30/06/2017 - 10:18

الرجوب، الأقصى والإعلام

لم تكن هذه المرة الأولى التي يدلي بها القيادي في السلطة الفلسطينية، جبريل رجوب، بتصريحات "مثيرة" للإعلام الإسرائيلي.

الرجوب، الأقصى والإعلام

عبد الحكيم مفيد

لم تكن هذه المرة الأولى التي يدلي بها القيادي في السلطة الفلسطينية، جبريل رجوب، بتصريحات 'مثيرة' للإعلام الإسرائيلي.

وليس من المؤكد أنه 'تورط' في تصريحاته حول الأقصى في المقابلة التي أجرتها معه الصحفية الإسرائيلية، رينا متسليح، في برنامج 'ملف إعلام'، وإن كنت لا أنصح من لا يجيد العبرية إجراء مقابلة بالعبرية، كما يفعل الرجوب، فإن هذا لا يعفيه من كلام، هو في غاية الخطورة، قاله حول حائط البراق الذي أسماه كما يسميه الإسرائيليون 'هكوتل همعرفي'.

ليس من المفضل في حالة رجوب الحديث عن تصريحات شخصية وزلات لسانية في الإعلام، وأن الرجل تجاوز 'الإجماع الفلسطيني'، لأن الحقيقة ليست على هذا النحو، ولأن تصريحات تتفلت هنا وهناك بشأن القدس والأقصى، مؤخرا، تؤكد أن الرجوب يمثل حالة، فلسطينية وعربية وإسلامية كذلك، والأمور لا تحدث عفوا، بالضبط مثل جلسة الحكومة الإسرائيلية في الأنفاق، ولا تفصل هذه عن التسريبات بشأن اجتماعات تعقدها شخصيات من منظمة المؤتمر الإسلامي مع شخصيات إسرائيلية، وهي تتشابك في العمق مع زيارات التطبيع التي أجرتها شخصيات إسلامية أمثال الدكتور علي جمعة والحبيب الجفري، والآن بالذات يمكن فهم 'حوار الأديان' الجاري في السنوات الأخيرة عبر مؤسسات في الداخل والضفة الغربية وقطاع غزة، ويمتد إلى عواصم عربية وإسلامية، سرا وعلنا، لنرى 'ثماره' تنضج، عندما تصبح القدس مدينة 'الديانات الثلاث' بتسمية مليئة بالخبث، يصبح من السهل للغاية اعتبار 'حائط البراق' إلى 'هكوتل همعرفي'، بحسب جيريل الرجوب.

في الحرب على الأسماء

لا تنكر المؤسسة الإسرائيلية الرسمية أهدافها، ما كان يتم تمريره في السابق بواسطة جمعيات يهودية كانت تتهم بـ'التطرف'، صار الآن خطابا إسرائيليا رسميا توج باجتماع للحكومة الإسرائيلية، وهذا الوضوح التام يقابل بعملية تشكيك أو إثارة شبهة أو إعادة صياغة مفاهيم وأسماء وثوابت من جهة الفلسطينيين والعرب والمسلمين، مدهش للغاية.

لم تكن جلسة الحكومة الإسرائيلية في الأنفاق تحت المسجد الأقصى المبارك إلا  تتويجا لنقطة بداية لبدايات كثيرة، انتفاضة النفق، في حقبة بنيامين نتنياهو الأولى عام 1996، عندما تم افتتاح نفق طريق المجاهدين، الآن جاء بحكومته ليدمغ المكان بالسيادة، مدهش.

لكن الدهشة تزول حين نذكر أن نتنياهو افتتح النفق، فيما رفض عرب ومسلمون وفلسطينيون في ذات الأيام، 1996، قبول مقولة 'الأقصى في خطر'، اعتبرها البعض مبالغة، فيما رأى بها آخرون طريقا لتغيير الصراع إلى 'ديني'، أما 'ألطف' ما قيل في حينه فهو 'إننا نخشى أن يحصل معنا ما حصل مع الراعي والذيب'، رحم الله التاريخ.

