04/06/2017 - 20:34

عندما انقطعت الكهرباء في مستشفى الأطفال في غزة

ثلاثة أطفال موصولين لأجهزة التنفس الاصطناعي يرقدون في قسم العناية المكثفة في مستشفى الرنتيسي للأطفال في مدينة غزة. حياتهم متعلقة بالعمل المنتظم لمولدات الكهرباء، والتي أصبحت مزوّد الكهرباء الرئيسي في القطاع.

عندما انقطعت الكهرباء في مستشفى الأطفال في غزة

صورة أرشيفية من غزة

ثلاثة أطفال موصولين لأجهزة التنفس الاصطناعي يرقدون في قسم العناية المكثفة في مستشفى الرنتيسي للأطفال في مدينة غزة. حياتهم متعلقة بالعمل المنتظم لمولدات الكهرباء، والتي أصبحت مزوّد الكهرباء الرئيسي في القطاع.

منذ أن تعطّلت محطة توليد الكهرباء قبل قرابة شهر ونصف بسبب خلاف سياسي داخلي، بقي قطاع غزة مع الكهرباء التي يتم شراؤها من إسرائيل، والتي تتيح أربع ساعات من التيار الكهربائي المتواصل، على الأكثر، تليها 12 ساعة من القطع، على الأقل.

حتى عندما تعمل محطة التوليد، ينقص قطاع غزة نصف كمية الكهرباء المطلوبة من أجل ممارسة الحياة العادية.

جئت إلى قسم العناية المكثفة للأطفال في المستشفى، بموجب عملي كباحث ميداني في جمعية حقوق الإنسان "ﭼيشاه - مسلك" والتي تقوم بتوفير معلومات عن الإغلاق الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة وعن وضع البنى التحتية هناك.

 مدير المستشفى، د. محمد أبو سلمية، يصف الوضع بأنه "صعب للغاية ". في كل مرة ينقطع التيار الكهربائي الوارد عبر الشبكة ويتم تشغيل المولدات من الممكن أن تحدث أعطال، والتي من شأنها أن تشوّش عمل أقسام المستشفى، المختبرات والأجهزة الطبية، ومن ضمنها أجهزة توليد الاكسجين وضخه إلى الاقسام المختلفة، وأيضًا شبكات الصرف الصحي، الغسيل، الطبخ والتنظيف.

في الشهر الأخير، يقول المدير، لم يصلنا ما يكفي من الوقود لتشغيل المولد الرئيسي، لذا اضطر لإصدار تعليماته بإطفاء أضواء المستشفى، عدا عن الأقسام الملحّة، التي تم تشغيلها بواسطة مولّد صغير: قسم العناية المكثفة، معهد غسيل الكلى وغرف العمليات.

منذ ذلك الوقت، وصلتنا عبر وكالة الأونروا كميات من الوقود تكفينا حتى نهاية شهر حزيران. وبالرغم من ذلك، يخشى د. أبو سلمية من أن الارتفاع الكبير في ساعات عمل المولد، التي تتواصل منذ قرابة سبعة أسابيع ستؤدي إلى تآكله، وعندها "بالفعل ستكون كارثة". كما أنّ طاقم الدعم الفني الذي يهدف إلى معالجة هذه الأعطال مستنفر على مدار الساعة.

لنقص الكهرباء تأثير واضح على جميع جوانب الحياة في قطاع غزة. الأعمال اليومية الروتينية، كالتنظيف والغسيل والطبخ والاستحمام، تشوش بشكل كبير، وطبعًا شحن الهواتف والحواسيب واستخدام الانترنت، أي الأنشطة المتعلقة بالعمل والدراسة – والتي في الأيام "العادية"، عندما يتم تشغيل محطة توليد الطاقة، يجب تنظيمها لمجاراة وصول الكهرباء لثمان ساعات متواصلة فقط.

