13/10/2017 - 11:31

التعليم العربي وآثار وصاية "الشاباك"

تلك الحقائق كانت معروفة على مدار السنين ونسجت حولها سواليف وحكايا، منها ما هو مرتبط بالترويض والتطويع والتركيع ومنها ما هو مرتبط بالملاحقة والفصل والتجويع وتندرج جميعها في إطار سياسة الترغيب والترهيب التي ما زالت تستخدم ضد الناشطين السياسيين حتى

التعليم العربي وآثار وصاية

لم يجدد لنا شيئا التقرير الذي نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت"، الأسبوع الفائت، حول ضلوع "الشاباك" في تعيين المدراء والمعلمين العرب ومنعهم أو فصلهم من العمل، بذريعة نشاطهم السياسي أو حتى نشاط أحد أفراد عائلتهم، وأجواء الإرهاب والتشكيك التي كان ينشرها هذا الجهاز داخل مؤسساتنا التعليمية في إطار عملية الضبط والسيطرة التي اضطلع بها والتي شكل جهاز التعليم إحدى أدواتها الرئيسية.

تلك الحقائق كانت معروفة على مدار السنين ونسجت حولها سواليف وحكايا، منها ما هو مرتبط بالترويض والتطويع والتركيع ومنها ما هو مرتبط بالملاحقة والفصل والتجويع وتندرج جميعها في إطار سياسة الترغيب والترهيب التي ما زالت تستخدم ضد الناشطين السياسيين حتى اليوم.

رسميا بدأت تتكشف الأمور مطلع التسعينيات وتحديدا مع تشكيل حكومة رابين وإشغال عضو الكنيست اليسارية، شولميت ألوني، منصب وزيرة التربية والتعليم ومحاولاتها الفاشلة في القضاء على الفساد أو الإفساد الذي يضرب جهاز التعليم العربي وإعلانها الصريح أنها لم تستطع محاربة "الشاباك".

وفي مطلع الألفين، كشفت صحيفة "هآرتس" رسميا أن المدعو يتسحاق كوهين، الذي كان يشغل في حينه نائب مدير المعارف العربية ومندوبها في لجنة التعيينات هو موظف "شاباك"، يتقاضى معاشه من الجهاز، وقامت الصحيفة بنشر قسيمة الراتب الخاصة به التي تثبت ذلك.

على إثر هذا النشر، وبعد قيام مركز عدالة بتقديم التماس للعليا بهذا الخصوص، أعلنت وزارة التربية والتعليم عن إلغاء هذا المنصب، ونقلت هذه الصلاحية للجنة الأمن والأمان التابعة للوزارة.

إلا أن جديد "يديعوت أحرونوت" أنها كشفت عن وثيقة رسمية تتضمن الخطوط المتفق عليها لطريقة الرقابة الأمنية التي يتم من خلالها تعقب المعلمين والمدراء العرب، وكيفية السماح لرجال "الشاباك" بالعمل من وراء الكواليس لطرد معلمين وإدارة سياسة "ثواب وعقاب" والتدخل بشكل سري في مناقصات تعيين مدراء المدارس.

الوثيقة التي كتبت على أوراق تحمل ترويسة جهاز "الشين بيت" (كما سمي في حينه)، صدرت على إثر لقاء سري عقد في مكتب مع وزير التربية والتعليم في حينه، زفولون هامر، وجرى بحضوره وحضور مدير عام الوزارة ورجال "الشاباك" ومستشار رئيس الحكومة في حينه مناحيم بيغن. وتكشف أن تدخل "الشاباك" نتج عن سياسة عليا وأن الدولة تعاملت مع العرب وجهازهم التربوي بواسطة ذراع المخابرات عبر توفير موطئ قدم لها لتعين وتفصل وتضبط وتراقب وتعبث كيفما تشاء.

