13/05/2017 - 11:02

هل ينتقم شبابنا ممن سلبهم الحياة والحلم؟

تتعدد الأسباب والعنف واحد، وتتساقط الضحايا والجريمة واحدة، وعند وقوع الجريمة تبدأ التحقيقات، وفي حالات معدودة تنجح الشرطة في فك رموز الجريمة وتحاكم الجاني، وفي حالات كثيرة يبقى الجاني حرًا طليقًا يعيش بيننا ونصافحه ونشاطره الحزن والفرح دون أن نعرف أننا صافحنا يدًا ملطخة بالدماء

هل ينتقم شبابنا ممن سلبهم الحياة والحلم؟

تساؤل غريب لوضع مريب وواقع عصيب وغير طبيعي، فيه ينتصر طغيان الأقلية على صمت الأكثرية بديمقراطية الحرب والوحشية.

عشرات الشباب يمارسون العنف يوميا تعبيرا عن ألم وحزن وغضب، وتعبيرا عن أزمة وحاجة وضعف، أو احتجاج على الفقر والحصار والتمييز والظلم، أو بسب ضائقة سكنية ومشكلة مالية وخلاف بحجم ذرة أو صراع دوافعه واضحة أو غامضة.

ويتسابق المختصون والمحققون والناشطون والمتذمرون من تفشي العنف والجريمة، في تفسير أسباب العنف والعوامل التي تدفع بشاب عشريني إلى ارتكاب جنح واعتداء وإطلاق نار أو جريمة قتل.

تتعدد الأسباب والعنف واحد، وتتساقط الضحايا والجريمة واحدة، وعند وقوع الجريمة تبدأ التحقيقات، وفي حالات معدودة تنجح الشرطة في فك رموز الجريمة وتحاكم الجاني، وفي حالات كثيرة يبقى الجاني حرًا طليقًا يعيش بيننا ونصافحه ونشاطره الحزن والفرح دون أن نعرف أننا صافحنا يدًا ملطخة بالدماء.

ولكن ننسى دوما أن نطرح سؤالا أساسيًا، يشكل جوابه عنصرًا هامًا في عملية منع الجريمة التالية ووضع حلول ناجعة وفاعلة وكفيلة في لجم العنف وهو: ما هي العوامل التي دفعت شابًا يافعا أن يدوس على إنسانيته وأن يتصرف بوحشية ضد ابن بلده وجلدته؟ وهل ينتقم الشباب ممن سلبهم الحلم ونهب منهم الطفولة والمراهقة وقوض لهم فرصة تحقيق الذات؟

كثير من الشباب، مستضعفون ويعانون فقرًا وأوضاعا اجتماعية متردية، يفتقرون لأدنى الظروف، للقمة العيش وللعمل ولغرفة النوم وساحة اللعب وللأمن والسلام. يعيشون وسط بيئة خطيرة يسودها الخوف والرعب والشجارات والصراعات وإطلاق النار وحرق السيارات والقتل، في ظل تقاعس الشرطة واستخفاف المؤسسات الرسمية بحياة شبابنا، وتجاهلها الممنهج لاحتياجاتهم، وانعدام خطة مهنية لدحر العنف والجريمة، وفي ظل استهتار المسؤولين بطموحاتهم وقدراتهم، وتجاهل محنهم النفسية والسلوكية والعاطفية والوجودية، ناهيك عن غياب الأهل عنهم وتركهم يصارعون الحياة ومتاعبها وحدهم، ليُقابل هذا الغياب برد فعل قاس وسلبي، إذ يفقد الوالدان السلطة على أولادهم. عن فئة الشباب المستضعفين بكل المستويات والجوانب أتحدث، عن المنتقمين من كل شخص وجهة تركوا لديهم جرحًا وخيبة وصدمة ومصيبة وانتزعوا منهم الأمل والدافعية والحياة.

