10/05/2017 - 12:48

التفتيش المهين في المطار... طفح الكيل!

أُخبروني بأن حقيبة يدي جاهزة، عبّرت بنظري عن معرفتي بأن الأمر لن يقف عند هذا الحد، لا تزال هناك حقيبة أخرى. حسب سرعة عمل الشاب في التفتيش بدى لي أن الأمر سيطول.

التفتيش المهين في المطار... طفح الكيل!

في الطريق إلى مؤتمر حول تداعيات الاحتلال في عامه الخمسين، سيعقد في بوسطن الأميركية، والذي دعيت إليه بموجب عملي في جمعية حقوق المواطن، وكامرأة فلسطينيّة مواطنة في دولة إسرائيل، من أجل الحديث عن التمييز المُمأسس تجاه الفلسطينيين مواطني إسرائيل، والانتهاك المستمرّ لحقوق السكّان الفلسطينيّين تحت الاحتلال.

أقف في طابور مكتظ في مطار بن غوريون، أنتظر الوصول والحصول على الملصقة التي تبدأ بالرقم 43 – ملصقة العرب! التي توصم حاملها وتعتبره مشتبها بسبب قوميته. تشرح لي الموظفة بأن عليّ استلام حقيبتي في مطار نيويورك حيث ستكون محطة الانطلاق إلى بوسطن، لذا قررت أخذها معي إلى الطائرة حتى أوفر عناء انتظارها في مطار نيويورك.

بعد انتظار؛ وصلتُ مرحلة التفتيش. قلت لنفسي إن الأمر هذه المرّة لن يكون سيئا جدا، فقد سافرت قبل شهر وكانت التجربة محتملة نسبيًا. من خلفي يقف رجل في سنوات الأربعين، 'مسكين، عليك أن تحتمل، شاءت الأقدار أن تقف وراء امرأة عربية لذا فإنك ستضطر للانتظار والتفتيش.'، 'أحيانا، يدفع اليهود، بقصد أو بغير قصد، ثمن التمييز المستمرّ ضد العرب في هذه البلاد' – قلت لنفسي.

بعد دقائق طُلب من كلينا أن يقف جانبا لفحص الحقائب. كان هو الأول، وأنا أراقبه وهو يشعر بعدم الراحة، يتكئ تارة على قدمه اليمنى وتارة على اليسرى، يبتسم ابتسامة خجولة كلما رأى أحد محتويات حقيبته وهو يحظى باهتمام المفتّش!

جلست وانتظرت، وأوهمت نفسي بأن الجلوس بعيدًا قد يجنّبني عناء المرحلة.

أُخبروني بأن حقيبة يدي جاهزة، عبّرت بنظري عن معرفتي بأن الأمر لن يقف عند هذا الحد، لا تزال هناك حقيبة أخرى. حسب سرعة عمل الشاب في التفتيش بدى لي أن الأمر سيطول. في هذه الأثناء ينضم إليّ في صالة التفتيش رجلان عربيّان وزوجان بدا عليهما أنهما من أصل روسي.

سألتُ إذا كانت حقيبتي جاهزة. 'لا، ليس بعد' – كانت الإجابة. 'سناء ابن بري؟' سألت المديرة التي وصلت للتو. 'نعم، هذه أنا'. 'تعالي معي من فضلك، لا يزال هناك تفتيش آخر علينا القيام به'. كانت الساعة قد تخطت التاسعة مساءً، الفحص الأمني يستغرق وقتًا، أنا متعبة، خاصة من لعب دور العربية المثيرة للشك. 'هذا يتعدى مقاييس التفتيش العادي' – قلت لها. 'لماذا؟' ردّت. 'هناك عربي وعربي آخر وعربية' – قلت، ونظرت إلى الشاب الذي سلّمته للتو، أغمض عينيه يائسًا وكأنه يقول 'ماذا أفعل، هذا هو الواقع'. ادّعت المديرة بحزم بأننا لسنا جميعا عربًا. بالنسبة لي، لا يزال أمامي سفر وحروب أخرى لأخوضها – فقررت الصمت.

في تلك الأثناء رافقوني للتفتيش في غرفة خاصة، وحقيبتي في يدي. خلافًا للتفتيش السابق، لسنا جميعًا عرب هنا، وقد حظيت بمفتّشة في سنوات العشرين من عمرها. 'ربما ستنهي هذا التفتيش بسرعة!'، قلت لنفسي، وجلست وطالبت نفسي بالانفصال عن الواقع حتى ينتهي التفتيش، وفكرّت: 'ربما ينتهي هذا الكابوس قريبًا وأتمكن من التسوّق قليلاً قبل الصعود إلى الطائرة، يحق لي بعد هذه المعاناة.'

على يساري جلس رجل روسي، ولم أفهم لماذا يتواجد هنا، حتى سمعت المفتشة تصرخ في وجهه مطالبة إياه بشرح سبب تسمية والده 'سلامة'.

سمعت كلمة 'عربي' مرتين من خلال محادثات ضباط الأمن عبر أجهزة التواصل. المديرة التي رافقتني تشيح بنظرها، كأنها تشعر بأنه تم ضبطها وهي تقوم بعمل لا تريد الإفصاح عنه. أفرغوا حقيبتي من كل محتوياتها، ومرت كل قطعة كانت فيها داخل ماكينة الكشف. 'لماذا أكلف نفسي عناء ترتيب الحقيبة بدقّة؟'.

هناك تراتبية بين المفتشين لم أنجح في فهمها. من المسؤول هنا؟ ربما تكون هذه الشقراء التي تلفظ اسمي عبر مكالمة هاتفية؟ من يسمعها من الطرف من الآخر؟ ربما الشاباك أو ضابط أمن كبير يبحث عني في 'جوجل' في هذه الأثناء. ماذا يفيد الاستئناف الذي قدمته جمعية حقوق المواطن، مكان عملي، ضد التمييز في المطار؟ بماذا تفيد الوعود بتحسين ظروف التفتيش الأمني وإلغاء التمييز – حتى لا نشعر بالإهانة – على الأقل!

'تعالي معي، علينا إجراء تفتيش جسدي' قالت لي مفتشة أخرى. أحاول أن أفهم منها ماذا سيتخلل هذا التفتيش، لكن دون جدوى. لقد خضت تجربة قاسية شبيهة عندما كنت في طريق العودة للبلاد قبل عدّة سنوات. لا زلت أذكر حتى اليوم الإحساس بالإهانة، وبالتعدي على جسدي حدّ الاغتصاب، لقد بكيت يومها مدّة 5 ساعات متواصلة في طريق عودتي إلى البلاد.

رفضت المفتشة إبلاغي عمّا ينتظرني، وشعرت بالذعر مرة أخرى. خلعت حذائي استجابة لطلبها وبدأت أتمعن في جهاز الكشف الآليّ وفي الستار المجاور. هل سأجد نفسي خلف أحدهما خلال دقائق؟ أم خلف كلاهما؟ لا يهم، لا أريد أيًا منهما. لا أريد أن أختار بين الكشف واللّمس، بدأت تتجمع دموعٌ في عينيّ، لكن عقلي اتخذ قراره، أريد أغراضي، كفى، الآن لم أعد استطيع الانفصال عن الواقع – الآن لا أريد الرضوخ للواقع... طفح الكيلْ!

* سناء بن بري محامية في جمعية حقوق المواطن، تختص بملف حقوق المواطنين العرب في النقب.

 

التعليقات