10/05/2017 - 10:02

السفينة نورا

نوّه صاحب هذه السطور في مقالته الأسبوع الفائت في "العربي الجديد" (قلة مقابل كثرة، 3/ 5/ 2017) إلى أن رُجحان الكفة لصالح الجيش الإسرائيلي خلال المعارك التي دارت بينه وبين "جيوش عربية" في عام 1948 لا يعود فقط إلى ميزان القوى بين الجانبين.

السفينة نورا

نوّه صاحب هذه السطور في مقالته الأسبوع الفائت في "العربي الجديد" (قلة مقابل كثرة، 3/ 5/ 2017) إلى أن رُجحان الكفة لصالح الجيش الإسرائيلي خلال المعارك التي دارت بينه وبين "جيوش عربية" في عام 1948 لا يعود فقط إلى ميزان القوى بين الجانبين من الناحية الكميّة، إنما أساسًا إلى العتاد ونوعيته ومصادره. وسبق أن توقف الباحث والأكاديمي الفلسطيني، محمود محارب، عند هذه المسائل، ولا سيما مصادر السلاح ("دور مشهود لروسيا في نكبة فلسطين، "العربي الجديد"، 22/ 10 /2016)، مشيرًا إلى أن منظمة الهاغاناه العسكرية الصهيونية وقّعت خمس صفقات سلاح مع تشيكوسلوفاكيا خلال الأشهر من يناير/ كانون الثاني إلى مايو/ أيار 1948، وبلغ ثمن هذه الصفقات الخمس 12 مليونا ومئتي ألف دولار، في حين بلغ ثمن السلاح الذي اشترته تلك المنظمة، خلال الفترة المذكورة، من شتى دول العالم الأخرى، سبعة ملايين دولار. ووُقعت هذه الصفقات في وقتٍ فرضت الأمم المتحدة حظرًا على بيع الأسلحة إلى الأطراف المتحاربة.

وجرى شحن أول صفقة من هذه الأسلحة بطائرة وسفينة. وكان اسم السفينة نورا، واستأجرتها "الهاغاناه" في إيطاليا، ووصلت إلى ميناء تل أبيب في الأول من إبريل/ نيسان 1948 من ميناء سيبنيك اليوغسلافي، بعدما جرى نقل الأسلحة برًّا من تشيكوسلوفاكيا عن طريق هنغاريا، بعد تمويهها بشحنات بطاطا وبصل. ونُقلت الأسلحة إلى قوات "الهاغاناه" في جبهة القتال، لتباشر في تنفيذ عملية "نحشون"، لفتح الطريق إلى القدس الغربية المحاصرة ولتستهل بها، في الوقت نفسه، خطة "دالت" الكبرى، القاضية باحتلال المدن والقرى والبلدات الفلسطينية، وطرد الفلسطينيين منها.

ثمة عدة مصادر إسرائيلية توثّق قصة "نورا"، أبرزها كتاب "سفينة السلاح نورا"، من تأليف يهودا بن تسور الصادر عام 2007، وكتاب بيني موريس "1948- تاريخ الحرب العربية - الإسرائيلية الأولى" الصادر عام 2010. وقبلهما صدر في 1985 كتاب "الموقّع أدناه"، وهو سيرة ذاتية لرجل الأعمال اليهودي، إفرايم إيلين، الذي ساعد في استئجار السفينة في إيطاليا.

لعلّ المُهّم في الموضوع أنه، وفقًا لهذه المصادر وغيرها، حسمت هذه الأسلحة المعارك التي كانت دائرةً إبّان وصولها لصالح دولة الاحتلال. ففي كتاب "تاريخ حرب الاستقلال" الذي تم أعدّته "شعبة التاريخ في الجيش الإسرائيلي"، ورد التوكيد على أن حمولة السفينة نورا لم تنطو على شحنة أسلحة نوعية هائلة فحسب، وإنما أيضًا على "عنصر تشجيع كبير للمقاتلين الخارجين لتنفيذ العملية العسكرية" (نحشون).

وغداة وصول السفينة، طيّر ديفيد بن غوريون برقيةً إلى المسؤول عن شحن الأسلحة، كتب فيها: "وصلت الشحنة في وقتها وتسببت بإنقاذ القدس!". كما طيّر، في وقت لاحق، برقيةً أخرى إلى مندوبي "الهاغاناه" في أوروبا، قال فيها: "إذا كانت الكفّة في منطقة القدس قد رجحت لصالحنا، وأصبحنا نسيطر على رؤوس الجبال، فإن الفضل في هذا يعود إلى هذه الشحنة". وظل يكرّر هذه اللازمة طوال حياته. وفي برنامجٍ خاص، بثته الإذاعة الإسرائيلية العامة عام 1968 في مناسبة ذكرى مرور عشرين عامًا على وصول السفينة نورا إلى فلسطين، قال بن غوريون الذي كان وقتها يشغل منصب عضو في الكنيست إن "السلاح التشيكوسلوفاكي أنقذ إسرائيل على نحو مطلق"، مضيفًا أنه "من دون هذا السلاح، ما كان في وسعنا البقاء على قيد الحياة".

في هذا السياق، ينبغي التطرّق أيضًا إلى دور بريطانيا، حيث حاولت أغلب المصادر الإسرائيلية الإيحاء بأنها كانت تطبّق الحظر الذي فرضته الأمم المتحدة على وصول الأسلحة إلى الأطراف المتحاربة بصورة صارمة، بيد أن يهودا بن تسور، في كتابه المُشار إليه أعلاه، يؤكد أنه على الرغم من أن الانتداب البريطاني على فلسطين استمر حتى مايو/ أيّار 1948 فإن "نافذة فرص" لخرق هذا الحظر فُتحت قبل ذلك بالتزامن مع انسحاب الجيش البريطاني من منطقة غوش دان في فبراير/ شباط، ما أتاح إمكان وقوع مدينة تل أبيب ومينائها في قبضة منظمة الهاغاناه، وألمح إلى أن هذا الانسحاب كان معروفًا لقادة المنظمة منذ أواخر 1947.

اقرأ/ي أيضًا | "قلة مقابل كثرة"

(العربي الجديد)

التعليقات