05/08/2017 - 12:35

بين شرطة أمن المواطن وشرطة "أمن الدولة"

ما زال موضوع افتتاح مراكز لشرطة إسرائيل في قرانا ومدننا العربية، يثير جدلا حادا في مجتمعنا الفلسطيني، لما ينطوي عليه من إشكالية وتناقض يزداد احتدما، مع سقوط كل شهيد إضافي برصاص الشرطة، ومع وقوع ضحية جديدة برصاص العنف والجريمة الذي

بين شرطة أمن المواطن وشرطة

ما زال موضوع افتتاح مراكز لشرطة إسرائيل في قرانا ومدننا العربية، يثير جدلا حادا في مجتمعنا الفلسطيني، لما ينطوي عليه من إشكالية وتناقض يزداد احتدما، مع سقوط كل شهيد إضافي برصاص الشرطة، ومع وقوع ضحية جديدة برصاص العنف والجريمة الذي يضرب مجتمعنا.

أنه كلما ازدادت الحاجة المجتمعية لتدخل وتواجد شرطوي لمكافحة العنف والجريمة في مجتمعنا، ازداد طردا منسوب العداء والقتل برصاص الشرطة، وهو قتل وعداء غير مرتبط بحالات مكافحة هذا العنف، والجريمة التي تقع تحت سمع وبصر الشرطة، التي لا تتحرك كما يجب لمكافحتها.

لقد أصبحنا نعد الضحايا على يدين اثنتين، بالأولى نعد ضحايا عنف الشرطة التي تتعامل مع العرب كأعداء، تستسهل الضغط على الزناد لقتلهم، بغض النظر إذا كانوا مقاومين/متظاهرين أو مجرد مخالفين في قضايا مدنية روتينية، وفي الثانية نعد الضحايا الذين يسقطون برصاص العنف والجريمة التي باتت تحرق بنارها المزيد من مساحات الأمان والطمأنينة التي ميزت مجتمعنا.

في الأمس القريب، سقط في النقب المربي يعقوب أبو القيعان، من أم الحيران، برصاص شرطة إسرائيل التي داهمت قريته الآمنة فجرا لتحمي الجرافات التي جاءت لهدمها بغية إقامة مستوطنة يهودية على أنقاضها، وفي المثلث أردت شرطة إسرائيل الشاب محمد طه من كفر قاسم قتيلا، بعد إطلاق النار على رأسه من مسافة قريبة، وفي الجليل، سقط في بلدة كفر كنا، التي يحتدم فيها الجدل هذه الأيام حول موضوع إقامة مركز شرطة سقط خير حمدان بعد إطلاق النار عليه، وإصابته في الجزء العلوي من جسمه، وفي يافا لم تهدأ المدينة بعد على خلفية الجريمة التي ارتكبتها الشرطة، يوم السبت، من الأسبوع الماضي، وراح ضحيتها الشاب مهدي السعدي خلال مطاردة على خلفية وصفت بالجنائية، هؤلاء انضموا إلى أكثر من 55 ضحية عربية غالبيتهم من الشباب، سقطوا برصاص الشرطة منذ عام أحداث هبة القدس والأقصى عام 2000 التي سقط خلالها 13 شهيدا بهذا الرصاص.

بالمقابل نرى أن شرطة إسرائيل التي تحث الخطى وتحشد المئات من أفرادها لهدم بيت من الصفيح في النقب، تتوارى وتتباطأ بل تتقاعس وتتخاذل في القيام بواجبها، في منع وقوع الجريمة، وفي الكشف عن الجناة بعد وقوعها ومن المفارقات المحزنة أن نسبة أعمال العنف والجريمة في القرى والمدن المقام فيها محطات شرطة أعلى من القرى التي لا يوجد فيها مثل تلك المحطات.

