02/06/2017 - 16:13

فك الارتباط بين المنظمة والسلطة

أعتقد شخصيًا أن ما يجول في أذهان المنادين بحلّ السلطة، وهو ما أفهمه جيدًا وأنجذب إليه كثيرًا، هو أساسًا فك الارتباط أو الفصل القانوني والإداري بين المنظمة من جهة، والسلطة من الجهة الأخرى.

 فك الارتباط بين المنظمة والسلطة

في مقال جريء لها في صحيفة 'نيويورك تايمز' الأميركية بتاريخ 25/5، تدعو الحقوقية الفلسطينية، ديانا بوطو، إلى حلّ السلطة الفلسطينية. هذه الدعوة الجريئة من قبل بوطو سبقتها، كما نعرف جيدًا، دعوات مماثلة لا تقل جرأة من قبل أكاديميين وسياسيين فلسطينيين، على رأسهم د. علي الجرباوي (قبل انضمامه إلى حكومة سلام فياض).

أما الدافع/ الهاجس من وراء مثل هذه الدعوة الجديدة، وسابقاتها، فواضح وضوح الشمس (كما يقال)، بعد أكثر من عقدين من الزمن، فشلت منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة التي تناسلت عنها، حسب اتفاق أوسلو، في تحقيق أي من الأهداف الوطنية العليا، وأصبحتا بسبب الالتزامات الأمنية تجاه إسرائيل، والالتزامات الأخرى ذات العلاقة بالدعم المالي الخارجي، عبئًا ثقيلًا على المشروع الوطني الفلسطيني. وتحديدا، لقد أصبحتا عائقًا في وجه، وحاجزًا في سبيل مقاومة الاحتلال في أحسن الأحوال، ومقاولًا ثانويًا لديه (Subcontractor) في أسوئها (كما يقول المعارضون الأشداء، ومن بينهم بوطو).

ولكن، ورغم تفهم الدافع / الهاجس أعلاه، يظل السؤال الكبير بدون إجابة مقنعة أو وافية: من يستطيع أن يتحمل العبء الثقيل للمسؤولية عن قرار له تبعات بعيدة المدى، كحل السلطة الفلسطينية؟ فحلّ السلطة يعني، فيما يعنيه:

-تسريح ما لا يقل  عن 160 ألف موظف، مدني وعسكري، يعيلون ما لا يقل عن ربع عدد السكان في قطاع غزة والضفة الغربية.

-إخلاء مبان ومقرات ومواقع كثيرة.

-التنحي عن قيادة العمل في مؤسسات وهيئات كثيرة تم استلامها، بناؤها أو إعادة بنائها، ومأسسة عملها على مدار عقدين.

والقائمة، بالطبع، طويلة، وتشمل تجميد مشاريع جارية والتزامات مالية تجاه الوزراء والوكلاء والمشرعين والمتقاعدين، الخ...

السؤال الكبير مرة أخرى: من يستطيع تحمل المسؤولية عن مثل هذه التبعات بعيدة المدى، خاصة في هذا الزمن العربي الرديء، زمن ليس فيه أي وعد بالدعم والإسناد، المادي وغير المادي على السواء؟

أعتقد شخصيًا أن ما يجول في أذهان المنادين بحلّ السلطة، وهو ما أفهمه جيدًا وأنجذب إليه كثيرًا، هو أساسًا فك الارتباط أو الفصل القانوني والإداري بين المنظمة من جهة، والسلطة من الجهة الأخرى. وإذا كان الأمر حقًا كذلك، فإن عبارة 'حل السلطة' هي تسمية خاطئة (misnomer) لما يدور في الأذهان الباحثة عن مخرج من 'ورطة' أو 'محنة' أوسلو.

وأنا أقول: لتبق السلطة، بعد سلخها عن المنظمة، وذلك لغرض تقديم الخدمات في مجالات كالتعليم والصحة والزراعة والمواصلات والسياحة وتنظيم المرور وتنفيذ قرارات المحاكم العادية وملاحقة الجريمة، وهكذا. بكلمات أخرى، لا ضير من بقاء السلطة إذا تمّ إعادة تعريف دورها، تعديل بنيتها، وإفراغها من ذلك البعد الأمني الذي يصب في خدمة سلطات الاحتلال، مباشرة أو بصورة غير مباشرة.

وأقول أيضًا: لتخرج المنظمة من عباءة السلطة، وليتم إعادة إحيائها وإعادة بنائها على أسسً تشاركية قويمة، لتتمكن من قيادة النضال مجددًا ضد الاحتلال وأدواته. وقد يتطلب ذلك تنازل بعض القيادات والكوادر عن الإقامة في أرض الوطن.

وباعتقادي، إن لفكرة ومقترح فك الارتباط بين المنظمة والسلطة أفضلية غير خافية على فكرة ومقترح حلّ السلطة. وتتمثل تلك الأفضلية بالتالي: الكلفة الإجمالية لفك الارتباط أقلّ بكثير من الكلفة الإجمالية لحلّ السلطة، وهي كلفة يستطيع الفلسطينيون داخل حدود فلسطين التاريخية تحمل عبئها ثمنًا لإنعاش المشروع الوطني بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية متجددة ومتحررة من قيود الاحتلال وسطوته.

وفي جميع الأحوال، فإن فك الارتباط أو الفصل القانوني/ الإداري لا يعني أو ينتج عنه أو يواكبه أو يقابله فك ارتباط سياسي/ وطني.

 

* أستاذ الفلسفة في جامعة القدس

التعليقات