07/06/2017 - 10:46

الحقائق العشر التي تُحدد السياق الحقيقي لجرائم القتل بدم بارد

تتعالى في السنوات الأخيرة تصريحات بشأن تعاون الشرطة وقدرتها على مواجهة حالات العنف والجريمة التي تحدث في المجتمع الفلسطيني المحلي. في المقالة الحالية، قد أكون حازما في أقوالي والتي قد تعكس النوايا الحقيقية لفاعلي النكبة الفلسطينية عام 1948 وما تلاها من أحداث.

الحقائق العشر التي تُحدد السياق الحقيقي لجرائم القتل بدم بارد

بروفيسور سهيل حسنين

تتعالى في السنوات الأخيرة تصريحات بشأن تعاون الشرطة وقدرتها على مواجهة حالات العنف والجريمة التي تحدث في المجتمع الفلسطيني المحلي. في المقالة الحالية، قد أكون حازما في أقوالي والتي قد تعكس النوايا الحقيقية لفاعلي النكبة الفلسطينية عام 1948 وما تلاها من أحداث. من شأن هذه الحقائق تفسير جرائم القتل بدم بارد والتي ترتكبها الشرطة و'حرس الحدود'.

من الأهمية الوعي لعدة حقائق والتي تساهم في فهم وتفسير السياق المركب الذي يفرز وضع العنف والجريمة المستمر.

الحقيقة الأولى هي أن الشرطة الإسرائيلية هي صهيونية في أصلها. بالرجوع لمنشور ظهر في موقع للشرطة والصادر عام 1948 قيلت التصريحات التالية: 'صادف القادمون الجدد الذين وصلوا البلاد مشاكل أمنية صعبة ولم تمنع السلطات تنكيلات الجيران العدائيين. تحولت الحاجة للحفاظ على أمن النفس إلى حاجة وجودية... أعلن أعضاء 'هشومير' في الجليل في العام 1909 عن أنفسهم بمثابة نواة لشرطة عبرية وجندرما عبرية في أرض إسرائيل، وظيفتها حماية السكان اليهود من المعتدين العرب'.  ومن هنا نتوصل لاستنتاج أن وجود الشرطة لم يكن ولن يكن توفير خدمات مرتبطة بأمن وسلامة العربي.

الحقيقة الثانية هي أن القيمة التي توجه أفعال الشرطة هي إيديولوجية المرتبطة بأمن اليهودي فقط وفي سياق مجتمع كولونيالي استعماري والذي تم إنشاؤه على أنقاض عمليات هدم 'المجتمع الآخر'. ما يميز المجتمع الكولونيالي الاستعماري هو التوسع على حساب تجزئة الآخر وتقويضه.

الحقيقة الثالثة هي أن محركي هذه الإيديولوجية يحملون أفكارا عنصرية نسمعها من حين لآخر.  قول سابق لقائد الشرطة والذي شغل مناصب رفيعة في جهاز الأمن العام في القدس والضفة الغربية.  ماذا نتوقع من قائد الشرطة والذي يحمل عقلية المحتل والذي رسخها في مناصبه السابقة؟؟ هذا هو الإنسان الذي صرح أن 'من الطبيعي الاشتباه بالأثيوبيين والعرب أكثر من غيرهم'؛ ماذا نتوقع من رئيس حكومة والذي صرح ويصرح في مناسبات عديدة أن المجتمع العربي هو 'جيوب لا يطبق فيها القانون ويسود فيها التحريض الإسلامي والجريمة'. ووزير آخر والذي صرح أن قتل عرب ولن يندم حول ذلك، أو صرح أن العرب في النقب والجليل هم سارقون. 

الحقيقة الرابعة مرتبطة بتحديات استخباراتية، فالتصريحات بشأن تشكيل مديرية معالجة الإجرام في المجتمع العربي بقيادة جنرال عربي، هدفها الظاهر هو 'التعامل مع معدلات القتل والسرقة المرتفعة...' ومن خلال تكوين محطات بوليسية في أغلبية المناطق تحت مسمى محطات شرطة أو 'الشرطة الجماهيرية'، لكن حقيقة جاءت هذه المديرية لتحقيق ثلاثة أهداف: فالأول هو تجنيد العرب في صفوف الشرطة كعملية قاصدة تصعيد عنف العربي على أبناء جلدته (من منطلق أن العربي قد يكون الأكثر تسلطا على العربي). الثاني هو أمني من الدرجة الأولى وهو توسيع عمليات استخباراتية يقوم بها عرب من المجتمع نفسه، وفي أعقاب تصريحات الشرطة بأنها فشلت في تكوين بنية تحتية لجمع المعلومات في القرى والمدن العربية، والتي تُدرك الأكثر حساسية خاصة في المثلث. بالتالي ينبثق من الثاني الهدف الثالث فهو وقائي جاء ليحد من 'مخاوف التهديد' والذي يدركه القادة العبريين المرتبطة بازدياد الوعي السياسي في البلدات الفلسطينية.  

الحقيقة الخامسة هي بشأن العلاقة الجدلية بين حامي القانون وخارقه. في أحيان كثيرة يلعب ممثل القانون دور خارقه. التجربة الفلسطينية غنية بأمثله من خلالها يصبح ممثل القانون مجرما. يحاول ممثل القانون توسيع إجرامه إما مباشرة من خلال القتل بدم بارد لمبررات 'الدفاع عن النفس' أو بشكل غير مباشر من خلال إبرام صفقات مصالح ومنافع متبادلة مع أعضاء من شبكات الجريمة المنظمة أو مع أفراد يتم 'اصطيادهم' مقابل تقديم تسهيلات أو إغلاق ملفات جنائية.

