23/07/2017 - 17:07

إعادة الاحتلال إلى القدس... ملاحظات أولية

لا أرمي في هذه المقالة إلى الاستفاضة في توصيف طاقات التحول الكامن في هذه الهبة ومعانيها. إلا أنه في هذه المرحلة المبكرة يمكن استخلاص بعض العبر الأولية

إعادة الاحتلال إلى القدس... ملاحظات أولية

ترمي السياسيات الإسرائيلية في السنوات الأخيرة، تحديدا منذ تولي نتنياهو رئاسة الحكومة عام 2009، إلى فرض حل الأمر الواقع في الضفة الغربية - منها تثبيت المستوطنات الإسرائيلية وزيادة عدد المستوطنين وتحويلها إلى واقع غير قابل للتغيير، وفرض السيطرة الإسرائيلية الفعلية على مناطق (ج)؛ تهويد القدس وتفتيت المجتمع الفلسطيني هناك؛ تأبيد الفصل بين غزة والضفة الغربية. وبعد انتخابات عام 2015 وسيطرة اليمين المطرف على وسائط الحكم في إسرائيل وتحوله إلى التيار المهيمن في دولة إسرائيل، بات المستوطنون "أسياد البلاد" قولا وفعلا، وارتفع منسوب ثقتهم بالنفس والتأثير السياسي، وزادت شهية إسرائيل للسيطرة على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 67 وتحويل الاستعمار إلى حالة طبيعية يتعايش معها السكان الفلسطينيون بواسطة "السلام الاقتصادي"، ورفع مستوى المعيشية وزيادة التعلق في الاقتصاد الإسرائيلي والمساعدات الخارجية. كل هذا يحصل في ظل عجز السلطة الفلسطينية منع أو إعاقة جدية للخطوات الإسرائيلية. 

مؤخرا بدأت الحكومة الإسرائيلية والكنيست بسن عدد من القوانين التي تعمل على ضم المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية وفرض السيادة الإسرائيلية هناك، ولو ببطء وبشكل غير مباشر أو غير معلن، ووضع سياسات ترمي إلى أسرلة القدس الشرقية بشكل نهائي. ولعل إسرائيل اقتنعت فعلا أنها تحقق أهدافها في الضفة الغربية القدس المحتلة، تحديدا، ونجحت في ترسيخ الاستعمار دون أي ردة فعل جدية من الفلسطينيين ودون أي ثمن سياسي جدي، وبات الانطباع لدى صناع القرار الإسرائيلي بأن سكان القدس ساوموا بين الانتماء القومي الوطني ومخصصات التأمين الوطني، وإنها نجحت في ترويض الانتماء القومي وتخدير سكان القدس بإغراءات الحياة اليومية. طبعا شهية إسرائيل زادت بعد فوز ترامب بالرئاسة الأميركية، وتوطيد التحالف بين إسرائيل وبعض الدول العربية، وغرق دول عربية مركزية باحتراب داخلي وإخراجها خارج محور الصراع. أي أن البيئة الإقليمية والعالمية والمحلية تشجع إسرائيل على الاستمرار بسياسات فرض الأمر الوقاع وتغيير الجغرافية والديموغرافية دون رجعة، لمنع أي حل سياسي سلمي في المستقبل. الحكومة الحالية تعمل على رفض أي حل سياسي حالي وعلى تقويض أي إمكانية لحل سياسي سلمي مبني على الفصل بين إسرائيل والفلسطينيين مستقبلا. وها هي تريد استغلال البيئة الإقليمية والعالمية والمحلية، وأن تستثمر الحادث في الأقصى، لفرض واقع جديد يعني فرض السيادة الإسرائيلية بشكل نهائي على الأقصى المبارك والقدس الشرقية. 

في هذا الواقع جاءت عملية الأقصى ومن بعدها الهبة الشعبية لنصرة القدس والأقصى لتعيد سكان القدس وكافة الفلسطينيين إلى واقع الاستعمار والاحتلال الإسرائيلي للقدس والمناطق الفلسطينية. هي صفعة في وجه السياسيات الإسرائيلية والسبات الفلسطيني والخمول السياسي لدى الفلسطينيين في الداخل. وبهذا المعنى خلطت، الهبة الشعبية، الأوراق مرة أخرى في وجه الجميع. إرادة الشعب وكرامته والانتماء القومي الفطري فتح ملفات الاستعمار والاحتلال من جديد. 

