03/07/2017 - 13:14

المشتركة إلى أين؟

لا يمكن إمساك العصا من طرفيها؛ من جهة تريد، وبنوايا صادقة، الحفاظ على المشتركة، بل وتقويتها، ومن جهة أخرى تسلك مسلكًا يخفض سقف الخطاب والأداء السياسيّ لشعبنا كلّه، مستغلًّا موقعك الأوّل فيها (الذي تحوّل بقدرة قادر إلى رئيس للقائمة).

المشتركة إلى أين؟

كتب هذا المقال عشيّة دخول د. باسل غطّاس إلى الأسر، وقد خصّ به موقع 'عرب ٤٨'، وننشره اليوم كما كتب.


أعتقد أنّ انتخابات الكنيست القادمة ستجري خلال وجودي في الأسر، ويتملّكني قلق شديد حول استمرار القائمة المشتركة. لم يكن لديّ هذا القلق من قبل في الحقيقة، وكنت أراهن تمامًا على استمرار المشتركة، لدورة قادمة أو لدورتين على الأقلّ، معتمدًا في الأساس على قناعتي بأنّ الضغط والإرادة الجماهيريّة سيستمرّان في أداء دور حاسم في هذا الموضوع.

لكنّ تطوّرات سلبيّة عديدة جرت مؤخّرًا، تهدّد في رأيي مصير المشتركة وتعرّضه للخطر.

معروف للجميع دور التجمّع ودوري شخصيًّا في إقامة المشتركة، ويعلم الجميع كم سعيتُ لضمان إنجاح إقامة المشتركة وإزالة كلّ العقبات من أمامها، ولا سيّما في الساعات والدقائق الأخيرة قبل التوقيع على الاتّفاق. وقد ثابر التجمّع، وثابرت شخصيًّا، في فعل كلّ ما هو مطلوب لبناء وصيانة المشتركة وتطوير أدائها البرلمانيّ، وأشعر الآن تحديدًا أنّ مهمّة الحفاظ على المشتركة لم تعد سهلة، ولا سيّما في ظلّ التصرّفات الفرديّة لبعض النوّاب مؤخّرًا، وبخاصّة النائب أيمن عودة، مستخدمًا موقعه ولقبه كرئيس للقائمة المشتركة، ما يجعل الصمت على ذلك خطيئة سياسيّة ستؤدّي بالمشتركة إلى الهلاك.

كما هو معروف، فقد كان عودة، داخل الجبهة، من المعارضين لتشكيل القائمة المشتركة، إلّا أنّه بعد الانتخابات وحصوله على الموقع الأوّل، وبدء إدراكه قوّة ونفوذ المشتركة، تحوّل إلى أشدّ المؤيّدين لها ولضرورة الحفاظ عليها، ولهذا فإنّ نقد تصرّفاته السياسيّة، المتهاونة والمتجاوزة للخطوط الحمر، حتّى بمقاييس خطاب الجبهة أحيانًا، وتقويم هذه التصرّفات، يُعَدّ صونًا للمشتركة وحماية لها، ولهذا فهو واجب وطنيّ.

لا يمكن إمساك العصا من طرفيها؛ من جهة تريد، وبنوايا صادقة، الحفاظ على المشتركة، بل وتقويتها، ومن جهة أخرى تسلك مسلكًا يخفض سقف الخطاب والأداء السياسيّ لشعبنا كلّه، مستغلًّا موقعك الأوّل في المشتركة (الذي تحوّل بقدرة قادر إلى ‘رئيس قائمة‘).

أقمنا المشتركة لكي ترفع أداءنا، وتزيد من انتصاب قامتنا وعنفواننا، بصفتنا أصحاب البلاد والوطن، ولكي نكون أقوى في مواجهة المشروع الصهيونيّ الاستعماريّ، لا أن نصبح رديفًا لـ "ميرتس"، فتشارك بمؤتمر صحافيّ مع زهافا غالؤون في "يوم توحيد القدس"!