يعيشون في وضع سائد تحول لروتين ليصبح أزيز الرصاص الحالة الاعتيادية، التي تصقل شخصياتهم العنيفة المتمردة على واقعها وظلمها، وليصبح الهدوء حالة استثنائية يتوق إليه المواطن المسالم، الذي أضحى يفكر في امتلاك قطعة سلاح ليحمي نفسه وعائلته، لاسيما وأنه فقد الثقة بالمؤسسات الرسمية والأهلية وبالقيادات والمبادرات، وباءت محاولات لجم الظاهرة بالفشل، وهذا بحد ذاته مؤشر لمرحلة أكثر خطورة.

مُحبطون ومحاصرون!

يمكنني أن أحصي عشرات الشباب الذين يقعون ضحية استغلال تجار السلاح والمخدرات وقادة العنف والجريمة، لأوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية، والنفسية والصحية، ودوافعهم ومصالحهم وطموحاتهم وخيباتهم، إذ يسخروهم لتنفيذ جريمة وتحقيق مطمع.

الشباب محبطون وتحاصر أحلامهم وأمنياتهم، يعتريهم غضب ويأس وتشاؤم، بفعل سياسات الخنق والقمع والتهميش والإجحاف والتحريض والعنصرية التي تمارسها حكومات إسرائيل بحقهم. نجحت المؤسسة الإسرائيلية من احتلال حياتهم ونزعت الروح منها، كما نجح المجرمون وتجار السلاح من تحويل هذا الإحباط والغضب العارم في نفوس الشباب وهذه الأزمات المتراكمة، لرغبة انتقام كبير ضد من سلب طفولتهم وحلمهم أو ساهم في فقدانهم رونق وحماس وشموخ الشباب، لكن هذا الانتقام صب غيظه على ابن بلده وشعبه، على صديقه وقريبه وجاره ورئيسه وقيادته وحيزه العام، ونسي أن أساس المأزق هو الحصار الذي تفرضه علينا المؤسسة، نسي أن المجرم الرئيس هو السلطة.

نجحت المؤسسة في خلق الأزمات، ونجحت في توجيه فوهات البنادق وتحكمت في سوق التصدير وقيدت نطاق توريدنا لأزمات الشباب المستضعف، وووجهت الإحباط والغضب نحو  الداخل نحو  أنفسنا، وحددت سقف الكفاح وساحات النضال، ليغدو  هدف الشاب البحث عن الحياة بسلب حياة غيره.

شبابنا كلهم ضحايا الجريمة والعنف، ضحايا مجتمع وضحايا نظام عنصري وفاشي، فمنهم من قضى مقتولا ومنهم من صار رهينة الجريمة والعنف لا يقوى على فك قيده. لننقذ شبابنا ولنوفر لهم تدابير تحمي أرواحهم ومستقبلهم، مناعة قومية واجتماعية واقتصادية وثقافية ووجدانية، تكون حصنا لهم وسدا يمنع انزلاقهم للهاوية وللموت.

ندفن الشهيد وننتفض!

لؤي جميل عماش، هو الضحية الخامسة التي تسقط في غضون عامين ونصف، في بلدي جسر الزرقاء، قتلته رصاصات غدر اختبأت وراء تخاذلنا.

شاركت جماهير غفيره في وداع المرحوم، شهيد الجريمة، لمثواه الأخير في مقبرة القرية، إذ وارينا جثمانه الثرى بحزن وأسى، وعدنا أدراجنا نبكي ونلوم وننتقد ونتهم، ونستقبل المعزين مدة 3 أيام، وبعدها نزيل خيمة العزاء، ونعود لحياتنا اليومية لصمتنا الذي قتلنا، بدل أن نقطع عهدًا على أنفسنا ونتعهد لفقيدنا، بعد أن ندعو له بالرحمة والمغفرة، أننا لن نخيب ظنه ولن نسمح بسلب حلمه وحياته، وإنما سندفنه شهيدًا وننتفض ضد الظلم والجريمة والطغيان، ضد من انتزع منا الحياة، لأنه من حقنا العيش بكرامة وأمان.

 

التعليقات