18/11/2017 - 11:59

فلسطينيو الداخل ومعاركهم الوهمية

يقبع الفلسطينيون في البلاد تحت نظام انتقائي عنصري، متمثلا بحكومات يمين ويمين متطرف، والتي تجسد نظام أبرتهايد استثنائي قامع ومقيت، ولا يرى أنه من الممكن أن يشرك الأكثرية الفلسطينية، والتي أصبحت أقلية في الحكم، لأنه بنى أسسه كذلك، حيث من

فلسطينيو الداخل ومعاركهم الوهمية

يقبع الفلسطينيون في البلاد تحت نظام انتقائي عنصري، متمثلا بحكومات يمين ويمين متطرف، والتي تجسد نظام أبرتهايد استثنائي قامع ومقيت، ولا يرى أنه من الممكن أن يشرك الأكثرية الفلسطينية، والتي أصبحت أقلية في الحكم، لأنه بنى أسسه كذلك، حيث من غير الممكن تقبل أَي مجموعة مختلفة عن تلك التي تحكم.

كما وخذلت جموع الأنظمة العربية، بأغلبيتها الساحقة، الفلسطينيين لدرجة أن شعوب تلك الأنظمة، لم تعرف أي شيء عن فلسطينيي البلاد، إلا مؤخرا، حتى بدا أن منهم من يحسبوا فلسطينيي على الحركة الصهيونية ومشروعها.

ناضل فلسطينو البلاد على مدار عشرات السنوات، ضد كيانات استعمارية بشكل فردي أو في إطار الحركة الثورية، بعتاد وإمكانيات شحيحة، ولَم تصمد الحركة الثورية أمام الترسانات العسكرية في زمن الإنجليز أو بعدها.

استشرس الثوار في الدفاع عن أرضهم وعرضهم قبل النكبة وبعدها، ولكن الواقع المرير وإمكانيات المحتل الكبيرة والتآمر على فلسطين، كان اقوى بكثير من إمكانيات حركة التحرر الفلسطينية.

في الوقت الذي استشرست به الحركة الوطنية في الدفاع عن الوطن والمواطن، كان هنالك مسارا موازيا آخر يعمل ليل نهار على تمييع النضال، واحتساب الحركة الثورية والوطنية على الأنظمة الرجعية المتخاذلة والمتواطئة والعمل دون كلل على إقامة دولة اشتراكية واحدة.

ومنذ ذلك الوقت، تعمل هذه الأوساط على احتكار الشعارات الوطنية والشعبية، واتهام كل من يعمل خارج السرب بالعمالة والانتهازية وهلم جر.

نجحت بعض الشخصيات بتمييع النضال، وقمع الحركة الوطنية والسيطرة على الإعلام والتغني بالنضال للحصول على المساواة وعلى الحقوق المدنية، وكأن أي مطلب آخر مثل تحرير البلاد، أو إقامة دولة فلسطينية هو مطلب بعيد عن الواقع، حتى في أوائل الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي.

لو كانت حقبة سوداء ونسيانها وتعلمنا منها كان به، ولكن أن يتبناها بعض الأطراف ويستثمرها ويحاول تبريرها هذه هي الطامة الكبرى.

والمصيبة الكبرى، هي السيطرة على الإعلام وعلى بساطة شعبنا، واستغلال مراد الأطراف بالوحدة والبلطجة الحادثة مؤخرا على سبيل المثال، بموضوع التناوب في القائمة المشتركة، حيث لم يتنازل المركب الشيوعي عن كرسي في الكنيست لصالح التجمع، في الوقت الذي يبرز فيه قادة صهيونيون، مثل أبراهام بورغ وكأنه يلوح بالانشقاق إذا ما انتقدتم أو عارضتم السرقة.

كما ولم ينفكّ المركب الشيوعي في المجتمع الفلسطيني في الداخل، فرض خطابه والمزايدة على كل من لا يتماشى مع مشروعه.

