15/10/2017 - 14:39

الكتلة المائعة/ رامي منصور

هناك من يسعى لإعادتنا إلى ذاك المربع وتلك الأيام، أيام التعايش الزائف و"جسر السلام" و"الكتلة المانعة"، وهو يقف اليوم في مقدمة مشروع سياسي هام للفلسطينيين في الداخل، وهو "القائمة المشتركة"، لكنه يتصرف كقوة احتياط لما يسمى اليسار الإسرائيلي.

الكتلة المائعة/ رامي منصور

مر أكثر من عشرين عاما على النهاية المأساوية لحكومة إسحق رابين، وتبدلت إسرائيل ومجتمعها كثيرا، وباتت الساحة السياسية فيها محكومة بخطاب يهودي ديني قومي خلاصي يتمثل بخطاب 'البيت اليهودي' وعلى رأسه وزير التعليم نفتالي بينيت، ووزيرة القضاء آييلت شاكيد.

وفي مقابل حكومة رابين التي اختارت المفاوضات والتسوية المرحلية مع الفلسطينيين كجسر لتسوية أشمل مع العرب، صارت اليوم التسوية (إن جازت التسمية) مع العرب أسهل حتى من مجرد التفاوض مع الفلسطينيين بسبب الغطرسة الإسرائيلية والضعف الفلسطيني، أي أن إسرائيل ليست بحاجة لهذه المفاوضات.

في المقابل، تغير المجتمع الفلسطيني في إسرائيل، وتعززت لديه الهوية الوطنية والقومية، وشيّد عدة مؤسسات وطنية تحظى بالإجماع الوطني، وأسقط وهم الاندماج بالدولة والانخراط باللعبة السياسية الإسرائيلية نتيجة الرفض والعنصرية الصهيونية، التي لا تريد السياسي العربي إلا خاضعا للإجماع الصهيوني. باختصار، انهار خطاب الأسرلة والمواطنة الصالحة في دولة اليهود، وصعد تيار قومي ديمقراطي.

رغم ذلك هناك من يسعى لإعادتنا إلى ذاك المربع وتلك الأيام، أيام التعايش الزائف و'جسر السلام' و'الكتلة المانعة'، وهو يقف اليوم في مقدمة مشروع سياسي هام للفلسطينيين في الداخل، وهو 'القائمة المشتركة'، لكنه يتصرف كقوة احتياط لما يسمى اليسار الإسرائيلي.

'اتجه المصوتون العرب إلى الأحزاب العربية بعدما كانت نسبة التصويت للأحزاب الصهيونية، تحديدا حزب العمل، هي الغالبة، وذلك لأن المصوت العربي أدرك سريعا أن مشاريع الاندماج والمواطنة الصالحة غير واردة في دولة اليهود، أي أن الأسرلة خذلتهم'

تصريحات النائب أيمن عودة رداً على زعيم حزب 'العمل', آفي غباي، الذي قال إنه لن يشرك القائمة المشتركة في حكومته، تأتي ضمن هذا المسعى الذي يريد أن يعيدنا عشرين عاما للوراء.

جاء رد عودة في صحيفة 'هآرتس' كالتالي: 'لا أنوي الجلوس جانبا وإتاحة المجال لائتلاف نتنياهو – بينيت الاستمرار بقيادتنا في مسار الضم، الأبرتهايد، التمييز والتشظية... هناك إجماع واسع لدى الجمهور العربي بأن الأيام الأكثر نجاحا برلمانيا بالنسبة للممثلين العرب هي أيام الكتلة المانعة في حكومة رابين، لذلك هذا خيار قائم طالما نعلم بوضوح بأن هذه الحكومة ملتزمة بالسلام والمساواة'.

قد تكون أقوال عودة هذه ردا على سؤال وليست بمبادرته، لكن سرعة الرد والجهوزية النفسية بالاستعداد لأن يكون قوة احتياط لحكومة حزب العمل الذي يرأسه غباي، الذي رفض قبل ساعات إمكانية الشراكة مع المشتركة، تدل على سذاجة سياسية، ولكنها أولا وقبل كل شيء استهتار بمركبات القائمة المشتركة، فهل يمثل هذا الموقف التجمع مثلا، وهل تم التشاور معه؟ وثانيا، هو قصر نظر لا يرى إسرائيل الجديدة الخلاصية، بل يرى إسرائيل القديمة المركبة من معسكر سلام مفترض ومعسكر يمين حقيقي.

وهنا لا بد من توضيح أمرين:

أولا: لنفترض أن أيام حكومة رابين كانت جيدة نسبيا للعرب، لكن في الوقت نفسه، كانت جيدة لكل المواطنين نتيجة تحسن الأداء الاقتصادي في أعقاب الاتفاق مع م.ت.ف... لكن السؤال هو ما هي الإنجازات البرلمانية الكبرى التي حققت في تلك الفترة؟ هل بإمكان النائب عودة تعدادها؟ برأيي الأمر كان معنويا لا يتجاوز اعتقاد المواطنين العرب بأن إسرائيل مقبلة على انفراجة مع الفلسطينيين والعالم العربي، وأن إسرائيل ستقبلهم أخيرا كمواطنين وليس كأعداء.