التاريخ مهم

إذا هربت من التاريخ فإنه يصمم البقاء معك، قريب منك، السنين قد تمحو بعض التفاصيل، لكن جيريل رجوب الذي تنمر لتصريحاته الواضحة للغاية، كما سمعناها، يعلم أن هناك من لم يرفض أقواله، مع أنه من المفروض أن يرفض، محمود الهباش مثلا.

الهباش كان أكد في السابق أنه يجب تحرير الأقصى من اثنين، الاحتلال الإسرائيلي والحركة الإسلامية، الاخيرة حظرت وأصبحت كما يريد الهباش، والأول، أي الاحتلال ما زال هناك، والناس بانتظار شيء يقوله الهباش.

اللحظة الحالية هي مجمل تراكمات التاريخ، 'الأقصى في خطر' ليست مقولة دينية فحسب، والمدينة التي تكتسب قيمتها بالأساس من الأقصى تضيع، ومن صمم على الفصل بين الاثنين يجد نفسه الآن بدونهما.

لا تتحول القدس إلى 'مكان عبادة' عندما ترتبط بالأقصى، الأقصى يمنح المدينة مكانتها الروحية، التي تتجاوز المكانة الوطنية، التي تمنح هذه المكانة قوة وحضورا، فهل كان من المفروض أن يفصل الأقصى عن المدينة، حتى لا نقع في شرك 'الصراع الديني'؟ هذا الفصل هو الذي دفع الرجوب لأن يقول ما قال، وهو بخلاف ما يظن البعض لم يقل هذا الكلام على عاتقه الشخصي.

في القدس حصلت عملية مدهشة، طولب الفلسطينيون والمسلمون بإجراء فصل بين المدينة والأقصى، مع أن مكانة المدينة نابعة من الأقصى، فيما تمت على الجهة المقابلة بناء رواية بديلة توجها نتنياهو مع الحكومة الإسرائيلية بجلسة تحت الأقصى، داخل الأنفاق، بعد أن زار الرئيس الأميركي،  دولاند ترامب، حائط البراق ومنحه كل المعاني التي تحتاجها إسرائيل، كلام الرجوب جاء في ذات السياق، بالذات الرجوب المشغول في 'كرة القدم' و'الاتحاد العالمي لكرة القدم'، كليهما لعبة، تم القبض عليه في 'منطقة التسلل' بلغة كرة القدم والسياسة كذلك.

'تسلل' الرجوب إلى منطقة منتظرًا صفارة الحكم، ورغم إنكاره لما قال أو لـ'مقصده' الذي لم يفسر على نحو صحيح، فإن المقابلة تؤكد أنه كان واعيا لما يقول، فقد كررت رينا متسليح السؤال مرتين، حتى أنها بدت مستغربة عندما سألت في المرة الثانية.

الذي صمم على فصل المدينة عن روحها، يجد مدينة محاصرة ومحتلة ومصادرة، بلا أي روح سياسية، ويجد نفسه منشغلا كل الوقت في الترويج لرواية بديلة، ليس فقط أنه أخرج الأقصى من المعادلة 'المحرجة' وليس أنه لم يربح السيادة ولا 'العبادة'، لقد قبل برواية مفبركة، فكك المدينة وروحها، ومنح لآخرين رواية بديلة، 'هكوتل همعرفي' بحسب تعبير الرجوب هو ليس خطأ في التعبير، إنه الانتصار الذي حققته رواية 'الهيكل'، واحد من انتصارات أوسلو العظيمة. هذه هي نتائج 'سياسة الواقع' و'الأمر الواقع'.

 أذكر جيدا

كان ذلك يوم مهرجان الأقصى في خطر الثاني، وقبل انطلاق المهرجان بدقائق أجرت القناة الإسرائيلية بالعربية الأولى مقابلة ببث مباشر مع الشيخ رائد صلاح حول المهرجان، ومن الجهة الثانية استضافت عضو الكنيست من القائمة الموحدة توفيق الخطيب، وفي سياق الكلام حول ما إذا كان 'الأقصى في خطر'، أكد الخطيب أن 'الأقصى ليس في خطر' ودعا الجماهير إلى 'عدم المشاركة ' في المهرجان، رحم الله التاريخ، ومعه الذئاب.