ليس مهمًّا ما قاله عودة في المؤتمر الصحافيّ، إنّما الموقع، والزمان، والطريقة الإسرائيليّة الصهيونيّة، سياقًا، ورمزيّة، وجوهرًا. كذلك المشاركة في مظاهرة "شالوم عخشاف" (سلام الآن) وحزب "هعفودا" (العمل) في تل أبيب، لمناسبة خمسين عامًا على الاحتلال. كيف تشارك باسمنا في مظاهرة شعاراتها صهيونيّة، وتفوح العنصريّة منها؟ لقد اختار المنظّمون تجاهل المشتركة وإقصاءها، بدل دعوتها للمشاركة في تنظيم المظاهرة بشعارات متّفق عليها.

لا نهرع يا صديقي لتلقّي الفتات على مائدة كلّ من يتحدّث عن "حلّ الدولتين"، حتّى ولو طلب أبو مازن ذلك وألحّ فيه. ولا أريد أن أفتح ملفّ زيارة أميركا، ولا سيّما مشاركة عودة في مؤتمر منظّمة "جي ستريت" الصهيونيّة، وكذلك مضمون خطاب التزلّف لمحمود عبّاس والسلطة الفلسطينيّة، من دون ولا كلمة نقد أو تحفّظ واحدة في مؤتمر حركة "فتح" الأخير برام الله، ناهيك عن طبيعة العلاقة المتماهية تمامًا مع مكتب عبّاس، والتحوّل إلى داعية لأوسلو بعد خراب بصرى.

المشكلة أنّ عودة في كلّ هذه المحطّات، كان يُدعى ويحضر ويتكلّم باسم المشتركة بصفته رئيسًا لها، وليس بصفته الشخصيّة أو الحزبيّة ممثّلًا للجبهة. وكما نعلم جميعًا، لم يُنتخب عودة لهذا المنصب، إنّما كان ذلك باتّفاق مركّبات المشتركة، وعليه من الطبيعيّ أن نتوقّع، بل أن نطالب عودة، وبشدّة، تمثيل مركّبات المشتركة كافّة، وليس مواقفه أو ميوله الشخصيّة أو الحزبيّة، وذلك من خلال المحافظة على برنامج المشتركة السياسيّ.

إنّ خطاب ومفردات وسلوك عودة أقلّ بكثير من البرنامج المتّفق عليه للقائمة المشتركة. السؤال: لم لا نرى نقاشًا، أو حتّى تحفّظًا من جبهويّين، ومن ممثّلي أحزاب أخرى من مركّبات المشتركة حول الشراكة مع "ميرتس"، والفاحشة السياسيّة بعقد مؤتمر صحافيّ مشترك في يوم احتلال القدس؟

الأنكى والمثير للاستغراب فعلًا، هو هذا الأسلوب، الذي يقع تحت عنوان التحدّث إلى المجتمع الإسرائيليّ، وفيه غياب للعنفوان والفخر، وأحيانًا لعزّة النفس، والتي يُفترض أن تميّز رئيسًا لقائمة تمثّل مجتمعًا كاملًا، ولديها 13 عضوًا في البرلمان.

لسنا ساذجين سياسيًّا، ولا نعدم الخبرة والذكاء لكي نفهم أنّ الدعوة لتشكيل "المعسكر الديمقراطيّ" التي يطلقها عودة صباح مساء، بما فيها المظاهرة في تل أبيب، وتحرّكات دوف حنين ونشاطه المكثّف لإقامة تنظيم "نقف معًا" (وهو يستثني منه اليهود المناهضين للصهيونيّة)، وتحويل "ميرتس" إلى شريك في الدعوة لمظاهرة الجبهة في حيفا، تعكس توجّهًا سيؤدّي على أرض الواقع، وربّما من دون قصد لدى البعض، إلى القضاء على القائمة المشتركة.