هل يعلم مثلا النائب عودة أنه في زمن حكومة رابين أقر مخطط شارع عابر إسرائيل الذي صادر آلاف الدونمات العربية، وفي عهد حكومة رابين كان بعض نوابنا بالكاد يتواجدون بالكنيست وأداءهم البرلماني لا يذكر، ولا يتجاوز الانشغال بـ'القضايا الكبرى'.

ثانيا: هل مهمة المواطنين العرب أن يكونوا قوة احتياط لما يسمى اليسار الإسرائيلي لإسقاط حكم اليمين. هل هذه مهمتنا الوطنية الإستراتيجية؟ ليس في إسرائيل يمين ويسار عندما يتعلق الأمر بالقضايا الأمنية والسياسية الإستراتيجية، والغرق في فرز اليمين واليسار هو إيغال في الأسرلة السياسية والنفسية، وبدلا من الإيغال بهذا الفرز، من الأجدى للقائمة المشتركة ومن يقف على رأسها أن يضع برنامجا إستراتيجيا حقيقيا لمنع انهيار مجتمعنا سياسيا واجتماعيا، بدلا من الترويج للخطط الاقتصادية الحكومية التي يطلق عليها خطة ٩٩٢.

'الحفاظ على التوازن الدقيق ما بين المطالبة بالحقوق المدنية الفردية وبالحقوق الجماعية هو الضمان كي لا نتحول إلى قوة احتياط إسرائيلية في الساحة السياسية، وهذا ما يميزنا عن باقي الأحزاب الإسرائيلية الصهيونية'

بعد العام ١٩٩٦ اتجه المصوتون العرب إلى الأحزاب العربية بعدما كانت نسبة التصويت للأحزاب الصهيونية، تحديدا حزب العمل، هي الغالبة، وذلك لأن المصوت العربي أدرك سريعا أن مشاريع الاندماج والمواطنة الصالحة غير واردة في دولة اليهود، أي أن الأسرلة خذلتهم، وثانيا لأن الأحزاب العربية تجددت وصعدت قوى جديدة تحمل رؤية ومشروع لبناء المجتمع الفلسطيني في الداخل دون أن يدخل المواطنين العرب في حالة عدمية إما الأسرلة/ المواطنة أو إما الفلسطنة/ الانتماء الهوية.

وطيلة عقدين نجحت هذه الأحزاب (بما فيها الجبهة التي يبدو أن عودة يغلب فيها مواقف التيار الشيوعي على الموقف الجبهوي) والمؤسسات الوطنية في الحفاظ على هذا التوازن الدقيق ما بين المطالبة بالحقوق المدنية – الفردية، وما بين المطالبة بالحقوق الجماعية القومية، ومن دون التسول على أبواب الوزارات، ومن دون الحديث عن إسقاط حكم اليمين.

تصريحات النائب عودة ليست الأولى وليست كبوة لكنها تكسر هذا التوازن المهم، وعلى مركبات القائمة المشتركة أن تضع حدا لها، لأنها نهج خطير يريد أن يحولنا إلى قوة احتياط لما يسمى اليسار الصهيوني، وهو بذلك يظن أنه يعزز المطالب المدنية الفردية من خلال خطط اقتصادية على الورق، فيما يهدر الحقوق الجماعية القومية ويكتفي بالشكلية.

الحفاظ على التوازن الدقيق ما بين المطالبة بالحقوق المدنية الفردية وبالحقوق الجماعية هو الضمان كي لا نتحول إلى قوة احتياط إسرائيلية في الساحة السياسية، وهذا ما يميزنا عن باقي الأحزاب الإسرائيلية الصهيونية، ويضبط قواعد اللعبة السياسية بالنسبة لنا ويرسم الخطوط الحمر ومناطق الحرام، وهو الذي يحفظ لنا كرامتنا وعزتنا الوطنية، يحفظنا من الأسرلة السياسية والنفسية، ويذكرنا بأننا أصحاب البلاد الأصليين ولسنا مهاجرين.

في القائمة المشتركة من يشد باتجاه الحقوق المدنية الفردية، ومن طرف آخر هناك من يشد باتجاه الحقوق الجماعية، وفي حالتنا تحقيق الحقوق المدنية دون الجماعية هو شكلي أو يمنح الحقوق الفردية لمصادرة الجماعية.

الأجدر بالقائمة المشركة والنائب عودة أن يقدموا برنامجا إستراتيجيا قوميا حقيقيا لمجتمعنا، يحفظ هذا التوازن الدقيق بين الحقوق المدنية والحقوق الجماعية، يعزز الهوية القومية ويبني مؤسساتنا الوطنية، بدلا من الانشغال بسيناريوهات وهمية عن إسقاط حكم اليمين وتشكيل كتلة مائعة، وأن يكون سقفها أعلى، دولة كل المواطنين، وحدودها أوسع، حماية دولية للمواطنين العرب، لأن هذا المطلب يتكرر كل مرة بعد سقوط عربي بنيران الشرطة، لكنه يتبخر في اليوم التالي.

أي كتلة مائعة لن تلغي عنصرية الشرطة والاحتلال والأبرتهايد، فقط كشفها وتعريتها هي الضمان لإلغائها.

اقرأ/ي أيضًا | بلا أمل

اقرأ/ي أيضًا | يسار 3% أم معسكر وطني؟

 

التعليقات