06/09/2017 - 17:19

الصهيونية الجديدة ودولة اليهود

هي لا تهدد مرتكزات اليسار الليبرالي ودعائم اليمين العلماني فقط، بل تهز بيمينها الأساس القانوني والأيديولوجي الذي قامت عليه الصهيونية التقليدية، التي اكتسبت شرعيتها الأيديلوجية من خلال تسويق ذاتها كحركة "شعب مطارد"، وسوغت شرعية دولتها قانونيا بكونها دولة يهودية ديمقراطية،

الصهيونية الجديدة ودولة اليهود

هي لا تهدد مرتكزات اليسار الليبرالي ودعائم اليمين العلماني فقط، بل تهز بيمينها الأساس القانوني والأيديولوجي الذي قامت عليه الصهيونية التقليدية، التي اكتسبت شرعيتها الأيديلوجية من خلال تسويق ذاتها كحركة "شعب مطارد"، وسوغت شرعية دولتها قانونيا بكونها دولة يهودية ديمقراطية، وهي في الوقت ذاته، توطد، كصاحبة رؤيا ايديولوجية وقانونية، مكانتها كوريثة سابقة لأوانها، إذا ما أدركنا أن زعيم "البيت اليهودي" الذي تنتمي إليه، ما زال في مقتبل حياته السياسية.

وزيرة القضاء الإسرائيلية، أييلت شاكيد ترسم ملامح ما يسميها البعض بـ"الصهيونية الجديدة" التي تقوم أرضية الصهيونية الدينية التي توفر لها زخم الرواية الدينية التاريخية، وتضع بشكل مكشوف "الديموغرافيا" و"الحفاظ على الأغلبية اليهودية" فوق منظومة حقوق الإنسان العالمية، وهي بهذا المعنى، تستبدل كما يقول أستاذ التاريخ دانييل بالطمان، تفوّق العرق الأبيض الذي ميز الأنظمة والمنظومات العنصرية في القرن الماضي بتفوق اليهود.

يرى بالطمان، أن أفكارها تذكر بـ"كراهية الأغراب العنصرية" التي سادت في دول جنوب الولايات المتحدة في ثلاثينيات القرن الماضي، وباليمين العنصري المعادي للمهاجرين والذي ينتعش هذه الأيام في أوروبا، ويشبه دعوتها الصريحة، بعدم خفض الصهيونية لرأسها أمام منظومة حقوق الفرد التي يجري تفسيرها بشكل عمومي، والتي قوطعت بالشعارات المنددة بالأبرتهايد، ويشبهها بقوانين الفصل العنصري التي جرى تطبيقها في دول الجنوب في تلك الفترة.

وبالعودة إلى جذور هذه الأفكار، يرى المؤرخ الإسرائيلي، أن السبب يكمن في تفاقم الأزمة الاقتصادية وصعود أنظمة توليتارية في أوروبا، هي التي وضعت عمومية فكرة حقوق الإنسان أمام تحد كبير، خاصة في ضوء دعوات إعادة تعريف ماهية الأمركة، ووضعية الأقليات التي تقطن الدولة والتي تعرف وفق عرقها، لونها، دينها، أو أصلها الإثني. كما أن الهجمة على حقوق الأقليات ازدادت ضراوة في أعقاب تعاظم شعبية الفكرة الفاشية الأوروبية التي دعت إلى تعريف الدولة كمجموعة متجانسة واستبعاد من لا ينتمي لهذه المجموعة، وهو الأمر الذي ترجم في دول الجنوب بـ"قوانين الفصل العنصري".

ومن الطبيعي أن شاكيد التي وجدت نفسها تحمل حقيبة "العدل" في دولة لم تقم على العدل وفي حكومة ديدنها الاستيطان والاحتلال، من الطبيعي أن تستغل موقعها ذاك لتجيير المنظومة القانونية لصالح أيديولوجيتها ومشروعها السياسي الذي يقوم على "أرض إسرائيل الكاملة" حتى لو أدى ذلك إلى فرض قوانين فصل عنصري، فحلم الدولة اليهودية الذي تدعو إليه شاكيد سمي في جنوب أميركا، بالحفاظ على نمط حياة أميركيا، واتبعت القوانين العنصرية بمئات الاعتداءات وارتكاب الفظائع تجاه السود.

رؤيا شاكيد تقود إلى تفوق يهودي إلى جانب مركزية إثنية عنصرية، فهي لا تسعى للانفصال عن الفلسطينيين لأنها تريد الأرض التي يقيمون عليها ولا تريد تحويلهم إلى مواطنين حفاظا على يهودية الدولة. ومثلما خلقت حالة الفصل والاضطهاد السياسي للسود في أميركا، منظومة سياسية واجتماعية فظة وعنصرية، هكذا سيكون مع دولة "الوطنية الصهيونية الجديدة" التي تسعى إليها، وإذا كانت الصهيونية غير مستعدة لخفض رأسها أمام تعريفات عمومية لحقوق الانسان، فإنها ستواصل قمع الأقليات بفظاظة، لأن التعريفات العمومية فقط هي القادرة على حمايتهم من تسلط أيديلوجيتها.

والحال كذلك، لم يكن مستغربا أن يتم مقاطعة خطاب شاكيد العنصري، الذي ألقته مؤخرا في نقابة المحامين، وكشفت فيه عن عدائها لقيم ومبادئ حقوق الإنسان الكونية بالشعارات المنددة بالأبرتهايد، بصفته التعريف الصحيح للمنظومة القانونية التي تقترحها وتسعى إلى توطيدها، في إطار ما يسمى بـ"إسرائيل الكاملة"، التي تمتد من النهر إلى البحر، ويتمتع بها اليهود بأفضلية بغض النظر عن الواقع الديمغرافي.

التعليقات