لقد خضنا نقاشات حول هذه القضايا الخلافيّة في كتلة المشتركة، وكان نوّاب التجمّع المبادرون إلى ذلك عادة، لكنّ الحوار الداخليّ هذا لم يفد، ولم يثن عودة عن الاستمرار في سلوكه الفرديّ وغير الوحدويّ. حان الوقت لأن يكون هذا النقاش علنيًّا، وأمام الجمهور، وفي هذا حماية للمشتركة وتحصين لها أيضًا.

لقد تحوّلت المشتركة للأسف، أو تكاد، بفضل قطف الرأس وخفض السقف، إلى مجرّد وكيل بين المواطن والسلطة، حتّى أنّ بعض النوّاب يتنافسون علنًا في مَنْ لديه علاقات أوثق وحميميّة أكثر مع الوزير الفلانيّ أو العلّانيّ، ومَنْ يستطيع تعيين مواعيد أسرع مع هذا الوزير أو تلك الوزيرة! لقد وصلنا إلى مشاهد مضحكة في المبارزة على مَنْ يعيّن أسرع موعدًا لاجتماع رؤساء السلطات المحلّيّة العربيّة مع وزير الداخليّة، أو الماليّة، من وراء ظهر زملائه، ثمّ يرفع الصور بسرعة البرق إلى صفحته في فيسبوك! وقد بلغ الأمر بالبعض ألّا يخجل من التقاط الصور مع أكثر الوزراء عنصريّة ويضعها في صفحته لتسويق إنجازاته. ما هذا الحضيض الذي وصلنا إليه؟ قبل المشتركة لم يكن أحد يجرأ على ذلك تحسّبًا من نقد الأحزاب العربيّة المنافسة.

كما وصلنا إلى مشاهد سرياليّة في موضوع الخطّة الاقتصاديّة، ومبارزات فارغة، من جهة المعنيّ بتكبير وتضخيم الإنجاز، ومن جهة المعنيّ بتقزيمه لكي لا يكون للطرف الأوّل "كريديت"، وفي ذلك شيء مسيء ومثير للسخرية، حتّى عند كبار الموظّفين وبعض الوزراء، الذين يستخدمون هذا التنافس الشخصيّ الأنانيّ لصالحهم.

هل من أجل هذا أقمنا المشتركة؟ لكي نعود إلى فترة الخمسينات والستّينات من موديل مخاتير السلطة، ولكن بلبوس وطنيّة وعصريّة ممهورة بختم المشتركة؟

ألم يقدّم شعبنا الكثير من التضحيات، جيلًا بعد جيل، حتّى تترسّخ حقيقة أنّنا نستطيع تحصيل حقوقنا من أكثر الوزراء عنصريّة، بكرامة، وعزّة نفس، ورأس مرفوعة، لأنّنا أصحاب حقّ وليس منة من أحد.

لسنا بحاجة لقائمة مشتركة لكي نكون وكلاء عصريّين، بل لكي نكون أقوياء، وعزيزي نفس، وأشدّاء في الدفاع عن حقوقنا ونيلها.

نعم، شعبنا يريد تحسين حياته اليوميّة، الاقتصاديّة والمعيشيّة، ويريد حلّ مشكلة السكن والبناء، والبنى التحتيّة، ومحاربة العنف. نعم، نريد أماكن عمل للنساء، وشعبنا يعلم أنّ المسؤول عن كلّ هذا حكومات إسرائيل، وهو لا يريد من نوّابه أن يكونوا وسطاء ووكلاء ذليلين، إنّما زعماء وقادة لشعب، يسعون لتحقيق المساواة حتّى في ظلّ حكومة اليمين المتطرّف، وفِي ظلّ العنصريّة المتفشّية، ببناء خطط وعلاقات عمل مهنيّة واستراتيجيّة مع الوزراء والسلطة التنفيذيّة، وليس عبر العلاقات الشخصيّة وتكتيكات "يعرف من أين تؤكل الكتف".

لسان حال شعبنا يقول:

لا تسقني ماء الحياة بذلّة *** بل فاسقني بالعزّ كأس الحنظل

ماء الحياة بذلّة كجهنّم *** وجهنّم بالعزّ أطيب منزل

التعليقات