19/10/2017 - 15:56

تصريحات غباي بددت وهم "المعسكر الديمقراطي"

إن إحجامهم عن المساهمة في البطش بشعبنا، لم يكن بسبب "كرم أخلاقهم"، بل هو "قصر ذيل يا أزعر" كما يقولون، حيث ظل الزعيم السابق للحزب يتسحاق هرتسوغ، حتى الرمق الأخير، يزحف على بطنه لدخول حكومة نتنياهو.

تصريحات غباي بددت وهم

يبدو أن خيبة الذين عقدوا آمالا، ولو صغيرة، على آفي غباي، وعلى حزب العمل، ستكون كبيرة، فالرجل الذي تسربل خلال حملته الانتخابية لرئاسة الحزب بعباءة اليسار وأعلن في "خطاب النصر" ضرورة الاهتمام بديمونا قبل عمونا، سرعان ما عاد إلى أصله وأظهر، بتعبير صحيفة "هآرتس"، أنه ليكودي يرأس حزب العمل.

وقد جاء تصريح غباي الثاني، الذي أعلن فيه أنه لن يخلي أي مستوطنة في الضفة الغربية ضمن اتفاق سلام مع الفلسطينيين، ليقطع الشك الذي زرعه تصريحه حول رفضه الجلوس في حكومة واحدة مع القائمة المشتركة، بيقين "صخرة الوجود الصهيوني" المتمثل بالاستيطان بلسان نتنياهو، ليعلن أنه لن يتخلى ويخلي ولو مستوطنة عشوائية واحدة.

وللذين بنوا أوهاما حول إقامة "معسكر ديمقراطي" و"معسكر سلام" يقول غباي، صحيح أنكم منزوعو الشرعية ولا يتوفر فيكم الحد الأدنى المطلوب من المشتركات التي تؤهلكم للجلوس في "حكومتي"، ولكنكم تصلحون بل إنكم ضروريون لتشكيل كتلة مانعة، تُسقط من يد نتنياهو إمكانية تشكيل حكومة وتمنحني هذا الامتياز، ولكن دوركم ينتهي عند هذا الحد، ليبدأ دور كحلون وليبرمان وربما بينيت أيضا، في صياغة الحكومة الصهيونية المنتظرة، والأنكى أن غباي يقول ذلك رغم علمه المسبق أن العرب لم يطلبوا ولن يطلبوا "شرف" الجلوس في حكومة إسرائيل.

غباي، الذي لا يرى بالفلسطينيين في الداخل شركاء في الائتلاف، لا يرى بالفلسطينيين في "الخارج" شركاء أيضا، في عملية سلام وهو لا يشذ بذلك عن المقولة التي اخترعها زعيم حزبه الأسبق، إيهود براك، وكرسها شارون ومن بعده نتنياهو، وتبناها زعماء حزب العمل اللاحقين من بنيامين بن إليعيزر وحتى يتسحاق هرتسوغ، حول عدم وجود شريك فلسطيني.

وغني عن البيان أن حزب العمل تولى منذ حكومة شارون الأولى، التي تشكلت عام 2001، ذراع الأمن الذي بطش بالفلسطينيين، حيث قاد زعيمه بنيامين بن إليعيزر، كوزيرا للأمن، حرب "السور الواقي" الدموية التي شنها شارون وأعاد خلالها احتلال المدن الفلسطينية وحاصر عرفات واغتاله لاحقا، وقاد عمير بيرتس لدى توليه هذا المنصب الحرب الشاملة التي شنها أولمرت ضد لبنان، وارتكب خلالها مجزرة قانا الثانية، بينما قاد الجنرال إيهود براك، حرب "عامود السحاب" المدمرة التي شنتها حكومة نتنياهو على غزة عام 2014.

أما الآخرون، فإن إحجامهم عن المساهمة في البطش بشعبنا، لم يكن بسبب "كرم أخلاقهم"، بل هو "قصر ذيل يا أزعر" كما يقولون، حيث ظل الزعيم السابق للحزب يتسحاق هرتسوغ، حتى الرمق الأخير، يزحف على بطنه لدخول حكومة نتنياهو، ولو قيض له أن يكون وزيرا للأمن خلال حرب " الجرف الصامد" لأبلى "بلاء حسنا" هو الآخر.

من كل ما تقدم، يتضح أن غباي لم يكن استثناء فيما يتعلق بالتنصل من "العرب" ودعم الاستيطان، فقد سبق وصرحت زعيمة الحزب الأسبق، شيلي يحيموفيتش، التي أيدت تصريحات غباي، بأنها "لا ترى بالمستوطنات جريمة" وأن اعتبار حزب العمل "يسار" هو بمثابة "ظلم تاريخي" له، كما دعا زعيمه السابق يتسحاق هرتسوغ أعضاء ومؤيدي حزبه إلى "التوقف عن إعطاء انطباع وكأننا نحب العرب".

وفي سياق تسابق زعماء وقادة حزب العمل وما يسمى باليسار الصهيوني، مع قادة وزعماء اليمين في التحريض والتطرف ضد الفلسطينيين في الداخل و"الخارج"، نشرت صحيفة "هآرتس" جملة تفوهات ضد الفلسطينيين والعرب، بعضها تحريضي وبعضها عنصري وبعضها يميني، حيث تساءلت مثلا إذا كان القائل "أنا أؤمن أن أرض إسرائيل لنا لأن الله وعد إبراهيم بكل أرض إسرائيل" هو آفي غباي أم أوري أريئيل، وفيما إذا كان القائل، "المستوطنون أخوتي سأهتم بهم أكثر من نتنياهو"، هو هرتسوغ أم ليبرمان، وهل القائل، "أريد أن يطير الفلسطينيون من أمام أنظارنا، لا أريد العيش معهم"، هو يائير لبيد أم بتسلئيل سموتريتش.

وكي لا نفهم خطأ، فإننا لا نرى فروقات جوهرية أصلا بين المعسكرين، إلا في طريقة التعاطي التكتيكي مع القضايا السياسية، بينما يجمعهما الاحتلال والاستيطان وشعور التفوق العرقي، ونرى مثلما يرى كثير من المراقبين مرحلة أوسلو كانت استثناء أوغل خلالها حزب العمل في "التكتيك" أو أنه أعطى انطباعا من هذا النوع، فجاءت الرصاصات التي قتلت رابين لتصحيه ومن يومها وهو ما زال يكفر عن ذنبه ذاك.

 

التعليقات