16/06/2017 - 09:04

نعم للنضال لا للزعرنة

اعتدنا الوقوف إلى جانب مثل هؤلاء المناضلين فيما لو تعرّضوا لمضايقات أو اعتداءات، لأننا نفسر الأمر فورًا بأنه من تدبير أيدي عملاء السلطة الخفية، ونشكل وفود التضامن معهم ضد م نسميهم خفافيش الظلام.

نعم للنضال لا للزعرنة

اعتدنا في تربيتنا على أن المناضل هو إنسان مستقيم، هو فوق الأنانيات والصغائر، لأن كل عقله ووجدانه ونشاطه تحرّكه بوصلة القضية الكبيرة، المناضل إنسان عادل ومستقيم ومتسامح ومتفاهم مع حاضنته البشرية، ويقف إلى جانب الحق ولا يتوانى عن الجهر به حتى ولو على أبناء أسرته وعلى نفسه، وهو يترفع عن إطلاق النار أو رمي الحجارة أو حمل عصا أو حتى التلويح بقبضته لقتال أبناء عائلة أخرى أو مجموعة منافسة، بل هو ينظر إلى الأمر من علٍ وبشفقة على الجميع الذين يعتبرهم أبناء وطن واحد، فجميعهم من إخوته ضحايا العنصرية والاحتلال والظلم.

فهمنا أن المناضل يحمل فكرًا ضد كل أنواع الظلم، لأنه إذا ناصر الظلم مرة يخسر مصداقيته ويفقد ثقة الناس به.

كذلك اعتدنا الوقوف إلى جانب مثل هؤلاء المناضلين فيما لو تعرّضوا لمضايقات أو اعتداءات، لأننا نفسر الأمر فورًا بأنه من تدبير أيدي عملاء السلطة الخفية، ونشكل وفود التضامن معهم ضد م نسميهم خفافيش الظلام.

إلا أن التجربة علّمتنا، بأن المناضلين أيضا لهم نزوات وهفوات، فقد يعشقون سيدة متزوجة مثلا من قريب لهم أو حتى رفيق درب، وقد يخون أحدهم زوجته ويفتضح أمره، وقد ينضم إلى عائلته تحت ضغط الأعراف الاجتماعية ضد عائلة أخرى مهما كان السبب والمسبب للنزاع، وقد يضعُف أمام فرصة عمل أو ظروف الحياة المعقدة، وهذا يعني أنه قد يتعرض لما يتعرض له الناس العاديين من أخطاء وهفوات، وقد يُسبب تصرفه هذا رد فعل ضده لا علاقة له لا بمخابرات ولا بالنظام ولا بنضاله أو أي معايير سياسية، قد يكون رد فعل من شخص على خلفية رومانسية أو اقتصادية أو على خلفية انتخابات محلية مرّت أو اقترب موعدها مبنية على أُسِس قبلية لا علاقة لها بالتوجهات السياسية، خصوصا بعدما ضعفت الأحزاب والأيدلوجيات وصارت العائلة تجري انتخابات داخلية لتختار ممثلها في البلدية والنتيجة تلزم اليساري واليميني والعلماني والأصولي.

قد يتعرض هذا "المناضل" لإطلاق نار على سيارته ليس لأنه مناضل كبير ومستهدف، بل لأنه أخذ قرضًا من السوق السوداء وعجز عن تسديده، ولهذا أتت طلقات النار على بيته أو سيارته لتحذيره من قبل عصابة مال أسود، ولكننا بسذاجتنا نشكل وفود التضامن مع هذا الرجل الذي يفتح بيته لاستقبال المتضامنين وهو يعرف بأن لا علاقة للسياسة بالأمر، ولكنه يفضل ترك هذا الانطباع كي لا يبوح بحقيقة القصة التي قد تكون فضيحة بالنسبة له.

المهم أن الوفود تأتي من كل حدب وصوب وتلقى كلمات التضامن من  الضيوف والمستقبِلين وتتشاور القوى السياسية الفاعلة على الساحة  فتصدر بيانات الاستنكار للعنف السياسي، وتصف الفاعلين بخفافيش الظلام والقوى الداعشية، ثم ينزل في اليوم التالي مقال أو أكثر في مواقع إلكترونية ويحتفي الفيسبوك بالهجوم عن قوى الظلام التي باتت منتشرة في كل بيت وبيت، وأنه إذا لم نتصد لهذا الظلام فهو سيلتهم الأخضر واليابس، وتصل التهمة للداعشية والداعشيين وهم أصلا ليسوا بوارد هذا المناضل ولا نضاله ولم يسمعوا به حتى بعد حادثة تعرضه للاعتداء.

هذا المناضل الأزعر يعرف أنها رسالة من عصابات القروض السوداء، وما عليه سوى تسديد دينه كي يكفوا شرهم عنه، وبالفعل لا نلبث أن نسمع بأن فلانا باع بعض أملاكه لتسديد ديونه، وتختفي التهديدات التي ظنناها سياسية وكأن السياسة تغيرت أو أن حضرته تراجع عن نضاله فسكتوا عنه.

حصلت وتحصل اعتداءات على أملاك على خلفيات كثيرة وأكثرها عادة القروض المنتشرة في السوق السوداء أو على خلفية الانتخابات المحلية التي تسبب الحزازات والعداوات بين أبناء عائلات وليس بين أحزاب سياسية، ولكن البعض يفضل تحويلها إلى عدوان سياسي من الطراز الأول.

الحقيقة أن الاعتداء على مختلفين سياسيًا وفكريا لدرجة إطلاق النار أو إحراق ممتلكات ليس موجودا في قاموس الأقلية الفلسطينية في داخل مناطق 48، باستثناء ما قامت وتقوم به عصابة تدفيع الثمن في بعض القرى ضد العرب عموما وليس ضد هذا الشخص بعينه أو ذاك، أو على خلفيات انتخابات محلية لا علاقة لها بالأيدلوجيات السياسية لا من يسار ولا يمين ولا ظلامية ولا تنويرية.

الاعتداء على خلفية فكرية بين حركاتنا السياسية واتجاهاتنا الفكرية فهو أكثر من نادر، أستثني العنف اللفظي والجسدي ضد المرأة، فهو واقع ولكن المرأة ليست حزبًا واتجاهًا، فالعنف اللفظي والمعنوي وحتى الجسدي ضدها لأنها امرأة وغير مقتصر على فئة سياسية بعينها.   

نتضامن مع ضحايا أي اعتداء ونرفض حل خلافاتنا بالعنف مهما بلغ الخلاف الفكري والسياسي، ولكننا نرفض أيضًا أن نلقي بقاذوراتنا الاجتماعية وتفاهاتنا الشخصية على قوى سياسية أخرى لا نتفق معها، فنشوّه العمل السياسي برمّته ونسجّل نقاطا وهمية على حساب مجتمعنا وعلى حساب السلم الأهلي، ونخلق توترات لا مبرر لها للوصول إلى غايات لا علاقة لها بنضال جماهيرنا ولغايات شخصية ضيقة.

وبالمناسبة إن إحراق نادي الحزب الشيوعي في عرابة البطوف عمل مستنكر ومرفوض مهما كان السبب والخلفية من وراء حرقه ونطالب بالكشف عن الفاعلين ومعاقبتهم، ونعم للنضال النظيف المشترك لا للزعرنة.

التعليقات