدها بأقلّ من عشر دقائق كنت في الخارج، يحوّط البيت ما يقارب الـ٤٠ جنديًا، وأكثر من ١٥ كلبًا بوليسيًا، ١٠ أحصنة، وأكثر من ثلاثين سيارة شرطة وحدات خاصّة (يسّام).

أمسكتُ بيد أخي لحظة خروجنا، وضعونا أنا وهو في سيارة وأمي في سيارةٍ أخرى.

*

قبل هذا الحادث بأعوام قليلة، كان هذا الرّجل يحاول تلفيق تهمة لي تستحقّ العقاب أمام والديَّ، كي لا أكشف لهم حقيقتهُ البشعة!

أنواع العقاب في المجموعة:

١. الحبس الانفرادي: هناك عدّة أنواع للحبس الانفرادي، وتكون العقوبة حسب درجة الجريمة المقترفة، البيت، الغرفة، الحمام.

٢. تقليل نسبة الطّعام ونوعيّته.

٣. التعامل بفوقيّة مع المعاقب من قبل جميع أفراد المجموعة.

٤. ممنوع الخروج من البيت بشكل مطلق وعدم التّواصل مع أيٍّ كان.

٥. الضرب بجميع أشكاله.

٦. حرمان المعاقب من الدراسة في المدرَسة.

أمّا أسوأ ما في الأمر فهي شروط المسامحة أو فكّ العقاب:

١. الاعتراف بالذّنب على الملأ، وتقبيل يد ورجل الشيخ أمام كلّ المجموعة.

٢. على الفتاة أو المرأة عدم التحدّث أو الاعتراض في حال اقترب من أماكن حساسة في جسدها.

٣. على الرجل أن لا يقترب من زوجته حتى يسمح هو بذلك.

٤. الاعتراف بأنه هو وعائلته الأشرف والأطهر المعصومين عن الخطأ!

ليس من السهل بطبيعة الحال التعرض لمثل هذه العقوبات والخروج بقلبٍ وعقلٍ سليم.

*

أمّا الذنب الَّذِي اقترفتهُ آنذاك، فكان أَنِّي أحبّبت فتًى في مثل عمري، وكتبت في دفتر مذكراتي بأنّي أحبّبته، كنت أبلغ الرابعة عشر من العمر، وأتعرّف للمرّة الأولى على هذه المشاعر، وأتعرف أيضًا في ذات الوقت، على المعنى الحقيقيّ للرغبة في الهرب من كلّ شيء، أو الموت.

*

٢١/٥/٢٠١٣

بعد الانتهاء من التّحقيق، كانوا قد اعتقلوا أبي وأمي أيضًا لديهم، بقيت مع إخوتي في البيت، نتساءل حول القادم، وهل قمنا بعملٍ صحيحٍ بعدم قول الحقيقة في التحقيق، في تلك اللّيلة توصلنا لقرارٍ جماعيّ، ستنتهي هذه المهزلة!

*

كنتُ قد قرأت كثيرًا عن الصّوفيّة، عن الممارسات الدينيّة الخاطئة، المعتقدات الفاسدة، وضع شريك بينهم وبين الله، يتوّسلون الأولياء المتوّفين منذ مئات السنين، الجلسات الخاصّة، لكن لم يخطر لي أنّه من الممكن أن أكون أنا ضحيةً لمثل هذا الفكر الفاسد.

حُكم على المدعوّ بالخليفة أربعة عشر عامًا، حاول تقديم استئناف للمحكمة ورُفِض، ما زال عدد من العائلات يتبعونهُ وينفذّون أوامرهُ.

*

لقد كان من الصّعب جدًّا الدخول إلى الجامعة أو الكليّة أو التفكير حتى بمغادرة البيت لأجل التّعليم.

في الصّف الحادي عشر، كنت قد تعرّفت فجأةً إلى عالمٍ لا أعرفه 'الإنترنت'، قمت بتسجيل الدخول إلى عالم 'ماسينجر' وقد انتابتني فرحة غريبة بأنّي في المدرَسة بإمكاني الدخول هناك والتّحدث مع أشخاصٍ على بعد مئات الكيلومترات، وتصفح موقع 'جوجل'، فمن قبل هذا كنت أحتاج التنقيب بين صفحات الكتب المكدسّة في مكتبتنا العامّة لأجل الوصول لاسم كاتبٍ ما، أو شاعر، أو أي معلومةٍ أخرى قد تهمّني.

كنتُ أعرفُ مُسبقًا أن ما أقوم به مخالف لقوانين المجموعة، وأنّه لو وصل الخبر له، لنفيتُ من الرحمة.

لا أدري كيف عرف ذلك، وأغلب الظنّ أن إحدى الفتيات الّتي كانت تدرس معي في ذات المدرَسة قد أخبرته، بعد أن رأتني في غرفة الحاسوب عدّة مرّاتٍ، العقاب كان قاسيًا جدًّا عليَّ:

١. حرمت من إتمام الثانوية.

٢. مُنعت من الذهاب إلى المكتبة العامّة، المكان الوحيد الَّذِي كان يمنحني الأمان والثقة في ذلك الوقت.

مرّت بعدها سنواتٌ عجاف، كنت أقوم فيها بكلّ شيء، إِلَّا الأشياء الّتي أرغبُ بها.

قبل كشف الحقيقة بسنة، لا أدري كيف تمكنت من إقناعه أنا وأمي بدخول الكليّة لدراسة اللغة العربيّة، قدَّمت امتحانات في الكليّة قبل الدراسة لتكون مكان 'البجروت'، كذلك امتحان 'البسيخومتري'، حصلت على العلامات المناسبة وأكملت الدراسة، بشرط وجود ابنهُ في الكليّة للدراسة والمراقبة.

مرّت الآن أربع سنوات على سجنه، أذكر في السنة الأولى كيف كنت أخشى دومًا خروجه وتبرئته، الأحلام المزعجة الّتي كانت ترافقني، الخوف من القادم، لولا وجود من أحبّبت بجانبي دومًا، في كلّ وقت، لربما كانت الأمور أصعب مما هي عليه.

أمّا اليوم؛ كبرتُ وتخرّجت، أصبحتُ معلّمةً للغةِ العربيّة، أصدرت كتابي الأول، أعمل دائمًا على تطوير نفسي، كلّ شيءٍ يسيرُ صوب الأفضل، لكن شيءٌ ما، في قاع الحكاية، يظلُّ يلحُّ عليَّ لأكتب، لأنّهُ في مكانٍ ما في داخلي، ثمّة أشياء لا تمحى، لا يمرُّ عليها الزّمن، تظلّ عالقة، تعودُ كلّ حين، لتذكرني أنّ ما مضى قد مضى، إِلَّا أن تبعاته لا تمرُّ مرور الكرام.


مقالات الرأي المنشورة في الموقع تعكس رأي الكاتب فقط، ولا تمثل بالضرورة رأي هيئة التحرير في موقع 'عرب 48'.

اقرأ/ي أيضًا | المرأة لتنظيف البيت وإعداد الطّعام فقط!

التعليقات