07/06/2017 - 16:12

"الإرهاب العربي"

ما يسمى بـ"الإرهاب الإسلامي" هو ليس إسلاميًا بالضبط، بل الأصح القول "إرهابا عربيا"، لأن معظم عناصر التنظيمات الإرهابية في الشرق والغرب هم عرب أو من أصول عربية، وقلة منهم من جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابقة

"الإرهاب العربي"

ليس أمرا هينا الكتابة عمّا يسمى 'الإرهاب' في ذكرى حرب حزيران/ يونيو ١٩٦٧، فالأمران مرتبطان عضويا، ليس لأن مقاومة الاحتلال تسمى هذه الأيام بـ'الإرهاب'، بل لأن الأنظمة والنخب المستبدة والفاسدة ذاتها، التي تآمرت على المشروع القومي العربي، ودفعت به إلى الهزيمة وورطته بجبهات مفتوحة عديدة، هي ذاتها التي تفرخ الإرهاب الحقيقي حول العالم، بدءًا بما يسمى 'العرب الأفغان' وصولا إلى 'القاعدة'، وها هي اليوم تتحالف مع مصدر الإرهاب الرئيسي ضد الشعوب العربية وهو الاحتلال الإسرائيلي، الذي طال ثلاثة شعوب عربية وما زال، وقتل أكثر من عشرة آلاف مصري خلال أيام معدودة، هو ذاته حليف مصر السيسي.

لكن بداية لا بد من توضيح أمر هام وهو أن ليس كل إرهاب في العالم هو عربي بكل تأكيد فهناك إرهاب أميركي وإسرائيلي وإرهاب دولة، لكن ما يسمى بـ'الإرهاب الإسلامي' هو ليس إسلاميًا بالضبط، بل يمكن القول 'إرهابا عربيا' إن جاز ذلك، لأن معظم عناصر التنظيمات الإرهابية في الشرق هم عرب أو من أصول عربية، وقلة منهم من جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابقة، وعدد قليل من دول أفريقيا، التي هي أيضا فشلت في بناء دول مستقلة تعبر عن حق تقرير مصير شعوبها، وتوفر لها الحد الأدنى من الرفاهية والأمن الاقتصادي والاجتماعي. وأقصد أن مسألة الإرهاب في المنطقة هي مسألة عربية سياسية وليس دينية.

إذًا، هل الإرهاب هو حالة عربية؟ دون التعميم يمكن الإجابة بنعم، معظم الإرهابيين هم من العرب، وهذا ليس تجنيا بل تقديرا واقعيا. إذًا، هل هذا يعني أن هناك 'خللا وراثيا' أو 'عيبا حضاريا – ثقافيا' يسبب الإرهاب العربي؟ بالطبع لا، بل هو خلل تاريخي مرت فيه شعوب عديدة بالغرب والشرق، لكن الدولة الغربية والآسيوية الحديثة احتوته وصادرته واحتكرته، وأي حديث عن 'عيب حضاري – ثقافي' عربي في هذا السياق أو غيره هو حديث عنصري حتى لو كان مصدره 'باحثا عربيا ومسلما'.

هذا يقودنا إلى تعبير أوضح مفاده أن 'الإرهاب العربي' جذوره سياسية، داخلية على شكل استبداد سياسي ومعاداة الدولة لمواطنيها ومصادرة حقهم في تقرير مصيرهم الفردي والجماعي، وخارجية على شكل استعمار واحتلال ومصادرة حقهم في تقرير مصيرهم الوطني أو القومي. كما جذوره اقتصادية واجتماعية وتربوية، وهذا ليس تحليلا أو تخمينا بل هو استنتاج مسنود بأبحاث ودراسات متخصصة.

أظهر بحث ميداني في لبنان مؤخرا، كتب عنه رضوان السيد، وشمل عينة من رجال الدين المتطرفين، الذين كان بعضهم بسورية وسئلوا فيه عن أسباب العنف والتطرف والالتحاق بالتنظيمات الإرهابية، أن ٨٥ في المئة منهم يرون أن الدافع باتجاه العنف له ثلاثة أسباب رئيسية  كما كتب السيد، وهي: رداءة نوعية التربية الدينية أو غيابها، والمرض النفسي وقلة العقل، وتجاوزات الأجهزة الأمنية لكرامات الناس وحرياتهم. وتأتي بعد ذلك الاحتجاجات بالفقر والتهميش وإهمال السلطات، والانزعاج من طغيان الطغاة والأجانب، وما يصيب السوريين بالجوار اللبناني من تنكيلٍ وتهجير وقتل.

