30/08/2017 - 11:51

تديين العلوم

في لحظة صراحةٍ، كشفت مؤلفة كتاب العلوم للصف الأول الابتدائي في المدارسالإسرائيلية، في استجواب أجرته صحيفة هآرتس عشية افتتاح السنة المدرسية الجديدة، أن وزارة التربية والتعليم في دولة الاحتلال هي التي طلبت أن يتضمن هذا الكتاب نصوصًا دينية تتعلق بالاستسقاء

تديين العلوم

في لحظة صراحةٍ، كشفت مؤلفة كتاب العلوم للصف الأول الابتدائي في المدارس الإسرائيلية، في استجواب أجرته صحيفة هآرتس عشية افتتاح السنة المدرسية الجديدة، أن وزارة التربية والتعليم في دولة الاحتلال هي التي طلبت أن يتضمن هذا الكتاب نصوصًا دينية تتعلق بالاستسقاء لدى الحديث عن آليات زراعة الأرض.

كان سؤال مُراسل الصحيفة: في فصل "ماذا يفعل المزارع في الخريف؟" ورد أن جلّ ما يفعله بعد أن يحرث الأرض ويزرع البذور، هو أن يصلّي. وفي إثر ذلك مباشرة، تم إيراد نص صلاة المطر من كتاب التوراة. فما هي العلاقة بين كتاب علميّ وهذه الصلاة؟ شخصيًا، أعيش في مستوطنة زراعية، وأزرع أحيانًا بعض الخضراوات من دون أن أصلّي، ولا تواجهني أدنى مشكلة في تربيتها.

وجاء جواب مؤلفة الكتاب: فعلت ذلك نزولًا عند رغبة وزارة التربية والتعليم التي تطلب تطرّقًا إلى النصوص الدينية اليهودية منذ الصفوف المدرسية الأولى. ومثل هذا الاتجاه الذي ينزع نحو تديين جميع مناحي الحياة، آخذ في التعزّز في الآونة الأخيرة. ومن الواضح لي أن هذا كله لا يمت بأي صلةٍ إلى مادة العلوم.

يشتمل هذا الجواب على اعترافٍ صريحٍ بأن الكتب المتداولة في المدارس الإسرائيلية لا تحصل على ترخيص إلا بعدما تعيد إنتاج الرواية المُمنهجة التي ترعاها دولة الاحتلال، فهذه الكتب ما تزال، دون غيرها من مصادر المعلومات الأخرى، وسيلة قوية توظفها هذه الدولة في تشكيل أنماط الإدراك الحسي والتصنيف والتفسير والذاكرة، وتلك جميعًا عوامل تساهم في تحديد الهويتين الشخصية والقومية وبلورتهما.

ولئن كان التساجل السالف يهدف إلى إبراز اتجاه تديين الكتب المدرسية، بما في ذلك العلمية، بالأساس في نطاق نقاش داخلي مُحتدم بين السكان اليهود أنفسهم، فإن التساجل بشأن كيفية تناول الكتب المدرسية الإسرائيلية موضوع فلسطين والفلسطينيين قلّما يحظى بمثل هذا الاهتمام. وفي هذا الموضوع مسألتان:

الأولى، من يتولى وزارة التربية والتعليم في الحكومة الإسرائيلية الحالية هو نفتالي بينت، رئيس حزب البيت اليهودي. وقبل فترة وجيزة شارك متابعيه على صفحته في "فيسبوك" رسمًا كاريكاتوريًا له من صحيفة، يظهر فيه وهو يمسك ممحاةً، يمحو الخط الأخضر بها. وعلى قنينة سائل التنظيف، الموضوعة جانبًا، كتبت بأحرف كبيرة كلمة "التسوية"، والقصد أن ما يُسمى قانون التسوية الذي صادق عليه البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) أخيرًا، ويشرعن كل البؤر الاستيطانية التي أقيمت على أراض فلسطينية خاصة، يؤدي عمليًا إلى محو الخط الأخضر. والمعنى المُضمر هنا أنه حتى إذا ما قرّرت المحكمة العليا، في نهاية المطاف، إلغاء هذا القانون ستبقى لبينت قبعة ثانية، يستطيع فيها الاستمرار في تشجيع محو هذا الخط، وكينونة الاحتلال في أراضي 1967 من وعي التلامذة الإسرائيليين.

الثانية، بين الفينة والأخرى، يُعاد التذكير أن أكثر ما تُشدّد الكتب المدرسية الإسرائيلية عليه هو "مذهب الاستمرارية اليهودية في فلسطين"، من خلال اجتثاث جميع الإشارات التي تدل على استمرار وجود الفلسطينيين على هذه الأرض. وسبق لأحد المفكرين أن علّق على هذا الاجتثاث بقوله إن العقيدة الصهيونية" اعرف وطنك" تعني، من ناحية جوهرية، نسيان ألفي عام من الحضارة الغنيّة التي قامت على ربوع هذه الأرض، والتي يشكل إنكارها إحدى العقائد الثابتة التي ترتكز عليها الصهيونية، وتتوالد في صور أدبية تقدّمها الكتب المدرسية. ويتألف هذا الإنكار من شقين، فهو يخفي الحياة التي عاشها اليهود والعالم الذي نشأوا فيه في ما يُسمى "الدياسبورا"، ويخفي حياة فلسطين وعالمها من دون سكانها اليهود. ومع أن هذه الرواية الرسمية التي تسوّقها الكتب المدرسية الإسرائيلية خضعت إلى تغييرات على مدى السنوات، غير أنها ظلت تغييراتٍ طفيفة، وبقي مركز الثقل في الكتب للرواية الصهيونية القديمة.

(العربي الجديد)

التعليقات