وجميعنا نذكر أن قرار إقامة محطات شرطة وتشكيل ما يسمى بـ"الهيئة الشرطية الخاصة بالمواطنين العرب" جاء على خلفية العملية التي نفذها نشأت ملحم في تل ابيب، وسط تحريض منقطع النظير من قبل رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، الذي اتهم العرب بانهم يشكلون دولة داخل الدولة، وهو خطاب تمخض عن تعزيز إجراءات هدم البيوت ومحاولة تعزيز التواجد الشرطوي في القرى والمدن العربية كوسيلة لفرض "سلطة الدولة المفقودة" في هذه المناطق، وفق ادعاء نتنياهو، ولاحقا جرى تسويغ وتسويق هذا تحت عباءة مكافحة العنف وخدمة أمن المواطن العربي.

قبل عملية نشأت ملحم وقرارات نتنياهو، كانت أحداث انتفاضة الأقصى عام 2000، وتوصيات لجنة أور التي حققت في سلوك الشرطة الإسرائيلية، وخلصت إلى نتيجة ضرورة زيادة التواجد الشرطوي في القرى والمدن العربية، بعد أن عزت القتل وبررته بنقص في القوى البشرية ووسائل القمع غير القاتلة لدى الشرطة، وهو استمرار للتعاطي الأمني مع العرب ومع الشرطة وأجهزتها كذراع أمني يجب تعزيزه من خلال إقامة المزيد من مراكز الشرطة في القرى والمدن العربية لتشديد قبضة الضبط والسيطرة على العرب.

وجاءت محطات الشرطة والشرطة الجماهيرية التي أنشأت عام 2000، لتطبيع علاقة شرطة إسرائيل بالعرب، وتحسين صورتها التي شوهتها أحداث أكتوبر 2000، إضافة إلى سد الثغرات التي كشفتها تلك الأحداث والمتعلقة بجمع المعلومات وبالتواجد الفعلي داخل التجمعات الفلسطينية في الداخل، وليس من المستغرب أن البند الوحيد الذي التزمت به حكومة براك في خطة الأربعة مليارات التي خصصت للعرب عقب تلك الأحداث، هو بند محطات شرطة في القرى والمدن العربية تحت واجهة "شرطة جماهيرية" سرعان ما تبين أنها تساهم في أعمال القمع على حواجز الضفة الغربية.

وإذا كان هناك من يسعى إلى تأكيد إضافي للمنطلق الأمني الذي يقف وراء افتتاح محطات الشرطة، فتكفي الإشارة إلى تصريح رئيس دولة إسرائيل رؤوفين ريفلين، خلال الاجتماع المشترك الذي جمعه بقائد شرطة إسرائيل روني ألشيخ، ورئيس اللجنة القطرية مازن غنايم وبعض رؤساء المجالس العربية، فقد قال ريفلين، "في هذه الأيام والتي تقوم فيها قوى التطرف برفع رؤوسها، يتم تذكيرنا كم هو سهل التدمير وإشعال الأجواء، وفي مثل هذه اللحظات، لدينا امتياز لتحصين حس العدالة لدى كل الأطراف، علينا أن نتكاتف. لنثبت معنى القيادة".

كان هناك من يبحث عن دليل بأن شرطة إسرائيل هي أبعد ما يكون عن مواصفات ومعايير جهاز الشرطة المدني القائم في الدول المتحضرة، والمخول بالحفاظ على النظام والسلامة العامة للمواطنين، فلينظر إلى دورها في أحداث القدس الأخيرة، تلك هي شرطة إسرائيل، خاصة عندما يتعلق الموضوع بالعرب الفلسطينيين، أنها اقرب إلى قوات الأمن العام والبوليس السياسي القائمة في دول العالم الثالث، والمكلفة بقمع الناس والحفاظ على نظام الحكم مع فارق بسيط هو اقتصار هذا القمع على جزء من "الناس" هم العرب، وبغض النظر عن وجود وحدات عسكرية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، مثل حرس الحدود والـ"يسام" و"اليمام" تنضوي تحت لواء الشرطة، وهي التي تقوم بمقام جيش الاحتلال في القدس، بسبب الوضعية القانونية للمدينة المحتلة، وهو أمر ينسحب على الجليل والنقب والمثلث. وإلى أن تقوم شرطة مدنية هدفها "خدمة الشعب" وحفظ أمن المواطن وأمان المجتمع العربي، سنبقى نعاني من القتل المزدوج ولن ينتهي النقاش والرفض لانتشار الشرطة الأمنية في قرانا ومدننا.

التعليقات