03/07/2017 - 12:47

الجزيرة المغضوب عليها...

يحاول النظام السعودي إعادة الإعلام العربي إلى العلبة التي كان محشورًا فيها قبل أكثر من عقدين بقليل، وبالتحديد، قبل ظهور فضائية الجزيرة التي منحت الإعلام العربي صورة ومكانة لم تكن معروفة من قبل

الجزيرة المغضوب عليها...

يحاول النظام السعودي إعادة الإعلام العربي إلى العلبة التي كان محشورًا فيها قبل أكثر من عقدين بقليل، وبالتحديد، قبل ظهور فضائية الجزيرة التي منحت الإعلام العربي صورة ومكانة لم تكن معروفة من قبل.

ترى الدول المحاصرة لقطر، بالإعلام المنفتح، إحدى أهم الأدوات التي أشعلت الحراك الذي هز أركان الوطن العربي الذي بدأ في العام 2011.

جريمة الجزيرة، أنها منحت هامشًا من حرية التعبير، أبرز مدى إحباط وغضب الشعوب العربية من أنظمة لا يشغلها شيء غير الاحتفاظ بملذات السلطة والغرق في الفساد ونهب خيرات البلاد واستعباد العباد، بينما ينتشر الجهل والفقر والمرض والبطالة بين صفوف شعوبها.

الجزيرة أحضرت شاهدين على العصر، ذكّر بعضهم بحقائق وأحداث تاريخية لا تريد لها الأنظمة أن تظهر.

الأنظمة باتت عاجزة عن صد الثورة المعلوماتية التي صارت تصل إلى كل بيت رغم أي رقابة، فلجأت إلى اتهام من ينقل المعلومات بدعم الإرهاب والتحريض على العنف، في هذه الحالة تتهم الجزيرة وقطر بالتعاطف مع حماس والإخوان، وقبلها مع حزب الله.

هي تهمة تشترك فيها السعودية مع مصر السيسي ضد حماس التي ترفض مبدأ التنازل عن المقاومة، وضد حركة الإخوان المسلمين التي ربحت الانتخابات في مصر وجرى انقلاب ضدها.

هو نفس المنطق الذي تمارسه إسرائيل، فكل من يفضح جرائم الاحتلال يتهم بالتعاطف مع الإرهاب، المحتلون والمستبدون يريدون ارتكاب جرائمهم دون أن يدري أحد بها.

مطلب إسكات الجزيرة ووسائل إعلام أخرى مدعومة من قطر هو، مطلب لدفن حرية التعبير، وحرمان الناس من سماع آراء مختلفة حول قضية واحدة، لأنهم يخافون من رد فعل الشعوب عندما تعرف الحقائق.

يريدون العودة إلى إعلام يعتبر علاج المرضى والتعليم والمسكن والتنفس مكرمات ملكية ورئاسية.

الجزيرة في إعلاناتها المستمرة لمواثيق حقوق الإنسان، أزعجت الكثير من الأنظمة التي تعتبر البلاد مزارع خاصة لها.

الإعلام العربي أبواق جوفاء لا تتورع عن أي كذب وتضليل لخدمة السلطة، وترديد تهم سخيفة مثل التخابر مع حماس والتخابر مع قطر التي وجهت للرئيس محمد مرسي. إعلام في حضيض الحضيض.

لم يعرف العالم العربي قبل الجزيرة برنامجًا حواريًا من الممكن أن نلمس فيه رأيًا مخالفًا في القضايا السياسية، ولا حتى الاجتماعية، لم يكن ممكنًا أن تطرح رأيا مخالفًا للرؤية الشمولية للنظام سياسيًا واجتماعيًا.

حتى أصحاب الأصوات المختلفة في القضايا الاجتماعية ركزوا على الإثارة والفضائح أكثر من هدف إصلاح المجتمع.

نعم هناك بعض المنابر الخارجة عن سيطرة السلطات كما كان في بيروت مثلا، ولكنها أيضا حملت وجهة نظر أحادية، أي أنها نقلت وجهة نظر الحزب أو التنظيم الواحد، وهي تنظيمية وتعبوية لصالح حزب أو فئة أكثر من كونها إعلاما حرًا موضوعيًا، لأن تفسيرها لمصطلح الإعلام والموضوعية يختلف تمامًا، فالموضوعية ومهمة الإعلام بنظرهم هي خدمة الحزب أو التنظيم أو المذهب حتى ولو بثمن طمس الحقائق.

أما عن الأفلام الوثائقية من صناعة الإعلام العربي، فهي كانت شبه معدومة، مع ظهور الجزيرة الوثائقية صار المشاهد العربي يرى برامج لم تخطر له على بال من قبل، ومن إنتاج عربي.

الإعلام العربي لم يكن يصل إلى المجتمعات الغربية إلا القليل النادر منه، وطبعا بدون دراسة لجمهور الهدف، ولوقت لا يزيد عن نشرة أخبار مرة في اليوم على الأكثر، أو بعرض مسلسلات أجنبية دون أي لمسة عربية في تلك القنوات، أي ردّ بضاعة الغرب إليه.

الجزيرة الإنجليزية كسرت هذا الجدار وصارت مصدرًا مهما للمعلومات لدى الرأي العام الأجنبي.

تلتقي أنظمة كثيرة متناقضة المصالح في عدائها للجزيرة، مثل الأنظمة في السعودية ومصر السيسي والسوري والأمريكي والإسرائيلي والإيراني وأبواقهم الإعلامية في وجهة نظر واحدة ضد الجزيرة، ووصل البعض من السفاهة أن اتهمها بفبركة الثورات العربية، وهذا يكفي لنعرف حجم تأثير هذه الفضائية وضرورة استمراريتها.

إيران التصدي للجزيرة من خلال قناة الميادين، ولكن الرؤية الأحادية الداعمة للنظامين الإيراني والسوري والمكلفة بالدفاع عنهما أدخلتها في بوتقة التحزّب الأعمى ولي عنق الحقيقة مهما كانت ساطعة، لأجل تسويق رواية النظامين، وهي لا تسمح بوجود رأي مختلف كما تفعل الجزيرة، فالرأي أحادي، ثم أنها أسهمت بشيطنة الثورات العربية وأنكرتها، ثم شيطنت المسلمين بحجة الدفاع عن الإسلام وكأنه لا يوجد إسلام غير إسلام الفقيه الخميني.

كانت السباقة في فضح الجرائم ضد المدنيين في قطاع غزة والضفة الغربية وفي أفغانستان والعراق ومصر وسوريا وليبيا وتونس، ونقلت أخبار الحراكات الشعبية في السعودية والبحرين والمغرب وفي كل بقعة من الوطن العربي ولهذا كان صحفيوها هدفا للعدوان وحتى القتل.

وأخيرًا، الجرائم التي شاهدناها بحق شعوب المنطقة من تصوير المواطنين العاديين أكثر بكثير من المشاهد التي صورتها الفضائيات، ولكن هذه الأشرطة تحتاج إلى منصة واسعة الانتشار كالجزيرة تعممها على الناس.

لا أدعي الكمال للجزيرة، وبلا شك توجد ثغرات هنا وهناك، ولا شك أنها تابعة للنظام القطري، بل هي مصدر اعتزازه وفخر صناعته، ولكن الجزيرة تطرح الحقائق والوقائع بموضوعية بنسبة 90% وهناك من يلغي الحقيقة تمامًا ويكذب بنسبة 99%. الجزيرة كانت بالفعل وما زالت جزيرة إعلامية مضيئة في ظلام إعلام عربي دامس، واستمرارها ضرورة حيوية للأمة كلها.

التعليقات