15/06/2017 - 12:41

غزة... ماذا بعد "أنا يوسف يا أبي"!

في الماضي كانت إسرائيل وما زالت، فقلنا، وما زلنا، إنها العدو، وعندما انضم إليها الأشقاء العرب قلنا، إن "ظلم ذوي القربى أشد مضاضة"، وغنينا "أنا يوسف يا أبي"، فماذا ننشد اليوم يا محمود؟!

غزة... ماذا بعد

في الماض دفع الفلسطينيون ثمن الخلافات العربية – العربية، واليوم يدفعون ثمن خلافاتهم وخلافات العرب، وفي الماضي كانت إسرائيل تقف جانبا وتترك العرب يقومون بالمهمة تجاه بعضهم وتجاه الفلسطينيين، وها قد جاء اليوم الذي تقف جانبا وتترك الفلسطينيين يقومون بالمهمة (مهمتها) تجاه بعضهم أيضا. هو الانقسام أو الانقسامات العربية التي طالما كنا ضحيتها يستنسخ فلسطينيا، ليضحي حصار "قطر" العربي أكثر رحمة من حصار قطاع غزة الفلسطيني، بعد أن قررت سلطة رام الله معاقبتها بوقف اقتطاع أثمان استهلاك الكهرباء من أموال الضرائب التي تجبيها إسرائيل.

الجديد أن إسرائيل التي لم يكل رئيس حكومتها ومجلس وزرائها وقادة جيشها يوما بصاع عباس، ولا هم أعاروا طلباته أدنى اعتبار، بل أنهم كانوا قد رفضوا نفس الطلب قبل شهر فقط، تحولوا بقدرة قادر ولغرض بنفس يعقوب إلى مأمورين لدى سيادة الرئيس، حتى أن مندوب الجيش الذي أوصى بقبول طلبه رد على وزير الطاقة عندما صرخ فيه قائلا، أنت لا تتلقى الأوامر من أبو مازن، نعم أنا أؤدي له التحية العسكرية.

ويبدو أن الاستجابة الإسرائيلية لطلب عباس، إضافة إلى أنها تخرج الاحتلال من مسؤولية أزمة الكهرباء وما تسببه من أزمة إنسانية حادة في القطاع ،وتظهرها كأنها صناعة محلية فلسطينية خالصة مرتبطة بالانقسام ورغبة عباس بمعاقبة حماس، حتى لو كان ذلك على ظهر مليوني فلسطيني، إضافة لذلك فإن حكومة اليمين الاستيطاني لا تريد أن تهدر فرصة حالة العزلة الواقعة فيها الحركة التي كانت أولى ضحايا الحصار السعودي/ العربي ضد "فطر" من خلال وصمها بالإرهاب، حيث تسعى إسرائيل إلى استثمار هذا الخلاف للانتقام من خصم تاريخي بعد حصولها على غطاء عربي وفلسطيني، أو عدم تقديم حبل الإنقاذ لهذا الخصم لينجو من العقوبات الفلسطينية والعربية.

بدوره، فإن محمود عباس، بعد تحجيم ظهير حماس الأساسي- قطر- ووقوع الحركة في دائرة الاستهداف السعودي/ العربي ، قرر هو الآخر استغلال الفرصة المواتية لتركيع خصمه، الذي يسعى منذ عشر سنوات للإمساك برايتي السلطة والمقاومة ويزاود عليه في القدرة على التصدي للاحتلال وفي نظافة يد الحاكم ورجالات السلطة، وهو لا يرى غضاضة، طالما أنه يتمتع بكل هذا الظهر العربي، من أن يمد يده للاحتلال بطلب صغير مثل عدم خصم مستحقات كهرباء قطاع غزة من عائدات الضرائب التي تجبيها إسرائيل لصالح السلطة، وهو يدرك كرم الاحتلال في الاستجابة لهكذا طلبات.

وكان عباس قد بدأ سلسلة العقوبات تلك بخصم ثلث قيمة رواتب موظفي السلطة في قطاع غزة، مثيرا في حينه ردود فعل ساخطة، تبعها تقليص في الدعم المالي للأسرى المحررين من القطاع وتوجها بتقليص تزويد غزة بالكهرباء، وهو يقوم بمثل هذه الخطوات وهو يدرك أن الحصار يطبق على حماس وعلى القطاع من كل الاتجاهات، لانضواء مصر في المحور السعودي وغياب أو تغييب الرئة التي كانت تتنفس منها حماس عبر "قطر".

المهم في الموضوع أن من يدفع الثمن هم سكان القطاع البالغ عددهم مليوني فلسطيني، والذين تصل الكهرباء بيوتهم لثلاث ساعات يوميا فقط ، تليها 12 ساعة انقطاع على الأقل، وذلك إلى جانب تعطل محطات تحلية المياه، وتشويش عملية تصريف المجاري من الأحياء والتجمعات السكانية حيث يتدفق قرابة 100 مليون ليتر من مياه المجاري غير المعالجة إلى البحر يوميًا، بينما تعمل المولدات الكهربائية في المستشفيات بأقصى قدرتها لتشغيل الأقسام الضرورية، وتتعطل أقسام مختلفة في المستشفيات بسبب نقص الكهرباء، وتتعرض حياة الأشخاص المرتبطين بالأجهزة الطبية للخطر.

في الماضي كانت إسرائيل وما زالت، فقلنا، وما زلنا، إنها العدو، وعندما انضم إليها الأشقاء العرب قلنا، إن "ظلم ذوي القربى أشد مضاضة"، وغنينا "أنا يوسف يا أبي"، فماذا ننشد اليوم يا محمود؟!   

 

التعليقات