17/05/2017 - 13:21

"أعتبرُ العرب بشرًا"

أبشروا يا عرب، زعيم اليمين الإسرائيلي المتطرّف يعتبركم بشرًا.

في مقابلة حصرية بعنوان "زعيم اليمين الإسرائيلي يتحدث إلى العرب"، أجرتها صحافية إسرائيلية متخصصة في الشؤون العربية، ونُشرت يوم 13 مايو/ أيّـار الحالي في موقع "المصدر" الإلكتروني، المُوجّـه من دولة الاحتلال إلى القراء العرب قاطبة، بسط وزير التربية والتعليم الصهيوني ورئيس الحزب اليميني الدينيّ "البيت اليهودي"، نفتالي بينت، وجهة نظره أمام العرب. ولا يتعلّق سبب التطرّق هنا إلى هذه المقابلة معه بما عرضه فيها من اقتراحات ممجوجة بشأن الاستعاضة عن حل القضية الفلسطينية بإطلاق مبادراتٍ على مستوى إقليمي في مجالات التربية والسياحة والهايتك، والتي تشفّ عن عقلية استعلائية متأصلة، بل في الوسع الجزم بأن كل ما قاله ما كان يستحقّ أدنى التفاتة، لولا بضع عباراتٍ بدرت عنه في ختام المقابلة.

قالت السائلة لبينت: هل تعرف أنك تعتبر مُتطرّفًا جدًّا في العالم العربي؟ فسارع إلى إجابتها: "هناك عملٌ منذ سنوات لرسم صورتي بشكل غير صحيح. لا أكره العرب أبدًا، وفي الوقت ذاته، لا أحبّهم بشكل خاص أيضًا. أعتبرهم بشرًا، وأعرف أننا نعيش في بيئةٍ فيها عرب".

إذًا أبشروا، يا عرب، زعيم اليمين الإسرائيلي المتطرّف يعتبركم بشرًا. مع هذا وعلى الرغم منه، أعرب بينت عن اعتقاده بأنه لن تنشأ من العيش المُشترك مع هؤلاء البشر ما سمّاها "جنة عدن أو شرق أوسط جديد". وهذا يعني أن شرعيتهم بشراً مرهونة باستمرار "إقصائهم أخلاقيًا"، وهو تعبير للباحثة الاجتماعية - النفسانية الأميركية، سوزان أوبوتو، لتوصيف عملية إقصاء أفراد أو جماعات "خارج الحيّز الذي تسري عليه القيم الأخلاقية والقوانين والاعتبارات العقلانية". وبرأيها، الذين يتم إقصاؤهم من الناحية الأخلاقية يُنظر إليهم بوصفهم عديمي الأهمية وغير ضروريين أو غير لائقين، ولذا فإن التعرّض بالمساس لحيواتهم يُعدّ أمرًا مقبولًا، لائقًا أو مُبرّرًا.

هذه النظرة ملازمة لأدبيات الحركة الصهيونية، منذ ما قبل مؤتمرها الأول (1897)، بدليل ما ورد في مقالة ذائعة لآحاد هعام (آشير غنزبورغ) نشرها عام 1891 على أثر زيارة قام بها إلى فلسطين، ووسمها بعنوان "الحقيقة من أرض إسرائيل".

ومما كتب فيها: اعتدنا، نحن (اليهود) المقيمين في الخارج، على الاعتقاد بأن العرب كلهم أناس بدائيون متخلفون، شعبٌ يُشبه الحمير، لا يرون ولا يدركون ما يجري من حولهم. لكن ذلك بمثابة خطأ فادح. فالعربي، مثل كل أبناء سام، يمتلك ذهنيةً حادةً ويتحلّى بالفطنة والذكاء. جميع مدن سورية وفلسطين مليئة بالتجار العرب الذين يعرفون أيضًا استغلال الجمهور تمامًا مثلما هي الحال في أوروبا. هؤلاء العرب، وخصوصًا سكان المدن، يرون ويدركون أفعالنا، وهم على درايةٍ بمُبتغانا في هذا البلد، لكنهم يتظاهرون بأنهم لا يعرفون، لأنهم لا يرون في أفعالنا الآن أي خطرٍ على مستقبلهم، ولذلك تجدهم يسعون إلى استغلالنا نحن أيضًا، وإلى جني فائدة من الضيوف الجُدد حيثما استطاعوا... لكن، إذا حان وقت شهدت فيه حياة اليهود في فلسطين نُموًا وتطوّرًا كبيرين، بما يؤدي، بشكل أو بآخر، إلى طرد شعب البلد الأصلي وإقصائه، فإن هذا الشعب لن يتزحزح عندئذ بسهولة من مكانه!

بيد أن تلك المقالة لا تبرئ ذمّة آحاد هعام، بقدر ما إن "اعتبار العرب بشرًا" لن يحسّن صورة بينت، لأن كلا منهما صهيوني حتى النُخـاع، ومُدركٌ في وعيه التامّ أن مشروع استعمار فلسطين الذي انخرطا فيه ما كان من الممكن تطبيقه إلا من طريق أساليب القوة والسيطرة على المكان وإقصاء السكان الأصليين، والتي بلغت ذروتها في عام 1948.

لكن في مجرّد إيراد هذه الوقائع التي تبدو، في الظاهر، اعتيادية، بمناسبة ذكرى النكبة، ما يثبت في العُمق أن لُبّ الصراع مع دولة الاحتلال كامنٌ بالأساس في خصائص الأيديولوجيا الصهيونية ومكوّناتها، كونها الأيديولوجيا الرسمية لهذه الدولة، بمعنى أنّ الدولة حاملة راية هذه الأيديولوجيا وتسعى إلى تحقيقها على أرض الواقع، كما لو أنها استحالت إلى هدفٍ قائم بحدّ ذاته.

(العربي الجديد)

التعليقات