05/09/2017 - 18:31

رسالة للمربيات المناضلات: لئلا نبدل البيارة بحز ليمون

مع افتتاح السنة الدراسية وعودة 600 ألف طالب فلسطيني في إسرائيل لمقاعد الدراسة، نشرت وسائل إعلام محلية نحو عشر مقابلات إعلامية عن افتتاح السنة الدراسية.

رسالة للمربيات المناضلات: لئلا نبدل البيارة بحز ليمون

مع افتتاح السنة الدراسية وعودة 600 ألف طالب فلسطيني في إسرائيل لمقاعد الدراسة، نشرت وسائل إعلام محلية نحو عشر مقابلات إعلامية عن افتتاح السنة الدراسية.

في كافة هذه المقابلات استخدم مسؤولون يهود وعرب في وزارة التعليم، اليوم، كلمة "الوسط العربي"، في إشارة للمواطنين الفلسطينيين في إسرائيل وتحاشيا مقصودا لتسميتهم بـ"المجتمع"، عملا بمبدأ التفتيت والتقسيم حتى على مستوى اللغة، مما أثار بي نوعا من القلق والهواجس وذكرني بإستراتيجية قديمة تهدف عملت وتعمل من أجل التدجين والتهميش التي يتعرض لها بناتي وبقية أبنائنا.

يقول أهل الصحافة، إن الصورة بألف كلمة، لكن ليس دائما، لأن الكلمة أيضا تختزل أحيانا عالما كاملا وهي لا تقل قوة بالتعبير، بالعكس. كيف لا واللغة وعاء الحضارة وأداة للتأثير على الوعي، لا وسيلة اتصال فحسب.

تدلل تجارب التاريخ أن الأوطان تبنى أولا من كلمات، ويكفي على سبيل المثال شطب تاء التأنيث لتغييب المرأة من النص ومن الحيز العام وتكريس المجتمع الذكوري.

بعض هذه الكلمات المشحونة يستفز ويغيظ من يتنبه لحمولتها المبطنة ككلمة "وسط" (قطاع)، المترجمة عن اللغة العبرية ("مغزار"). لم تشهد لغة الضاد لدى الفلسطينيين في الداخل كلمة تعكس تشوها بالوعي وأسرلة مثل كلمة "وسط" بعدما صاروا أقلية في وطنهم، توظف الكلمات والمصطلحات لجانب التسميات والمضامين طبعا في مشاريع تدجينهم وتطويعهم بمنهجية ما زالت مستمرة منذ سبعة عقود.

تتجلى هذه العملية الجراحية للوعي بفظاظة غير مسبوقة الآن بكتاب المدنيات الجديد بعنوان "أن تكون مواطنا في إسرائيل"، فهو يبّز مبادرات التهويد، بحمله أيضا رغبة بصهينة التلاميذ.

ينتفض فلسطينيو الداخل بحق ضد اعتماد هذه اللوثة التربوية، لكنهم يمارسونها أحيانا بلسانهم، بتورطهم أحيانا باستخدام هذه اللقيطات اللغوية المترجمة من العبرية مثل "الوسط" وأخواتها من كلمات نحتها مهندسو الأسرلة لهم فيرددونها غافلين عن كونها سما بالدسم.

شخصيا ناصبت كلمة "الوسط" العداء منذ سنوات كثيرة، بالتغييب والسخرية، وفي كل يوم اكتشف أنها أقوى مني فألقاها كل يوم تصفعني وتمضي. عدت لها اليوم بعدما صفعت صحفيا إسرائيليا أيضا كما يقول، بل يعترف كبير المعلقين اليهود نحوم برنيع، في مقال بهذا المضمار: "قبل بضع سنوات دخلت إلى محل جزار في مدينة سخنين. لم يكن هدفي شراء لا لحما ولا سمكا. تبين أن صاحب محل الجزارة متحدثا بارعا وتفرع الحديث وطال. ولاحظت أنه يتحدث وبالعبرية الفصيحة عن "وسط" مقابل "وسط": "الوسط العربي يفعل هكذا وهكذا، الوسط اليهودي يفعل هكذا وهكذا". "لحظة"، أوقفته، "نحن لسنا وسطا. نحن اليهود أغلبية وأنتم وسط لأنكم أقلية".

وتابع برنيع قصته حول خطورة اللغة: "إذا كنا نحن وسط فأنتم اليهود أيضا وسط نتيجة التقسيم بطبيعة الحال. أجاب التاجر من سخنين بثقة. في تلك اللحظة فهمت وأدركت أن تعبير "وسط" يمكن أن يكون شيئا مهينا. الوسط هو مقطع من الشيء الكامل، شيء ما يمكن ظلمه، تجاهله، بل وحتى إلقاؤه عندما يروق لك.

الوسط هو تعبير يستدعي السخرية وليس فقط عند الحديث عن العرب؛ بل عن الأصوليين اليهود، أو المستوطنين أيضا. عندما تكون الأقلية "وسط"، فهذا يعني أن الأغلبية وسط بحكم منطق التقسيم.

إذا كان المعلق الإسرائيلي يستصعب هضم مصطلح "وسط"، فكيف يمكن لأصحاب الوطن الأصليين قبوله وهي تنزع لسلخهم عن شعبهم وأمتهم ولغتهم وحشرهم في علبة سردين لغوية؟

بتنا نحن الباقون في الجليل والساحل والمثلث والنقب أقلية وهم أغلبية بعدما زلزلت النكبة عام 48، بيد أننا مجتمع قائم بذاته ليس لأننا جزء من شعب فلسطيني وأمة عربية فحسب، بل لأن "العيال كبرت" وتطور كما وكيفا.

لم تعد اليوم كلمة "وسط" تليق بأقلية أصلية، وبنت البلد، عشرات الآلاف من بناته في الجامعات، وتحافظ على هويتها الوطنية وتعرف نفسها أقلية وطن قومي.

بعد 70 عاما على النكبة، بات استخدام "الوسط" ازدراء للذات وحياكة بسلة من خطط لتقسيم كل صحيح وتكريس الدونية وقبول بالتهميش. بالطبع يمكن فهم من ابتكر "الوسط" أو "القطاع" فدوافعه الكيدية لم تتغير، بالعكس، ولكن هل استمرار اعتماد "جمهور الهدف" لها يعني نجاح عملية جراح أو كي ّ الوعي لحد بعيد؟ وهل نطبق نحن المجتمع العربي الفلسطيني (1.3 مليون نسمة، 17% من السكان في إسرائيل) عمليا بلساننا ما نرفضه رسميا كما يحصل بالتسميات واللافتات العامة والخاصة في بلداتنا وشوارعنا وشوارع البلاد؟ أم هي زلة لسان؟

من يرضى بتعريف "الوسط" أو "القطاع" يعترف بنجاح سياسة الجزرة، فيكتفي بالفتات، بل بحز ليمون عوضا عن بيارته، ومن يتعاون معها يعني أنه لم يسلم فحسب بقرار تقسيم الوطن الكبير بل يشارك بتقسيم لغة الأم أو استبدال مصطلحاتها وبناتها بمفردات لقيطة، فهل نغفل عن احتلال الوعي (التاريخ واللغة وغيره) وهي لا تقل خطورة عن احتلال الجغرافيا؟

التعليقات