لحظة الهجوم على الأقصى تتم الآن بشكل منظم، مدينة الديانات، كما يتم تسويقها بهدف انتزاع روحها الإسلامية، وتحويلها إلى مكان محايد، وبعدها الانقضاض عليها كما يحدث الآن، ومدينة الديانات التي حررها الهباش بالشراكة مع آخرين من 'الحركة الإسلامية'، هي مدينة أوسلو، المكان الذي رسمته أوسلو حتى وصل إلى اللحظة الحالية، أسماء جديدة ومعتقدات جديدة، ليس قبل أن يتم مسح آثار الرواية، من ضحك على 'الأقصى في خطر' سيجد نفسه مرغما على صياغة الرواية من جديد، مع محمود الهباش وحوار الأديان.

الأقصى والإعلام

قد تكون أزمة الخليج هي التي تشغل الإعلام حاليا، وقد نكون ما بعد الأزمة، بعد أن تبرع 'الوالد'، دونالد ترامب، بالتوسط بين 'أبنائه'، أنظمة هي أخوة في الرضاعة من أميركا، القصة الحقيقية تجري في القدس، في المسجد الأقصى، بهدوء وبدعم مباشر من العرب والمسلمين والفلسطينيين كذلك، تقترب المؤسسة الإسرائيلية من فرض أمر واقع جديد في المدينة، وفي الأقصى كذلك، هذه هي القصة الحقيقية للمرحلة، لا قطر ولا آل سعود.

من المهم دائما الالتفات لما يحصل في العالم العربي كأمر له علاقة بما يحدث هنا، الصراع الأهم يحدث في القدس، وتحديدت في محيط المسجد الأقصى، تمرير المرحلة القادمة يحتاج لشروط، لبيئة 'حاضنة'، لترويج، لأشغال، أهم هذه الشروط هي التقليل إعلاميا بما تقوم به المؤسسة الإسرائيلية في القدس، المسجد الأقصى ومحيطه، جلسة الحكومة الإسرائيلية مثلا، التي من المفروض أن تقلب أمورا رأسا على عقب، لأنها تخص السيادة بالأساس، هذه لم تحتل حيزا في الإعلام، كان شبه خبر، أشبه بتغريدة.

في ذات الأسبوع الذي غرد به جبريل الرجوب، هو ذات الأسبوع الذي تحدث به الشيخ عزام الخطيب عن 'عاصمة الأديان'، وليس هذا فحسب.

يلعب الإعلام العربي من الجهة المقابلة لعبة مثيرة للغاية، نقل الأخبار عن صلوات الجمعة والتي أصبحت ثابته تقريبا، ويلاحظ أن هناك منهجية في نقلها، تخلق انطباعا للخارج أن الأمور على ما يرام، أعداد المصلين الذين يقدر بالآلاف دائما (أقصد في أيام الجمعة)، وتكاد الأخبار السيئة تختفي، الحصار وممارسات المستوطنين والاقتحامات والاعتقالات، الإبعادات وأحكام السجن، وكل أشكال التقييدات، وتبدو الحياة في الأقصى على ما يرام، ناهيك عن اختفاء الأخبار بشأن الحفريات تحت المسجد، المختفية كليا.

يضاف إلى هذا المشهد الزيارات التي يقوم بها مسلمون إلى المسجد الأقصى من الدول الإسلامية، الزيارات السياحية المنظمة، والتي تضاف إلى الجهود الإسرائيلية لخلق 'أجواء إيجابية' عن الأقصى.

هذه الزيارات هي مصلحة إسرائيلية بالأساس، والفتاوى التي صدرت بهذا الشأن لدعم هذه الزيارات، والتي قادها علي جمعة والحبيب الجفري ومحمود الهباش، يتبين الآن كم كانت المؤسسة الإسرائيلية معنية بها.

أصحاب الفتاوى هؤلاء، لم يجدوا من المناسب ولو مرة واحدة استنكار ورفض الحفريات تحت الأقصى، وفرض إسرائيل سيادتها، فعليا وعمليا، على الأقصى، لأسباب يعرفها التطبيع، تحديدا وحوار الأديان بشكل أخص، وإن غدا لناظره قريب.

التعليقات