لم ينفكّ المجتمع الفلسطيني في الداخل من محاولات التحرير والحصول على مطالبه، إلا أن أطراف عدة حولت النضال أمام السلطة إلى نضال وصراع داخلي مقيت وعلى رأسه الانتخابات، وعلى رأسها الانتخابات للسلطات المحلية، والتي تستنزف أغلبية طاقات مجتمعنا.

من المؤسف أن ترى وصول مجتمعنا إلى حالة من عدم الاستقرار، بسبب صراعاته الحزبية الانتخابية وكأن الانتخابات المحلية، هي هدفنا الأساس في هذه البلاد، متناسين قضايانا المهمة الحارقة.

إن مهمة رئيس البلدية وطاقمه الوظيفية والخدماتية، باتت اليوم مبتغى كل حالم يرى بكرسي رئاسة البلدية عباءة أو تزعم، وذلك نتيجة تبني المقموع فكرة سقف النضال، وتماشيا مع المربع والقوقعة التي وضعته بها المؤسسة وشركاؤها.

وها نحن اليوم، على أعتاب انتخابات السلطات المحلية، فترى مجتمعنا ينشغل بالانتخابات متناسيا كل مشروع آخر وكل قضية أخرى، بتوجيه من الإعلام الأصفر الرخيص الذي يؤجج الأوضاع خدمة للمشروع الأكبر، ألا وهو طمس معالم العروبة والانصهار في المجتمع الإسرائيلي بأي ثمن، حتى دون الحصول على أقل الحقوق.

إن هدف الأحزاب والحركات الوطنية، هو بناء المجتمع والعمل على رفعته حمايته، خاصة في ظل الظروف الاستثنائية التي يمر بها فلسطينيو البلاد، أما أأن تستثمر كل الشعارات والصراعات خدمة لكرسي رئاسة لا يتعدى كونه خدماتي، مثله مثل أي كرسي آخر، متناسين ما يعاني منه مجتمعنا في الحقيقة، وأن تنسى ما ناديت به من مبادئ وشعارات، في حال تسلمت كرسي الرئاسة إنه لأمر بغيض ومرفوض.

إن الخطورة في الأمر، هو جر الجمهور وإقحامه في صراعات فئوية ضيقة، لا ترتقي إلى الحاجة الحقيقية للأقلية الفلسطينية في هذه البلاد.

لست هنا بصدد اتهام أحد، لا بل لتنبيه القيادة في الأحزاب والحركات الوطنية والاجتماعية، لأخذ دورها الحقيقي في نشل الجماهير العربية في الداخل من القوقعة التي يعيشون بها، وتوجيهها نحو المسار الصحيح لرفعة المجتمع ومصلحته في ميادين النضال الحقيقية، من القرى والمدن مرورا بالجامعات والمؤسسات الخدماتية واستثمار المجهود والطاقات لمصلحة المجتمع، ورفعته، لا في صراعات انتخابية ضيقة، وما أحوجنا اليوم إلى الوحدة والعمل الحقيقي لرفعة المجتمع ومساندته في معركة صراع البقاء أمام سياسات الحكومات العنصرية.

سامح الله من ساهم في ذلك، ولكن ذلك لا يعفي القيادة من المسؤولية والتعلم من قيادات الأقليات المقموعة، في العديد من بلدان العالم، والذين اهتموا بقضايا شعبهم ودفعوا الغالي والرخيص للحفاظ على أبناء شعبهم، وعلى مكانتهم في المجتمعات التي يعيشون بها، والحفاظ على مميزات ومبادئ شعبهم، لا جره دون خطة مدروسة إلى الغيب، حيث لا بوادر لمستقبل واعد نحمي به أبناءنا. استفيقوا من صراعاتكم الداخلية المقيتة، ولا تنتظروا أن يأتيكم مخلص خارجي، لا بل تماسكوا وتجاوزوا خلافاتكم لما به مصلحة لأبنائكم، بعيدا عن التلويح بماض لم يكن له لون اصلا.

التعليقات