14/08/2017 - 14:06

لا حرب ولا سلام في الأزمة الكورية

قسمت كوريا في نهاية الحرب العالمية الثانية إلى شطرين، شمالي تحت سيطرة الاتحاد السوفييتي مساحته 120 ألف كيلو متر مربع، وجنوبي تحت السيطرة الأميركية مساحته 100 ألف كيلو مربع، وذلك مع هزيمة واستسلام اليابان، فقد كانت كوريا كلها قابعة تحت

لا حرب ولا سلام في الأزمة الكورية

لم يعد ممكنا لأي بقعة في عالمنا الصغير أن تكون بمنأى عما يحدث في بقعة أخرى، فقد تقلص حجم الكرة الأرضية نتيجة للتطورات العلمية في الاتصالات والمواصلات، وما قد يحدث في كوريا ممكن أن يؤثر على ما يحدث في أي بقعة من الأرض، إلا أن التوتر بين الكوريتين لم يأت من فراغ وهو استمرار لسيرورة تاريخية طويلة المدى.

قسمت كوريا في نهاية الحرب العالمية الثانية إلى شطرين، شمالي تحت سيطرة الاتحاد السوفييتي مساحته 120 ألف كيلو متر مربع، وجنوبي تحت السيطرة الأميركية مساحته 100 ألف كيلو مربع، وذلك مع هزيمة واستسلام اليابان، فقد كانت كوريا كلها قابعة تحت الاحتلال الياباني منذ عام 1910 حتى العام 1945.

هذا يعني أن كوريا لم تكن مقسمة منذ الأزل وأن هناك احتلالا أجنبيا قسمها، وهي تشبه حالة ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية مع فارق أن ألمانيا كانت هي المعتدية، بينما كوريا كانت محتلة وضحية لقوى إقليمية عظمى، وهناك عائلات وأسر تقطعت أوصالها بين الكوريتين تمامًا مثلما تقطعت بعض عائلات شعبنا الفلسطيني عن بعضها البعض بعد النكبة عام 1948.

اجتاحت المدن الكورية بشقيها مظاهرات واحتجاجات على تقسيم كوريا لفترة طويلة وسقط ضحايا بالآلاف وتدخلت أميركا لقمع المتمردين والمتظاهرين الذين هاجموا مؤسسات النظام العميل لأميركا في الجنوب، وقمع المحتجين في الشمال.

في العام 1950 بدأت كوريا الشمالية حربًا بهدف توحيد الكوريتين مدعومة من الصين والاتحاد السوفييتي وحققت إنجازات كبيرة في البداية، إلا أن أميركا تصدت لها بقرار من الأمم المتحدة وجندت قوى حليفة معها لتستمر الحرب ثلاث سنوات.

في العام 1953 وقعت اتفاقية وقف إطلاق النار وعاد كل طرف إلى حيث كان، وفشل الرئيس الشيوعي ومؤسس كوريا الشمالية، كيم إل سونج، بتوحيد الكوريتين بعد خسائر من كل الأطراف وصلت إلى مئات آلاف القتلى معظمهم من الصينيين المتطوعين والكوريين والأميركيين.

انتهاء الحرب الكورية انشغل كل طرف باقتصاده وببلاده، وفي عام 1994 توفي الرئيس الشمالي المؤسس كيم إيل سونج وأورث ابنه كيم إيل سونغ حتى عام وفاته عام 2011 وورث عنه الحكم الحفيد الرئيس الحالي كيم جونغ أون، وهو في سن الثامنة والعشرين، وهذا يعني أن النظام في كوريا الشمالية هو نظام ملكي ولكن برداء شيوعي، بينما تأسس في كوريا الجنوبية نظام حكم ديمقراطي على الطريقة الغربية فيه تداول للسلطة بين أحزاب وليس وراثيا، رغم مرور حقبة بين 1960 الى 1980 من حكم الدكتاتوريات العسكرية إلا أن النظام استقر على التعددية الحزبية.

