16/11/2017 - 12:29

ملاحظات على "هوامش" إميل حبيبي

البرنامج الذي جاء، كما يبدو، لرفع عتب أو إعادة توازن كسرته زيارة بكري ومتشائله لبيروت، عزز مجددا هذا "الكسر" وكاد أن يكون شهادة براءة للكاتب الراحل، الذي فُصل في نهاية حياته من صفوف حزبه الشيوعي، وهو أحد قادته التاريخيين.

ملاحظات على

تابعت بعناية، مطلع الأسبوع، التقرير التلفزيوني الذي بثته قناة "الميادين" وتناولت فيه السيرة الأدبية والسياسية للكاتب الراحل إميل حبيبي، وهو تقرير يأتي على خلفية زيارة الفنان محمد بكري، لبيروت، وما أثارته من جدل زج في ثناياه اسم إميل حبيبي، الذي نقل بكري أهم أعماله الأدبية، المتشائل، إلى المسرح، واقترن اسمه بكاتبها.

البرنامج الذي جاء، كما يبدو، لرفع عتب أو إعادة توازن كسرته زيارة بكري ومتشائله لبيروت، عزز مجددا هذا "الكسر" وكاد أن يكون شهادة براءة للكاتب الراحل، الذي فُصل في نهاية حياته من صفوف حزبه الشيوعي، وهو أحد قادته التاريخيين، وتسلم جائزة إسرائيل من أحد رؤساء حكوماتها الأكثر دموية، إسحق شمير.

وكان لافتا دفاع عضو الكنيست أيمن عودة، وبدون تحفظ، عن مسيرة الراحل حبيبي بعثراتها وسقطاتها والتماس الأعذار والمبررات لمواقفه وممارساته "الانهزامية" التي ميزت الهزيع الأخير من حياته، أي بعد فصله من الحزب الشيوعي، وأبرزها حصوله على جائزة إسرائيل.

عودة، قام وبنجاح كبير بلعب دور محامي الدفاع عن إميل حبيبي، في "المحكمة المعادة"، إن صح التعبير، التي أريد لها منح الرجل أو مريديه فرصة أخرى لإثبات براءته وإعادة الاعتبار لشخصه ومكانته بعد مماته، وفي هذا السياق فإن عودة فعل ما يفعله نظراؤه القانونيون وليس السياسيين، بالاتيان بالأدلة والبراهين التي تبرئ ساحة موكله وتهميش وإخفاء الحقائق والقرائن التي تدينه، حتى لو اقترن ذلك بعدم توخي الدقة والصدق، كأن يقول مثلا إن عرفات وأبو مازن نصحوا إميل حبيبي بقبول جائزة إسرائيل.

كان باستطاعة عودة العودة إلى صفحات جريدة حزبه "الاتحاد"، ليشاهد كم الهجوم الهائل الذي تعرض له حبيبي من السياسيين والمثقفين والأدباء والشعراء الفلسطينيين والعرب، وعلى رأسهم الراحلين محمود درويش وسميح القاسم، وهو لا يستطيع أن يأتي، اليوم أيضا، بسياسي او مثقف أو حتى شويعر فلسطيني يحلل لأديب أو شاعر فلسطيني قبول جائزة إسرائيل.

وباختصار فإن الدفاع عن سقطات إميل حبيبي ليس أنه لا يسقطها من دفاتر التاريخ فقط، بل أنه ينقص في ميزان أيمن عودة السياسي، الذي ربما أراد به وبدا به كـ "مكمل درب"، وليس كمدافع عن تاريخ فقط، وهو الذي كان منذ توليه قيادة الدفة يشق طريقا سياسيا "جديدا قديما"، ويبدو كالابن الضال الذي يبحث عن أب ويبدو أنه وجد ضالته.

