03/11/2017 - 11:53

القائمة المشتركة بين ابتسامتين

عندما وطدتُ العزم على كتابة مقالتي هذه، وأخذتُ أبحث عن عنوانٍ لها، تذكرت المثل الشعبي المعروف "بدك تحيْره خيْره". ذلك لأني وقفتُ محتارا بين أحد عنوانين: "حارسٌ ومحروس" أو "القائمة المشتركة بين ابتسامتين"، فرسا اختياري بعد ترددٍ على العنوان الثاني.

القائمة المشتركة بين ابتسامتين

عندما وطدتُ العزم على كتابة مقالتي هذه، وأخذتُ أبحث عن عنوانٍ لها، تذكرت المثل الشعبي المعروف "بدك تحيْره خيْره". ذلك لأني وقفتُ محتارا بين أحد عنوانين: "حارسٌ ومحروس" أو "القائمة المشتركة بين ابتسامتين"، فرسا اختياري بعد ترددٍ على العنوان الثاني.

الابتسامة الأولى كانت في ذروة معركة الانتخابات السابقة، وفي أثناء مناظرة بعنوان "الحراك السياسي في الوسط العربي عشية الانتخابات القطرية"، شارك فيها المرشحان الأولان في القائمة المشتركة، أعني المحامي أيمن عودة (الجبهة) والدكتور جمال زحالقة (التجمع)، اللذان أجادا في تعليل دواعي الوحدة بين مركبات القائمة المشتركة خصوصا ما بين الجبهة والتجمع، كما أكدا للجمهور أن "قضية رفع نسبة الحسم ربما كانت عاملا مساعدا في الوحدة، لكنها لم تكن بكل تأكيد، العامل المصيري الذي حسم الموقف وفرض الوحدة على كافة الاطراف". إن حديثهما هذا، حتى وإن أبدى البعضُ شكا بصحتِه كما سمعنا أثناء المناظرة، قد أكد لي، ولو برؤية تراجعية، صِدْق قناعتي بأهمية توحيد القوائم العربية المتنافسة ليس في انتخابات الكنيست فحسب، إنما أيضا في انتخابات السلطة المحلية، في المدن المختلطة بصورة عامة وفي حيفا بصورة خاصة، كخطوة صحيحة على طريق النضال الديمقراطي لوسطنا العربي.

كما ذكرني بالمساعي الحثيثة التي قمتُ بها، بالتعاون مع الصديق المرحوم حسين إغبارية ومجلس رؤساء لجان الـحياء العربية في حيفا في سبيل إقناعِ الجبهة والتجمع وفي دفْعِهما للتقدم لانتخابات البلدية سنة 2013، بقائمةٍ عربية واحدة. تذكرتُ الشوط الكبير الذي كنا قد قطعناه في هذا الاتجاه، والذي بلغ قمته في الليلة التي سبقت تقديم القوائم بـ48 ساعة، حيث تم التلاقي في بيتي باشتراك وفدٍ من التجمع وآخر من الجبهة برئاسة سكرتير كل منهما و"بدعم وتفويض، كما قيل لي، من القيادة القطرية لكل من الحزبين".