المضخّات التي تزوّد البيوت بالمياه تعمل بشكل جزئي، وهناك مناطق في غزة تصل المياه للمنازل فيها مرة واحدة فقط خلال الأسبوع. هنالك تراجع جدّي في عمل محطات تنقية مياه الشرب، كما وأن خدمات تصريف مياه الصرف الصحي في التجمعات السكنية والحارات مُعطّلة، أو أنها تعمل بشكل جزئي وملايين اللترات من مياه المجاري غير المعالجة تصب في البحر، ملاذ المواطنين ومتنفسهم الاخير. إن هذا كله ليس فقط حالة من عدم الراحة المؤقتّة، انما هو خطر صحي جدي. وعلى أية حال، ليس وضعًا بالإمكان تحمله لفترة متواصلة.

بالإضافة إلى أزمة الكهرباء، يشير الدكتور أبو سلمية إلى النقص في المستلزمات الطبيّة والادوية في المخازن التابعة لوزارة الصحة الفلسطينية في غزة، وبأن المستلزمات الطبيّة لا تصل إلى مستشفى الرنتيسي. ففي قسم الجهاز الهضمي على سبيل المثال، نفدت أنابيب الشفط المُصممة خصيصًا للأطفال، ويضطر الطاقم الطبّي إلى استخدام أنابيب أسمك من مما يفترض استخدامه في مجاري التنفس الصغيرة لدى الأطفال، وهذا يتسبب بفائض عن الحاجة للأطفال المُعالَجين.

 تعاني وزارة الصحة الفلسطينية من نقص حاد في وصول الأدوية والمستلزمات الطبية، وحتى كتابة هذا المقال، يدور الحديث عن 170 صنف من الأدوية التي نفدت من مخازن وزارة الصحة في غزة بجانب 275 صنف من المستلزمات الطبية أيضا نفدت.

خطر حقيقي يتهدد مرضى السرطان في قطاع غزة حيث أن 90% منهم لا تتوفر لهم الأدوية والجرعات المطلوبة. كما أن إدخال معدات تم شراؤها من إسرائيل لصالح مستشفى الرنتيسي يُشكل عقبةً اضافية؛ فقد مرّت أربعة أشهر منذ الانتهاء من تجهيز قسم السرطان الخاص بالأطفال في المستشفى بدعم من صندوق أمريكي، ولا زلنا بانتظار قطع ضرورية لتشغيل منظومة التكييف.

 يتم تقييد دخول هذه المعدات إلى قطاع غزة، لأن إسرائيل قررت تصنيفها كمعدات "ثنائية الاستخدام" (أي أنه بالإمكان استخدامها أيضًا لأهداف عسكرية).

 يهدف هذا القسم إلى توفير الخدمة الطبية للأطفال مرضى السرطان في قطاع غزة والذين يعانون هم ومرافقيهم من إجراءات السفر المرهقة عبر معبر ايرز – بيت حانون، لا سيما بعد المنع الأمني الإسرائيلي واستمرار إغلاق معبر رفح.

 في الآونة الأخيرة زار المستشفى كل من منسق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة، روبيرت بايبر، السفير القطري، والتقوا مع الدكتور أبو سلمية الذي طلب منهم المساعدة في إدخال المعدات المطلوبة. وقد أعرب الاثنين عن املهم بأن يتمكنا من المساعدة في هذا الشأن.

رئيس التمريض في قسم العناية المركزة، أسامة الكحلوت، حدثني عن الوردية التي لن ينساها بحياته، قبل عدة أيام: "توقف المولد عن العمل لمدة تزيد عن 25 دقيقة بسبب عطل فني، واستمرت أجهزة التنفس الخاصة بالأطفال بالعمل على البطاريات، والتي فرغت هي أيضا بعد مرور ربع ساعة" ويضيف "توزعنا بسرعة بين الاطفال، اثنان من الممرضين عند كل طفل، نقوم بالتناوب لعمل تنفس اصطناعي، ونراقب بقلق أجهزة قياس ضغط الدم. في القسم خيم الصمت، ولم نسمع سوى صوت أجهزة التنفس اليدوي. المولد الكهربائي عاد للعمل بعد مرور 10 دقائق، شعرنا كأنها عشرة أيام، لا أضمن في المرة القادمة أننا سنستطيع انقاذ حياة الأطفال.

الكاتب من سكان قطاع غزة ويعمل كباحث ميداني في جمعية "جيشاه-مسلك"، جمعية حقوق إنسان تعمل على تعزيز حرية الحركة والتنقل للأشخاص والبضائع من قطاع غزة وإليه.

التعليقات