الحقيقة السادسة أن العلاقة بين المجرم والضحية واضحة. هذه العلاقة قائمة على إيديولوجية مفادها أن العربي هو دائما المجرم وأن اليهودي هو دائما الضحية. بالتالي، يخلق المجتمع الاستعماري سيناريو يبرر روايته التي تخدم أيديولوجيته.

الحقيقة السابعة هي أن ممثلي الشرطة يعملون جاهدين ودائما على وأد أي محاولة لتفعيل أنشطة مجتمعية كتشكيل مجموعات حراسة في الأحياء العربية.

الحقيقة الثامنة أن سياسة الدول بشأن تنفيذ القانون في المجتمع الفلسطيني المحلي تنقسم إلى قسمين: حد أدنى من تنفيذ القانون في قضايا الجريمة العادية (العنف والجريمة)، وحد أقصى في قضايا سياسية. ما نرى في المدن والقرى العربية هي الشرطة 'غير المهنية' والمتواجدة رمزيا بغطاء 'تزويد المجتمع بالخدمات' أو معالجة قضايا العنف العادية، ولكن حقيقة الشرطة من النوع الأول هي مظلة لـ'الشرطة المهنية' والتي هي مركزية أي غير متواجدة في محطات الشرطة أو في 'دوريات الشرطة' والتي تهدف بدورها ضمان تدخل حد أقصى في الحالات المدركة 'مهددة للأمن والتواجد'. 

الحقيقة التاسعة: تحدث عملية الربط بين العربي والعنف في سياق يتميز بثلاثة أوضاع: الفصل الجغرافي بين العرب واليهود؛ عدم المساواة وبالتحديد في مجال القانون، تنفيذه وفي مجال القضاء. أما الوضع الثالث فيرتبط بثقافة الاستحواذ والسيطرة المنفذة بواسطة المؤسسات العبرية المختلفة (منها القانونية، التنفيذية، القضائية والإعلامية) ومن خلالها يتم تمييز العرب كمجموعة معادية في سياق الصراع المستمر والمزمن. 

الحقيقة العاشرة والأخيرة والهامة هي أن كثيرا من الحقائق حول الذي يحدث لا يعرفها الإنسان العادي. تنصب هذه الحقيقة في جوهر سياسة الدولة الاستعمارية التي تقصد إخفاء كثير من المعلومات وبهدف إرباك وبلبلة وتفسيخ 'المجتمع الآخر'، ولإبقائه منشغل في قضاياه غير الجوهرية.

تؤدي هذه الحقائق إلى ترسيخ شرعية سياسة العسكرة من منطلق التصور أن الفلسطيني مهدد لوجود اليهودية والصهيونية ومهددة لأمنه القومي. هذه العقائد توصل 'الأغلبية اليهودية' للاعتقاد دائما أن الفلسطيني هو خطر وجودي. تجهد المؤسسة الإسرائيلية، ومن أجل التخفيف على الأقل من هذا الخطر المُدرك، إلى تطوير وتوسيع أجهزة السيطرة (ومن خلال عملية تسويقية يشترك فيها وسائل الإعلام العبرية) والتي تؤمن أن الفلسطيني هو العنيف الإيديولوجي، وقاتل النساء والإرهابي المدني.  

 يبقى السؤال الهام، في ظل هذه الحقائق، والمرتبطة بالحلول. أولا- هل الحل الذي يمكن طرحه يندرج في إطار الاندماج والمساواة في الحقوق المدنية والذي كان سائدا في سنوات فترة أواخر التسعينات من القرن الفائت وفي أعقاب معاهدة السلام 'أوسلو' (يؤمن هذا التوجه بالمطالبة بالمساواة وتقليص الثغرات كحل لقضايا المجتمع الفلسطيني) أو في إطار الكولونيالية الاستعمارية. من الضرورة المعرفة أن الإطار الأول قد تم تجربته، ولكنه أحرز فشلا ذريعا في ظل هيمنة اليمين على الحكم في إسرائيل وفي ظل المعطيات الإقليمية المتسارعة. أما الإطار الثاني فأعتقد أنه القائم، على الأقل على المستوى الكامن، منذ النكبة الفلسطينية، الذي يعتمد على سياسة توسع الدولة العبرية الإيديولوجية وسيطرتها المتسارعة على الحياة اليومية للفلسطيني.

تحليل لما يحدث اليوم في القرى والبلدات العربية وعلى النطاق الشعبي خاصة يعكس الوعي المجتمعي لسياسة الدولة الاستعمارية والتي تطال الأرض والإنسان، وبضمنها طرق مواجهة العنف والجريمة. بالتالي هناك متسع من الحلول المطروحة للمجتمع الفلسطيني (منها تمكين مؤسسات المجتمع المحلي وخاصة غير الرسمية، مثل تشكيل أطر بديلة وقوية مثل حراسة في الأحياء المختلفة وتقوية طريقة المصالحة وتحديد عملها أيضا في المجال الوقائي، وليس فقط بعد حدوث الفعل وحلول أخرى على مستوى الاحتجاج وتقوية الأطر السياسية القائمة) في سياق الصراع المستمر وضمن دولة كولونيالية-استعمارية تؤمن بالتجريم والعسكرة كحل لقضايا سياسية.

التعليقات