بعد مناقشة بعض النقاط التي كانت ما زالت عالقة، تم الاتفاقُ بين الطرفين على كافة الأمور. لكن ذلك الاتفاق الذي شربْنا نخبه الساعة الثالثة بعد منتصف الليل، لم يكن لأسفي الشديد، أكثر من "حديث ليلٍ يمحوه النهارُ"، إذ تم نقضه ظهر اليوم التالي، مما سبب لي خيبة أملٍ من قياداتنا الحزبية، وجعلني أشعرُ بانقباضٍ شديدٍ كان قد حالفني فترة طويلة، وعاد من جديد ليستولي علي في أمسية المناظرة تلك. بدوتُ متجهما كما وصفني صديقي الذي كان يجلس عن يميني أثناء المناظرة، لكني ما لبثت أن تبسمت بل ضحكتُ، رغم ذلك، عندما تذكرتُ النكتة التالية: قرر أحدُهم (الراوي) أن يسافر جوا. عشية سفره ظهر له شبحٌ مُحذرا إياه من السفر جوا لأن الطائرة ستسقط بعد إقلاعها. ألغى الراوي سفره ونجا بذلك من موتٍ محتم لأن الطائرة سقطت فعلا وهلك كل من كان فيها. بعد يومين قرر الراوي أن يُبحر، غير أن ذاك الشبح عاد مرة أخرى لتحذيره من أن السفينة ستغرق، الأمر الذي تحقق حدوثُه فعلا. لم يبق أمام الراوي إلا أن يسافر بالقطار، هيأ نفسه للسفر لكنه فوجئ للمرة الثالثة بالشبح ذاته محذرا إياه من السفر بالقطار. جُن الراوي وتوجه بعصبية نحو الشبح قائلا: "مين أنت يا أخي؟!"، فأجابه الشبح: "أنا ملاكك الحارس"، فقال له الراوي: "ملاكي الحارس! يعني شو وظيفتك؟"، قال الشبح: "وظيفتي أن أحرسك وأجنبك كل المطبات والمخاطر"، فرد عليه الراوي قائلا: "إذن بتقدر تقول لي، وين حضرتك كنت عندما قررتُ أنا أن أتزوج؟!".

لم أسأل آنذاك، أي خلال المناظرة أو بعدها، أعضاء قيادتي الجبهة والتجمع القطريتين: "أين كنتم عشية الانتخابات الأخيرة (سنة 2013) لبلدية حيفا؟". ذلك لأن الموضوع كان قد أصبح في ذمة الماضي، كما أن أعضاء القيادتين وزملاءهم في "الإسلامية" و "التغيير" قد حققوا لنا بوحدتهم في القائمة المشتركة، ما لم يُحقق لنا محليا في حيفا. أما اليوم، وعلى ضوء الحراك الذي تشهده ساحاتُنا السياسية المحلية والقطرية، من نقاشات محتدمة ومفاوضات مرهقة وأنباء متضاربة أشغلت الرأي العام العربي واستدعت من جديد تدخل الإعلامِ بمختلف وسائله وأذرعه ولجنةِ الوفاق الوطني، حول تركيبة القائمة المشتركة في أعقاب استقالة الدكتور باسل غطاس، وإزاء النتائج المستقبلية التي قد تترتب على ذلك، أراني مضطرا أن أتساءل وأنا أبتسم: "هل سيكون وضع مجتمعنا العربي مع القائمة المشتركة، كوضع الرئيس الأسبق لمجلس فسوطه المحلي مع الست زكية؟!".

يقول الراوي أن مجلس فسوطه المحلي تجاوب مع رغبة السكان في الإعراب عن تقديرهم للنبي إيليا، وعن إيمانهم بشفاعته واستنجادهم به: "يا مار الياس الحي" في كل ضائقة تعترضهم، فأقام له تمثالا في مركز الساحة التي في مدخل القرية الشرقي، وأصبحت تلك الساحة تُعرف باسم "دوار مار الياس". يبدو أن تلك الساحة قد استهوت بعض الصِبْية الذين أخذوا يتجمعون فيها ليلا، وهم يلعبون ويضجون ويعيثون فسادا في الحديقة الصغيرة المحيطة بالتمثال. أزعج هذا الوضع الست زكية التي رأت بتصرفِ الصِبْية إهانةً لمار الياس، وإقلاقا لراحتِها نظرا لقرب بيتها من الدوار، فتقدمت بشكوى إلى رئيس المجلس طالبة تدخله لإبعادِ الصِبْيةِ عن الدوار. حضر الرئيس إلى الموقع، وبعد أن استدعى الست زكية مستوضحا المشكلة، حاول أن يستأنس برأيها عن كيفية معالجة المشكلة، فاقترحت عليه أن يُعين حارسا ليليا للموقع، يتولى إبعاد الأولاد وحراسة التمثال. فانتهرها الرئيسُ بقوله: "ولِكْ يا زكية، إحْنا جِبْنا مار الياس لهون، عشان يُحْرُسْنا ويدير باله علينا، ومش عشان إحنا نُحُرْسه ونْدِير بالنا عليه!".

 

التعليقات