لا أرمي في هذه المقالة إلى الاستفاضة في توصيف طاقات التحول الكامن في هذه الهبة ومعانيها. إلا أنه في هذه المرحلة المبكرة يمكن استخلاص بعض العبر الأولية، منها: 

1- الشعب الفلسطيني رفض المساومة بين تحسين ظروف الحياة اليومية وبين الحقوق القومية الشرعية. وهو مستعد للدفاع عن حقوقه ومقاومة الاحتلال ولو بشكل عفوي غير منظم ودون قرار سياسي، ومستعد لدفع الثمن. 

2- الشعب يمكنه فرض واقع مختلف وأن يرفض الخضوع حتى في أسوأ الظروف. سكان القدس أعادوا الأمل والروح للنضال الفلسطيني وأثبتوا أن الاحتلال هو القضية الأساسية. 

3- شهية الاحتلال ليس لها قاع. كلما تراجع أو تنازل الفلسطينيون، زادت المطالب الإسرائيلية ومحاولتهم لقضم المزيد من الأراضي والحقوق الفلسطينية. 

4- في الأزمات السياسية أو الأمنية يتبخر ما تبقى من "اليسار الإسرائيلي" ويتجند ما يسمى بـ"المعسكر الديموقراطي الإسرائيلي" خلف وحدة الصف وفي صالح المشروع الاستعماري الإسرائيلي. 

5- الدفاع عن القدس والأقصى ومواجهة الاستعمار، تدفع إلى انصهار النضال السياسي بين شطري الخط الأخضر. وها نحن نرى على أرض الواقع، واعتقد أن ذلك سابقة سيكون لها تبعات هامة، اندماج الداخل الفلسطيني في النضال السياسي في مواجهة الاستعمار الإسرائيلي في القدس. ولا أقصد فقط النضال الشعبي، إنما هناك تدخل في عملية اتخاذ القرار الفلسطيني. القائمة المشتركة ولجنة المتابعة كانوا شركاء مع القوة الوطنية والدينية في القدس في تحديد الموقف الفلسطيني وتثبيت رفض وضع البوابات الإلكترونية على مداخل الأقصى ورفض كافة البدائل. 

6- عادت القدس إلى قلب الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ووحدت كافة فئات الشعب الفلسطيني، ووضحت أن القضية الأساس هي احتلال القدس وليس الأقصى فقط، وأن النضال لا يقتصر على البعد الديني، إنما على الحقوق القومية الطبيعية للشعب الفلسطيني وعلى حقه في السيادة الكاملة على مدينة القدس، من ضمنها الأماكن المقدسة. 

7- تعلمنا من أحداث الأسبوع الأخير أنه بالإمكان التصدي وإفشال السياسات الإسرائيلية حتى في وضع اختلال توازن القوى. 

8- استنتاج إضافي، هو الحاجة إلى إسقاط حكومة اليمين الإسرائيلية ومواجه التيار اليميني الديني الفاشي في هذه المرحلة، لأن بقائه يعني تفجير الصراع وإعادته إلى لعبة صفرية دموية بين المشروع الوطني الفلسطيني والمشروع الصهيوني، وفي هذا خطر وجودي لكل من يعيش في هذه البقعة الجغرافية، خاصة بعد ضخ بُعد ديني للمشروع الصهيوني. 

9- تعيد الهبة الحالة، أهمية الوحدة السياسية للفلسطينيين في الداخل وأهمية العمل المشترك تحت سقف سياسي متفق عليه من قبل كافة التيارات السياسية. علينا تأجيل نقاش الخلافات السياسية التقليدية بين كافة التيارات السياسية والعمل وفق المصلحة الوطنية العامة.  

10- الحالة الراهنة تعيد إلى ذهنية المواطن العربي في الداخل ارتباط ظروف الحياة اليومية بانتهاء الاستعمار الإسرائيلي، وتوضح أن أي توتر ومواجهة ستؤثر بالتأكيد وبشكل مباشر في ظروف الحياة للفلسطينيين في الداخل. بهذا المعنى يخطئ من يرى وجود إمكانية لعزل نضال الفلسطينيين في الداخل عن النضال الفلسطيني العام، والاكتفاء بالمطالب المعيشية اليومية المدنية. 

هذه الاستنتاجات والعبر الأولية قد تأسس لواقع جديد مختلف في الأشهر والسنوات القادمة، وعلينا وضع فرضيات العمل والنضال على هذه الأسس. التغيير حصل ولا يمكن العودة إلى الخلف. ولكي لا نعود على أخطاء الماضي، يجب أن نبلور مواقفنا وسياساتنا وفقا لهذا الواقع. الشعب الفلسطيني يرغب بالحصول على استقلاله وإنهاء حالة الاستعمارـ وعلى حياة كريمة حرة كباقي شعوب الأرض وسوف يستمر بالنضال لتحقيق ذلك.


* أمين عام حزب التجمّع الوطنيّ الديمقراطيّ 

 

التعليقات