وفي إطار قيامها برسم الخطوط العامة لتدخل "الشاباك" في تعيين المعلمين العرب، تضمنت الوثيقة بندا ينص على عدم تثبيت معلم عربي دون موافقة "الشاباك" وبندا ينظم مسألة تدخل "الشاباك" في لجان تعيين المدراء والمفتشين، كما تضمنت، بناء على اقتراح وزير المعارف هامر، بندا ينص على تعيين موظف من "الشاباك" في القسم العربي يتولى مراقبة هذه الأمور والإشراف عليها.

توفر لنا الصحيفة أيضا شهادات موثقة من قبل مدراء عامين للوزارة، في تلك الفترة (كوبوبولفيتش وشوشاني) يعترفون ويوردون فيها حالات عينية لتدخل "الشاباك"، حيث تورد على لسان كوبولوفيتش في قضية فصل بروفيسور رمزي سليمان، قوله إن "الشاباك" هو من وقف وراء فصل سليمان من دار المعلمين، ويشير إلى أنه اتصل في حينه "د" من جهاز "الشين بيت" في حيفا وسأل فيما إذا كان رمزي سليمان يعمل وأعرب عن معارضته لمواصلة عمله، عندها قام كوبولوفيتش بنفسه بالاتصال بدار المعلمين وأعلمهم عدم استطاعة الوزارة المصادقة على تعيينه.

كوبولوفيتش الذي شغل منصب مدير عام الوزارة لمدة 16 عاما، قال لمراسلي "يديعوت أحرونوت" الذين التقوه في بيته في القدس، إنه بعد اللقاء والوثيقة التي صدرت عنه أصبحت الأمور رسمية، وأشار إلى أن "الشاباك" كانت له الكلمة النهائية في التعيينات وأن الوزارة لم تكن تكشف للمعلم المفصول أو الممنوع من التعيين الأسباب الحقيقية لرفضه بشكل مباشر.

قضية عوض عبد الفتاح، الأمين العام السابق للتجمع الوطني الديمقراطي، الذي كان في حينه ناشطا في أبناء البلد، والذي فصل بعد أن وجهت له تهم التحريض ضد الدولة والاجتماع مع ممثلي حماس والجهاد، توثق "يديعوت" اعتراف مدير عام الوزارة، شمشون شوشاني، الذي قال إنه من الجيد أن هناك من يجمع المعلومات وأن لـ"الشاباك" دور مهم في هذا المجال.

هذا في حين يعترف رئيس "الشاباك" الأسبق، يعقوب بيري، في رده على أسئلة الصحيفة، بأن "الشاباك" كان له يد ورجل في تعيين المعلمين والمدراء العرب، ويرى بذلك نوعا من الرقابة على مجموعات يمكن أن تشكل خطرا أمنيا على دولة إسرائيل.

فيما اعتبر خلفه كرمي جيلون تعيين موظف من قبل "الشاباك"، في القسم العربي للوزارة، مجرد تسهيل على لعملية مصادقة "الشاباك" التي كانت ستتم بأي حال وبطريقة أخرى. ويشير جيلون إلى طلب وزير المعارف في فترته أمنون روبنشطاين بإلغاء التعيين إلا أن اغتيال رابين أوقف العملية.

ولكن كلنا يعلم أنه رغم مرور انتقال وزرة المعارف تباعا إلى أيدي ثلاثة وزراء من ميرتس هم شولميت ألوني، أمنون روبنشطاين ويوسي سريد، فقد بقي طوال تلك الفترة رجل "الشاباك"، يتسحاق كوهين، يمارس مهام وظيفته في رفض وفصل مدراء ومعلمين عرب على خلفية سياسية حتى عام 2004، إثر تقديم التماس بهذا الشأن، ولكن هل توقف نشاط "الشاباك" بإلغاء المنصب، الله وحده يعلم، وإذا كان التعليم العربي قد تحرر فعلا من وصاية "الشاباك" فإن مخلفات الوصايا وعقدها ما زالت جاثمة على صدره.

 

التعليقات