نتائج هذا البحث عرضت في مؤتمر في السعودية بالتزامن مع زيارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ولذا جاءت استنتاجات الكاتب في سياق الإعلان عن التحالف الإسلامي - الأميركي ضد الإرهاب، إذ توصل لنتيجة مفادها أن المطلوب استنقاذ الدولة الوطنية، واستعادة السكينة في الدين، وإصلاح العلاقة مع العالم، وهذا كلام عمومي بالطبع.  لكن من المهم الانتباه إلى أن الدوافع الثلاث التي عددها السيد هي في الحقيقة عوارض وليست مسببات، وللدقة فإن أول دافعين هما عارض للدافع الثالث، أي أن 'رداءة نوعية التربية الدينية أو غيابها والمرض النفسي وقلة العقل' هما عارض لـ'تجاوزات الأجهزة الأمنية لكرامات الناس وحرياتهم'، لأن هذا يعني أن تغول الدولة وسلطتها الأساسية تتمثل بانشغالها في الأمن والمس بكرامة الناس، وليس سلطتها بحماية الناس وتوفير الأمن لهم الاجتماعي قبل السياسي، لذا هي مقصرة عن تقديم تربية دينية وغير دينية صحيحة (هل من وظيفة الدولة تقديم التربية الدينية؟)، كما معالجة الأمراض النفسية التي تتحول إلى 'جهادية'،  فهي عارض لإهمال الدولة للمواطن من الناحية الصحية والاجتماعية، فهل يعقل تبرير الإرهاب بالأمراض النفسية؟ فكل دول العالم فيها مرضى نفسيون.

كما عادت الدولة العربية مجتمعاتها، فتحول الانتماء الطائفي أو المذهبي إلى سبب للحصول على امتياز المواطنة أو سحبه، وحولت الجيش الوطني الذي يفترض به أن يكون 'بوتقة صهر' إلى جيش فئوي، وبدلا من تطوير المدينة ريفتها بعد أن جففت الريف وجوعته، وحولت المدينة إلى خواصر فقر متداخلة ومن ثم أوكار للإرهاب. هذا لم يحصل إلا في الدولة العربية، العلمانية قبل الملكية.

إذًا، عادت الدولة العربية المواطنين - الشعوب - الأمة ومن ثم المجتمع. لذا، فإن مصطلح 'استنقاذ الدولة الوطنية' هو مصطلح مبهم، لأن الدولة الوطنية العربية لم يجر تأسيسها حتى اليوم بشكل حقيقي حتى لو كانت لها مؤسسات إدارية ووزارية وجيش وطني وجواز سفر، فمرة تصادر محاولة بناء الدولة من العشيرة ومرة من العسكر ومرة من رؤوس الأموال وغيرها، فما زالت الدولة الوطنية في طور الولادة عن العرب (وهذا تقييم متفائل). لكن النقطة الأهم هي أنه لا يجوز الحديث عن 'استنقاذ الدولة الوطنية' من دون الحديث الواضح والمباشر عن ضرورة ضمان الدولة للمواطنة المتساوية، لأن الدولة الوطنية قد تكون مستبدة وظالمة والمواطنة فيها امتياز حصري لفئة محددة، ولا تعكس كل مكونات 'الأمة' وإنما فئة مهيمنة منها، لتصبح 'الدولة ضد الأمة' على حد تعبير برهان غليون، ولذلك إذا كانت الدولة تعادي الأمة، أمة مواطنيها، فإن أول خطوة يتطلبها ذلك هو الانفصال عنها ومعادتها.

أمام هذا الواقع، يصبح حديث هذه الدول عن محاربة الإرهاب وتمويله ومنابعه حديثا لن يوقف الإرهاب، حتى لو تراجع على المدى القصير، لأن محرك ومولد الإرهاب ما زال قائما طالما بقيت هذه الأنظمة على ما هي عليه، وسوف تستغله في صراعتها البينية آجلا أم عاجلا. فإذا كان قيام إسرائيل 'خطأ تاريخي' كما سمته هذه الأنظمة في الماضي، فإن استمرارها على ما هي عليه هو 'خلل تاريخي' يلتقي الآن مع ذاك الخطأ التاريخي.

ليس 'الإرهاب العربي' حالة استثنائية عالميا وتاريخيا، فهناك إرهاب دول عظمى مثل أميركا في أفغانستان والعراق واليمن، الذي ما زال يفتك بالبشر، وإرهاب مجموعات دينية مسيحية متطرفة في أميركا وأوروبا تمارس الإرهاب ضد مواطنيها أو إرهاب إسرائيل ومستوطنيها ضد الفلسطينيين. وهذا كله إرهاب ليس عربيا.

ليس 'الإرهاب العربي' ظاهرة دينية ولا حضارية، وإنما منتوج سياسي – اجتماعي يعكس فشل  العرب السياسي وفشل الدولة العربية، فمن المجدي لربما استعادة مصطلحات من نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين مثل النهضة والإصلاح وغيرها، لأن كما قال الكواكبي 'الاستبداد جرثومة كل فساد' ونضيف 'الاستبداد جرثومة كل إرهاب'، والمضاد الحيوي الذي أثبت فعاليته للاستبداد والإرهاب معا هو المواطنة الحرة والمتساوية.

اقرأ/ي أيضًا | القدس... المدينة الأفقر والأكبر في فلسطين

 

التعليقات