أما بخصوص قصة إميل حبيبي مع حزبه، فنحن نعرف أن الحزب الشيوعي ظلم الكثيرين، وأن "البلدوزر" الذي كان يتحكم به "السائق الآلي"، داس أحيانا أناس من داخل الحزب، مثلما داس أناسا من خارجه، وأن من بين هؤلاء قيادات كبيرة، على غرار صليبا خميس وإميل حبيبي وغيرهم من الذين ربما قد آن الأوان لإعادة النظر بأسباب الاختلاف معهم، وإعادة الاعتبار لمن يستحق ذلك، وجدير بالنائب أيمن عودة أن يدفع بهذا الملف داخل الحزب، ولكن حتى القيام بمثل هذه المراجعة، لا تعني التجاوز عن الخطايا التي قام بها بعضهم بعد فصلهم من الحزب كالحصول على جائزة إسرائيل، لأن الدفاع عنها، كما فعل عودة، يعني تبنيها وإسباغ الشرعية عليها.

وعودة إلى "هوامش الميادين" فأنه، رغم الجهد الذي بذله البعض، لم ينجح برفع الغمامة التي تخيم فوق إميل حبيبي باعتباره شخصية إشكالية، كانت وما زالت محط جدل منذ البدايات السياسية المدموغة بالموافقة على قرار التقسيم عام 1947، وكيفية إخراج هذا القرار في هيئات عصبة التحرر الوطني، ثم ما تناقله المؤرخون حول دوره في صفقة السلاح التشيكية، حتى لو وضع تحته ألف علامة سؤال، وصولا إلى النهايات التي توجت بالانحراف الأيديلوجي والسياسي واختلافه مع الحزب الشيوعي الذي انتهى بفصله من صفوف الحزب وحصوله على جائزة إسرائيل.

طبعا بين البدايات والنهايات هناك مسافة زمنية طويلة، صال وجال فيها إميل حبيبي وضرب بسيف الحزب الشيوعي من المواقع العليا التي أشغلها في عضوية الكنيست وفي رئاسة تحرير"الاتحاد" لردح من الزمن، لم ينج خلالها أي من خصوم الحزب السياسيين في الداخل والخارج من قلمه ولسانه، فقد أغنى، رحمه الله، "القاموس الشيوعي" بكم هائل من النعوت والشتائم السياسية ستشكل مخزونا احتياطيا لأجيال قادمة، علما بأن بعضها استعمل ضده بعد فصله من الحزب.

لكن المفارقة الكبرى أن إميل حبيبي، الذي بنى عالمه السياسي ومخياله الأدبي على "البقاء"، فهو "الحي الباقي" في حيفا، مجازا، وليس "الهارب"، مجازا، "العائد إلى حيفا" كغسان كنفاني، حبيبي ذاك عاد إلى البلاد من بيروت بعد وقوع نكبة 48 وإعلان استقلال إسرائيل.

وبغض النظر عن الطريقة التي عاد بها، فإن ذلك كاف لنسف الرواية التي حاول تسويقها طيلة حياته، بأن هناك من صمد وهناك من "هرب" وهناك من وقف أمام الحافلات ومنع الناس من النزوح (الشيوعيون)، متجاهلا الحقائق التاريخية التي تؤكد أن بقائنا، نحن جماهير الداخل الفلسطيني، كان محكوما بظروف سياسية – عسكرية، وربما بمحض الصدفة وبعوامل أخرى قد لا تشكل مصدر فخر لنا، تبدأ بالسلم والتسليم دون مقاومة وتنتهي بمسايرة المحتل والتعاون معه، كما حدث في كثير من المواقع والقطاعات.

وفي هذا السياق، لا مفاضلات بين شعبنا الذي اقتلع من أرضه ودياره وذاق الأمرين في مخيمات اللجوء، قبل أن يقرع جدران الخزان ويشق طريق العودة والثورة، وشعبنا الباقي في وطنه تحت نير الاحتلال والحكم العسكري، كما أن حيفا لن تعود إلى الباقي في هوامشها إلا بعد أن يعود إليها أهلها النازحون.

التعليقات