06/09/2017 - 12:15

ديمغرافوبيا

لدى الدفاع عن ممارسات دولة الاحتلال الإسرائيلية بحق اللاجئين من أفريقيا الذين تصفهم "متسللين غير قانونيين"، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في اجتماع لحكومته مطلع الأسبوع الجاري، إن وتيرة دخول هؤلاء اللاجئين وصلت إلى نحو عشرين ألفًا سنويًا، ولولا

ديمغرافوبيا

لدى الدفاع عن ممارسات دولة الاحتلال الإسرائيلية بحق اللاجئين من أفريقيا الذين تصفهم "متسللين غير قانونيين"، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في اجتماع لحكومته مطلع الأسبوع الجاري، إن وتيرة دخول هؤلاء اللاجئين وصلت إلى نحو عشرين ألفًا سنويًا، ولولا تشييد الجدار الأمني على طول منطقة الحدود مع مصر لكانت وصلت بسهولة، في ضوء ما يجري في القارة الأفريقية، إلى مئة ألف سنويًا على الأقل. وهذا يعني برأيه أنه في غضون عشرة أعوام تكتمل في نهاية العقد الراهن "كانت الدولة ذات الغالبية اليهودية ستختفي من الوجود".

ربما كان هذا التقدير مُفرطًا في المبالغة، ولا أساس له في الواقع، لكن نتنياهو يتعايش بسلام مع هذا الانفصال عن الواقع، في نطاق مسعاه إلى ترسيخ الطابع اليهودي لدولة الاحتلال الذي يتخذ من الديمغرافوبيا وقودًا له. وهذا التسويغ هو نفسه الذي تتسلّح به معظم الأوساط الإسرائيلية التي تؤيد انسحابًا من أجزاء محدّدة من الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ 1967، بما يعيد إلى استنتاج مؤداه أن ترسيخ يهودية إسرائيل يشكل الأساس لفهم المشروع الصهيوني في مفترقه الراهن، وربما الأساس لتقييم أي بديلٍ يُطرح له.

برسم هذه الديمغرافوبيا، تشهد إسرائيل، في الآونة الأخيرة، جدلًا حامي الوطيس بشأن خطر ذوبان الهوية اليهودية النابع من الزواج المختلط، ولا سيما مع الفلسطينيين. وفي خضمه، عاد ليسطع نجم الحاخام الرئيسي لمدينة صفد، شموئيل إلياهو، الذي قال، في مقابلة إذاعية قبل أقل من أسبوع، إن مواجهة الخطر المذكور تظل مرهونةً باتباع الفروض الدينية اليهودية المتعلقة بالنأي المُطلق عن غير اليهود، قاصدًا العرب. وشدّد على أن حكماء صهيون حظروا تناول الطعام معهم على مائدة واحدة، والمشاركة في أعراسهم أو مسرّاتهم. كذلك حظروا تناول أي مشروباتٍ معهم أو الجلوس برفقتهم في المقاهي، بل وحتى شرب كأس ماء.

ووفقًا لفتوى هذا الحاخام، يُحظر الاقتراب من غير اليهود، وشُرب حليبهم وتناول خبزهم أو طبيخهم. كما يتعين الابتعاد عنهم مسافة 500 × 500 وحدة طول قديمة، تبلغ كل وحدة منها 4،5 كيلومترات، وهي صيغة للمبالغة تحيل إلى وجوب الابتعاد عنهم بُعد الأرض عن السماء.
للتذكير، إلياهو نفسه هذا عمّم، قبل نحو خمسة أعوام، رسالة تهديد على السكان اليهود، يحذّرهم فيها من مغبة تأجير البيوت للطلبة العرب الذين يدرسون في كلية صفد الأكاديمية، مُعيدًا إلى الأذهان فتوى له تحظر تأجير البيوت للطلبة العرب، تلاها توقيع ثلاثمئة حاخام في المدن الإسرائيلية عريضة تطالب بعدم بيع أو تأجير بيوت إلى العرب، وإصدار مجموعة حاخامات (زوجات الحاخامين) نداء يدعو الفتيات اليهوديات إلى الامتناع عن إقامة أي علاقة بالشبان العرب.

وبرّر إلياهو الفتوى السالفة بقوله إن معركة منع العرب من السكن في صفد تختزل المعركة لتكريس الطابع اليهودي لدولة الاحتلال برمتها، من خلال "كي وعي" العرب بأنهم ليسوا أصحاب البلد، وأن اليهود هم أصحابها أولا ودائمًا. ويشكل موضوع حظر تأجير بيوت للطلبة العرب في صفد جزءًا من أيديولوجيا متكاملة، يتبناها هذا الحاخام ويعمل على نشرها، ويقف في صلبها التخوّف من أن ينتاب العرب شعور كما لو أنهم أصحاب البلد، الأمر الذي يُعتبر في نظره خطرًا على المشروع الصهيوني.

وردًا على مطالبة منظمات حقوقية بتقديم موقعي العريضة المذكورة إلى المحاكمة، كونها تنطوي على تحريض عنصري بائن، قال أحد الموقعين إن فحوى العريضة يستند إلى التوراة التي أكّدت أن "أرض إسرائيل هي لشعب إسرائيل"، ولفت إلى أنه إذا كانت مقولةٌ من هذا القبيل عنصرية، فمصدر هذه العنصرية التوراة.

لم يعد موضوع هذه العنصرية مقتصرًا على التفكير والترويج من أعلى فقط، بل تعدّى ذلك إلى امتلاك الأسفل الإسرائيلي وسائل قوة عنيفة لترجمتها إلى أفعال، بما يجسّد مقولة أدورنو بشأن تفويض المؤسسة القوة الجسدية التي تبني سلطتها عليها إلى من تسيطر عليهم.

(العربي الجديد)

التعليقات