04/10/2017 - 15:21

المصالحة أضعف الإيمان

ليس متوقعا أن توافق إسرائيل على التخلي عن رفضها حل الصراع، في موازاة استمرارها فرض وقائع متدحرجة في الأراضي المحتلة عام 1967. وإزاء هذا الحال، يصبح فرض الفلسطينيين واقع المصالحة بينهم أضعف الإيمان

المصالحة أضعف الإيمان

تذكر الشروط التي وضعها رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، أمام الفلسطينيين في أعقاب انطلاق إجراءات المصالحة وكمقدمة لاستئناف المفاوضات، وهي الاعتراف بإسرائيل وبالدولة اليهودية ونزع سلاح حركة حماس وقطع العلاقات مع إيران، بتلك الشروط التي وضعتها إسرائيل، في عهد حكومة ايهود أولمرت، وأيدتها "الرباعية الدولية" والولايات المتحدة، إثر فوز حماس بالانتخابات التشريعية في كانون الثاني/يناير العام 2006.

حينذاك، طالبت إسرائيل حماس بالاعتراف بها وبالاتفاقيات الموقعة، وبدأت بفرض الحصار على قطاع غزة بهدف عزل حماس، التي شكلت الحكومة الفلسطينية حينئذ. لكن بعد 11 عاما ونيّف بدأت تعود الأمور الآن إلى ما كانت عليه في العام 2006، والتي لم تكن تتميز بمصالحة حقيقية بين حركتي فتح وحماس، وإنما كان هناك حوار بينهما. لكن خلال هذه السنوات أريقت دماء كثيرة، بسبب الحروب العدوانية الإسرائيلية، كما أنها شهدت انقساما فلسطينيا داخليا لم يخلُ هو الآخر من سفك دماء وعداء بين الأشقاء، دخل إليه أكثر من طرف عربي وأجنبي ليغذي هذا العداء.

ينبغي أن تكون هذه التجربة الكارثية درسا هاما للفلسطينيين، خاصة لحماس وفتح، وألا يسمح الفلسطينيون كشعب بتكرارها. ويبدو أن هذا الانقسام، بسبب الصراع على السلطة بالأساس، أدى إلى المس بشرعيتهما، على الأقل بنظر قسم كبير من الشعب الفلسطيني. وعلى الحركتين أن تتوصلا إلى اتفاق حول المصلحة العليا لشعبهما والعمل بموجبها ووضع المصالح الفئوية، الضيقة دائما، جانبا.

نتنياهو وغيره من قادة إسرائيل، من الائتلاف الحكومي ومن الغالبية العظمى لأحزاب المعارضة، ينظرون إلى خطوات المصالحة الفلسطينية بتوجس، ويأملون بفشلها من دون أن يخفوا ذلك. فقد صرّح نتنياهو بأن هذه مصالحة "وهمية"، وقال وزير أمنه، أفيغدور ليبرمان، إنه كانت هناك محاولات للمصالحة في الماضي وفشلت، ودعا رئيس حزب "البيت اليهودي"، الوزير نفتالي بينيت، إلى معاقبة السلطة الفلسطينية من خلال وقف تحويل أموال الضرائب.

وتؤكد هذه التصريحات، مجددا، على رفض حكومة إسرائيل الحالية لاستئناف المفاوضات بسبب رفضها المبدئي لقيام دولة فلسطينية. وهي تستخدم دائما حجة "أمن إسرائيل" من أجل محاولة إقناع الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، بخطورة قيام دولة فلسطينية على إسرائيل. لكن هذه الحجة باتت ممجوجة ومبتذلة ولا يرى العالم أن ثمة مكانا لها، رغم الحديث عن أن أي اتفاق بين الفلسطينيين وإسرائيل يجب أن يأخذ اعتبارات الأخيرة الأمنية بالحسبان، لكن هذه الاعتبارات لا ينبغي أن تكون عائقا أمام حل الصراع.

وتدل على ذلك أقوال الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، التي كشفت عنها صحيفة "هآرتس"، اليوم الأربعاء، حول نيته مواصلة السعي إلى طرح مبادرة سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وقد أكد نتنياهو، مؤخرا، أن ترامب مصرٌ على دفع مبادرة سلام كهذه. ونقلت الصحيفة عن ترامب قوله إن نتنياهو والرئيس الفلسطيني، محمود عباس، "إشكاليان" في مواقفهما، لكنه شدد أمام الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، أن نتنياهو أكثر إشكالية من عباس.

رغم أهمية هذه الأقوال المنسوبة إلى ترامب، إلا أنه ليس متوقعا أن تؤثر على نتنياهو وأقطاب حكومته. فقد صرح ليبرمان لموقع "واللا" الالكتروني، اليوم، إنه لا يعرف بوجود خطة سلام أميركية كهذه. وقبل أيام قليلة، هاجم الوزير زئيف إلكين، وهو أحد أكثر المقربين من نتنياهو، ترامب، معتبرا أنه مثل الرئيس السابق، باراك أوباما، يضع قيودا على البناء في المستوطنات.

الأمر الواضح في السياسة الإسرائيلية هو أن الكلام إلى الخارج يكون في اتجاه ما، مثل الحديث المتواصل عن اليد الممدودة للسلام، والأفعال في الضفة الغربية المحتلة تسير في اتجاه آخر، كالإعلان عن توسيع البناء في المستوطنات. كذلك فإن الأداء السياسي الإسرائيلي يتميز بتقييد الذات، مثل مشروع "قانون القومية"، الذي لا يعترف بحق تقرير المصير في فلسطين التاريخية، أي ما بين النهر والبحر، إلا لليهود فقط.

لذلك، فإنه ليس متوقعا أن توافق إسرائيل على التخلي عن رفضها حل الصراع، في موازاة استمرارها فرض وقائع متدحرجة في الأراضي المحتلة عام 1967. وإزاء هذا الحال، يصبح فرض الفلسطينيين واقع المصالحة بينهم أضعف الإيمان.

التعليقات