23/10/2017 - 14:46

أعيدوا للحياء مجدَه....

أخطر ما يصاب به رجال السياسة والأدب والأمم، هو قلع شرش الحياء، وقد قيل إن لم تستح فافعل ما شئت.

أعيدوا للحياء مجدَه....

أخطر ما يصاب به رجال السياسة والأدب والأمم، هو قلع شرش الحياء، وقد قيل إن لم تستح فافعل ما شئت.

هذا ما قاله رئيس مجلس النواب الكويتي موجها كلامه للوفد البرلماني الإسرائيلي، "إن لم تستح فافعل ما تشاء"، فخرج الوفد من القاعة، ويبدو أنه ما زال لدى عضو الكنيست (نحمان شاي) بعض الحياء.

هناك ما يثير الحياء بشكل شخصي، وهناك ما يثيره بصورة جماعية، انكشافك في وضع مخل يثير حياءك الخاص، فأنت الذي تحمر خجلا ويتفاعل جسدك كيماويا فتعرق، وهناك جريمة اغتصاب تقع في قرية ما، فيشعر كل أهل القرية بالحياء.

عندما تبث مشاهد مجاعة في أفريقيا والأطفال يموتون بأحضان أمهاتهم الميتات على العالم كله أن يخجل.

مشاهد الاغتصاب والتهجير القسري وقتل وحرق مسلمي الروهينغيا في بورما، يفترض أن تثير حياء كل من تجري دماء إنسانية في عروقهم.

يفترض أن نشعر بالحياء عندما يلقي أحدهم قنبلة صوتية على مقهى، فيروّع الناس الآمنين تحت أية ذريعة كانت.

على قيادة الجماهير العربية أن تشعر بالحياء وأن تتعرق عندما دعت إلى إحياء ذكرى شهداء هبة أكتوبر فلم يحضر سوى بضع مئات.

علينا أن نشعر بالحياء عندما نعتبر افتتاح مركز بريد في بلدة ما إنجازا عظيما ننفخه ونروّج له، في الوقت الذي لم يتزحزح شيء بما يتعلق بآلاف البيوت المهددة بالهدم ولا بتوسيع مسطحات القرى والمدن العربية.

عندما يعلن رئيس حزب العمل بأنه لا انسحاب من المستوطنات، ولا مكان للمشتركة في أي قرار حكومي، يجب أن يشعر بالحياء من يوهم الناس بوجود معسكر ديمقراطي تعرقله أو تحول دون تقدمه الأصوات العربية المتطرفة.

نتمنى وجود معسكر سلام إسرائيلي ولكن الموجود منه هو هامش الهامش، فلماذا نضحي بوحدتنا ونتهم جزءا منا بالتطرف الكاذب لأجل اللهاث وراء السراب والأوهام، مثلما ضحى البعض بالوحدة الوطنية في فلسطين لإرضاء نتنياهو ولم يحصد سوى اتهامه بمساعدة الإرهاب.

يجب أن نشعر بالحياء عندما يقتل في مجتمعنا 1260 إنسانا منذ العام 2000 حتى اليوم ضحايا للعنف الداخلي ولم نخرج إلا بمظاهر قطرية واحدة هزيلة.

يجب أن نشعر بالحياء عندما لم نخرج بمظاهرة قطرية جدية دعما للمقعدين وأصحاب الإعاقات المطالبين بحقوقهم الإنسانية، وكأنه لا يوجد في مجتمعنا مقعدون وذوو إعاقات، أو كأن هذه الفئة ليست بحساباتنا.

علينا أن نشعر بالحياء عندما نطالب مؤسسات أكاديمية بمقاطعة الاحتلال ثم نسجل مشاركتنا في مؤتمرات صهيونية إستراتيجية على أنها مواقف نضالية.

علينا أن نشعر بالحياء حين نحمل حركة المقاومة الفلسطينية حماس مسؤولية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والدمار الذي حل بها وأعداد الضحايا التي سقطت، بهذا المنطق أيضا ممكن القول إن منظمة التحرير الفلسطينية أعطت ذريعة لإسرائيل لاحتلال جنوب لبنان وحصار بيروت وارتكاب مجزرة صبرا وشاتيلا عام 1982، ولو أن الجماهير لم ترد على استفزاز شارون عام 2000 لما سقط آلاف الشهداء والجرحى، وهي نفس الذريعة البغبغائية التي يرددها البعض بأنه لو قبل العرب بقرار التقسيم عام 1947 لما حصلت كارثة فلسطين، بينما نتنياهو يعلن في الـ 2017 أن غور الأردن جزء من إسرائيل ويعلن رئيس حزب العمل أن لا انسحاب من مستوطنات، الحياء صار ضرورة.

يجب أن نشعر بالحياء عندما حوّل بعض نوابنا في الكنيست تطبيق اتفاق التناوب إلى مفاوضات طويلة الأمد ووضع بعضهم العراقيل أمام تطبيقه بشتى الحجج فقزم النضال البرلماني، وحوله إلى صراع مصالح رخيصة.

هناك الحياء القومي، مثل مشاهد احتلال العراق وسقوط بغداد ثم شنق رئيس عربي صبيحة يوم عيد الأضحى أثارت حياء كل عربي أينما كان، إذا كان فيه حياء.

الجرائم التي قام بها داعش من تقطيع للرؤوس وإعدامات للنساء وإحراق للطيار الأردني أثارت حياء كل مسلم يعرف الحياء.

الجرائم التي سجلت بفيديوهات وبثت لما يقوم بها رجالات وجنود وشبيحة النظام السوري، ومنها دفن الناس أحياء وتحطيم الجماجم في المعتقلات أثارت وتثير حياء كل من يحمل مشاعر إنسانية.

رفع جثث المعتصمين في مصر في ميدان رابعة بالجرافات، أثارت حياء من في أجسادهم دماء بشرية.

يجب أن نشعر بالحياء عندما نرى جنرالا عربيا يلتقط الصور مع الأشلاء البشرية كائنا ما كانت هذه الأشلاء.

الجنرال لا يعني أنه عسكري فقط، الجنرال هو عسكري ويفترض أن يكون لديه الحس الأدنى من المشاعر الإنسانية تجاه الموت، أما أن يتصور مع الأشلاء البشرية فهذا مثير للخجل.

أما طامة الحياء الكبرى فهي عندما يتحول رجال الثقافة والأدب إلى مدّاحين لجنرالات بهذه الصفات والأخلاق.

أخطر ما تصاب به الشعوب هو فقدانها للحياء، فأعيدوا للحياء مجده وقيمته، وإلا فإن لم تستحوا فافعلوا ما تشاؤون...

 

التعليقات