نتيجة الفرق بين النظامين على مدار حوالي سبعة عقود واضحة، فهناك فارق هائل في خدمات الصحة والرياضة والفنون والعمران لصالح الجنوب، وفارق هائل في دخل الفرد لصالح الجنوب بفضل الحريات التي أتاحت التطور العلمي والمنافسة في الصناعات ومنها السيارات والأدوات المنزلية والصناعات الدقيقة والروبوتات والكيماويات وتصديرها للعالم بينما تعتمد الشمالية على تصدير الفحم للصين، وعلى صناعة الغزل والنسيج لصالح شركات صينية، ولها شبكة مطاعم من 100 فرع في العالم، إلى جانب تزييف الدولارات الأميركية بدقة اضطرت أميركا لتغيير الورقة من فئة 100 دولار عام 2013، وتركز على صناعة الأسلحة الصاروخية التقليدية وأصلها روسية وصينية مثل سكود وتطويرها وعلى الذخائر، وتصديرها.

النتيجة أن النظام الشيوعي في الشمال المحصور بأسرة واحدة يعاني من عزلة دولية حتى أنه أغضب حليفته الصين بسبب برامجه النووية فأوقفت استيراد الفحم منه، وأوصل شعبه إلى حالة بؤس ورعب وفقر مدقع بسبب خلو المنافسة والفساد بدون رقابة وهو الأمر الذي أدى لانهيار المعسكر الاشتراكي في أواخر ثمانينيات القرن السابق باستثناء الصين التي لحقت حالها وأجرت تحولات جذرية ساعدتها في تطوير نفسها، خصوصا في العقود الثلاثة الأخيرة، وبعد عودة هونغ كونغ الرأسمالية الغنية إليها عام 1997 بعد استعمارها 156 عامًا من قبل بريطانيا بموجب اتفاقات قديمة.

بينما تشهد الجنوبية ازدهارًا اقتصاديا كبيرًا يفرضه التطور الدينامي للاقتصاد الحر والمنافسة، إلى جانب أن معظم إنتاجها يكرّس للرفاه الاقتصادي والعلمي والرياضي ويترك ثقل الجانب الأمني على الولايات المتحدة.

وتحتل كوريا الجنوبية المكان الخامس عشر عالميًا على المستوى الاقتصادي، وهي ضمن مجموعة العشرين الأوائل في العالم بينما تعتبر الشمالية من الدول الأفقر في العالم.

الدخل القومي السنوي للفرد في كوريا الجنوبية يصل إلى 32 ألف دولار، وفي الشمالية يصل إلى 850 دولارا فقط.

هذه المعطيات تشير إلى أن نظام التعددية الحزبية والمنافسة بعيدا عن الدكتاتورية يتفوق على الأنظمة الدكتاتورية الفاسدة.

وللنظام ونوعيته دور حاسم في تقدم أو تخلف البلاد، فحيث التعددية ونظام يسمح بمحاسبة المسؤولين ولا يسمح بتوريث الحكم وحيث لا توجد انقلابات عسكرية للسيطرة على الحكم بالقوة تزدهر البلاد والعباد.

لن تصل الأزمة الكورية إلى مواجهة عسكرية لأن جونغ يعرف مهما كان مجنونا أن إشعال حرب قد يعني نهاية حكم سلالته إلى الأبد، ولهذا لن يكون هناك حرب ولا سلام، لأن السلام الحقيقي يعني توحيد الكوريتين كما توحدت ألمانيا التي قسمت بعد الحرب العالمية الثانية، وهذا مستحيل في المدى المنظور.

تهديدات جونغ المستمرة بالحرب بسبب الضائقة والفقر المدقع الذي وصلت إليه بلاده فالفقر يطحن الشعب، وما التهديدات والإصرار على البرامج النووية سوى محاولة لكسر حدة الحصار والحصول على أوكسجين قليل يمد في عمر نظامه وحكمه الذي لا يمنح شعبه سوى الفقر والتهديد والقتل والإذلال ويفتعل الأزمات لهدف واحد لا غير أن يستمر بالسلطة.

 

التعليقات