03/05/2017 - 09:19

"قلة مقابل كثرة"

مرّت أمس ذكرى قيام دولة الاحتلال الإسرائيلية، بحسب التقويم العبري، ونمضي نحو ذكرى النكبة يوم 15 مايو/ أيار الحالي، بموجب التقويم الميلادي. وتُستعاد في المناسبتين جُلّ الأساطير الصهيونية المؤسسة حيال قضية فلسطين.

"قلة مقابل كثرة"

مرّت أمس ذكرى قيام دولة الاحتلال الإسرائيلية، بحسب التقويم العبري، ونمضي نحو ذكرى النكبة يوم 15 مايو/ أيار الحالي، بموجب التقويم الميلادي. وتُستعاد في المناسبتين جُلّ الأساطير الصهيونية المؤسسة حيال قضية فلسطين.

وبينما كانت هذه الاستعادة في الزمان الماضي تُبرّر بـ'دحض' الرواية الفلسطينية، فإنها تُجاهر الآن بمبرّر آخر هو مواجهة أي استئناف عليها من مؤرخين أو باحثين إسرائيليين، على الرغم من أن هذه الاستئنافات استثنائية، وذات تأثير محدود للغاية.

وعلى صلةٍ بإحداثيات النكبة عام 1948، تقول إحدى هذه الأساطير، إن دولة الاحتلال تعرّضت فور قيامها إلى 'غزو' سبعة جيوش عربية، وإن 'الجيش الإسرائيلي الصغير' الذي كان قد تأسّس للتوّ تمكّن من إلحاق الهزيمة بها. وقبل أكثر من عشرة أعوام، صدر عن منشورات الجامعة العبرية كتاب 'قلة مقابل كثرة؟ دراسات حول موازين القوى الكميّة في معارك يهوذا المكابيّ وحرب الاستقلال' (الأخيرة التسمية الإسرائيلية الرسمية للنكبة). وكتب مؤلف إحدى الدراسات في الكتاب إن إحصاءه عدد هذه الجيوش لم يتجاوز الرقم خمسة، هي جيوش مصر وشرق الأردن وسورية والعراق ولبنان، وتساءل عن هوية الدولتين العربيتين الأخريين. ونوّه بأنه في ما يتعلق بلبنان، تقول الوقائع إنه لم يكن يملك جيشًا، فضلًا عن أن أربع عشرة قرية لبنانية خضعت لغزو الجيش الإسرائيلي في أواخر أكتوبر/ تشرين الأول 1948 ضمن إطار 'عملية حيرام'، ووصل جنود 'لواء كرميلي' إلى منطقة نهر الليطاني. ولاحقًا، حاولت دولة الاحتلال استخدام هذه القرى ورقة مساومة خلال توقيع اتفاقية الهدنة مع لبنان.

ويأتي 'الإصرار' على الرقم سبعة لتأجيج أسطورةٍ أخرى، عنوانها 'قلة مقابل كثرة'، مُشتقة من قصة يهوذا المكابيّ، وهو أحد زعماء اليهود من عائلة الحشمونائيين في القرن الثاني قبل الميلاد الذي قاد حربًا ضد أنطيوخوس الرابع ملك سلوقية. في ذلك الوقت، كان اليهود خاضعين لإمبراطورية السلوقيين، إحدى الإمبراطوريات التي تشكلت خارج إمبراطورية الإسكندر الأكبر، وأراد أنطيوخوس أن تتبنّى الشعوب الخاضعة له الثقافة والعادات الإغريقية، واستجاب يهود عديدون لذلك، ورفض بعضهم هذا، وانضم إلى حرب يهوذا التي تقول الأسطورة، إنها انتهت بانتصار جيشه الذي كان تعداده 'ثلاثة آلاف مقاتل' على جيش أنطيوخوس الذي كان تعداده 'عشرين ألف مقاتل'.

وقبل أقل من عام ونصف عام، أعلن أحد أبرز المؤرخين العسكريين في دولة الاحتلال أنه عاكف على 'إنجاز' بحثٍ كبير يعيد إنتاج هذه الأسطورة المُستهلكة، ويثبت أن 'مقاتلي يهوذا المكابيّ' أفلحوا في إلحاق الهزيمة بالمقاتلين السلوقيين الذين كانوا مزوّدين بأفضل الأسلحة في ذاك الوقت، وسبق أن قاموا باحتلال وسحق ممالك أقوى بكثير من القلة التي كانت مع يهوذا؛ 'وهو الأمر نفسه الذي تكرّر عامي 1948 و1967'.

في كتاب 'قلة مقابل كثرة؟' كمّ من الوقائع، يثبت خطل هذه الأسطورة، ويؤكد أنه، في جميع المعارك التي دارت خلال 1948، كانت للجانب اليهودي أفضلية على الجانب العربي، سواء من حيث عدد المقاتلين المُدربين الذين شاركوا فيها، أو من حيث التخطيط والتنظيم واستعمال العتاد. وهذا ما سبق أن أكّده كتاب مدرسيّ أعدّه أحد أساتذة التاريخ في جامعة تل أبيب عام 1999، وثارت حوله ضجة كبيرة.

ولا تقل أهميةً عن الوقائع اعترافات ذوي الشأن في هذا الخصوص. ولعلّ أهمها اعتراف بدر عن رئيس الحكومة الإسرائيلية الأول، ديفيد بن غوريون، في آخر أعوام ولايته (1963)، حيث قال لدى ظهوره أمام لجنة الخارجية والأمن في الكنيست: 'حتى لو بدا الأمر مُستغربًا لكم، فقد كان لدينا جيش أكبر من الجيش الذي كان لديهم (العرب)'.

غير أن حصيلة تلك المعارك لم تكن مرتبطةً بميزان القوى بين الجانبين، من الناحية الكميّة فحسب، وإنما أيضًا بالعتاد ونوعيته ومصادره. وهذا يحتاج إلى تفصيل آخر في مناسبة ذكرى النكبة والمسؤولية عنها.

اقرأ/ي أيضًا | 'تحرير' وليس احتلالًا!

(العربي الجديد)

التعليقات